الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ( 128 ) ) .

يقول تعالى : واذكر يا محمد فيما تقصه عليهم وتذكرهم به ( ويوم يحشرهم جميعا ) يعني : الجن وأولياءهم ( من الإنس ) الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ، ويعوذون بهم ويطيعونهم ، ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا . ( يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ) أي : ثم يقول : يا معشر الجن . وسياق الكلام يدل على المحذوف .

ومعنى قوله : ( قد استكثرتم من الإنس ) أي : من إضلالهم وإغوائهم ، كما قال تعالى ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ) [ يس : 60 - 62 ] .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ) يعني : أضللتم منهم كثيرا . وكذلك قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة .

( وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض ) يعني : أن أولياء الجن من الإنس قالوا مجيبين لله تعالى عن ذلك بهذا .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة ، حدثنا عوف ، عن الحسن في هذه الآية قال : استكثر ربكم أهل النار يوم القيامة ، فقال أولياؤهم من الإنس : ربنا استمتع بعضنا ببعض . قال الحسن : وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت ، وعملت الإنس .

وقال محمد بن كعب في قوله : ( ربنا استمتع بعضنا ببعض ) قال : الصحابة في الدنيا .

وقال ابن جريج : كان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض ، فيقول : " أعوذ بكبير هذا الوادي " : فذلك استمتاعهم ، فاعتذروا يوم القيامة .

وأما استمتاع الجن بالإنس فإنه كان - فيما ذكر - ما ينال الجن من الإنس من تعظيمهم إياهم في استعانتهم بهم ، فيقولون : قد سدنا الإنس والجن .

[ ص: 339 ] ( وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ) قال السدي ، أي الموت .

قال : ( النار مثواكم ) أي : مأواكم ومنزلكم ، أنتم وأولياؤكم . ( خالدين فيها ) أي : ماكثين مكثا مخلدا إلا ما شاء الله .

قال بعضهم : يرجع معنى هذا الاستثناء إلى البرزخ . وقال بعضهم : هذا رد إلى مدة الدنيا . وقيل غير ذلك من الأقوال التي سيأتي تقريرها إن شاء الله عند قوله تعالى في سورة هود : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ) [ الآية : 107 ] .

وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية من طريق عبد الله بن صالح - كاتب الليث - : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : ( النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ) قال : إن هذه الآية آية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ، ولا ينزلهم جنة ولا نارا .

التالي السابق


الخدمات العلمية