الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 164 ] ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين ( 6 ) الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ( 7 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ( 8 ) )

يقول تعالى : ( قل ) يا محمد لهؤلاء المكذبين المشركين : ( إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ) لا كما تعبدونه من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرقين ، إنما الله إله واحد ، ( فاستقيموا إليه ) أي : أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل ، ( واستغفروه ) أي : لسالف الذنوب ، ( وويل للمشركين ) أي : دمار لهم وهلاك عليهم ، ( الذين لا يؤتون الزكاة ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني : الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله . وكذا قال عكرمة .

وهذا كقوله تعالى : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) [ الشمس : 9 ، 10 ] ، وكقوله : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) [ الأعلى : 14 ، 15 ] ، وقوله ( فقل هل لك إلى أن تزكى ) [ النازعات : 18 ] والمراد بالزكاة هاهنا : طهارة النفس من الأخلاق الرذيلة ، ومن أهم ذلك طهارة النفس من الشرك . وزكاة المال إنما سميت زكاة لأنها تطهره من الحرام ، وتكون سببا لزيادته وبركته وكثرة نفعه ، وتوفيقا إلى استعماله في الطاعات .

وقال السدي : ( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ) أي : لا يدينون بالزكاة .

وقال معاوية بن قرة : ليس هم من أهل الزكاة .

وقال قتادة : يمنعون زكاة أموالهم .

وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين ، واختاره ابن جرير . وفيه نظر ; لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة ، على ما ذكره غير واحد وهذه الآية مكية ، اللهم إلا أن يقال : لا يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأمورا به في ابتداء البعثة ، كقوله تعالى : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) [ الأنعام : 141 ] ، فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها بالمدينة ، ويكون هذا جمعا بين القولين ، كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله [ - صلى الله عليه وسلم - ] الصلوات الخمس ، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك ، شيئا فشيئا ، والله أعلم .

ثم قال بعد ذلك : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ) قال مجاهد وغيره : لا مقطوع ولا مجبوب ، كقوله : ( ماكثين فيه أبدا ) [ الكهف : 3 ] ، وكقوله تعالى ( عطاء غير مجذوذ ) [ هود : 108 ] .

وقال السدي : غير ممنون عليهم . وقد رد عليه بعض الأئمة هذا التفسير ، فإن المنة لله على أهل الجنة ; قال الله تعالى : ( بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ) [ الحجرات : 17 ] ، وقال أهل الجنة : ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ) [ الطور : 27 ] ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية