الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح

                                                                                                                                                                                                        6640 حدثني مؤمل بن هشام أبو هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عوف حدثنا أبو رجاء حدثنا سمرة بن جندب رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم من رؤيا قال فيقص عليه من شاء الله أن يقص وإنه قال ذات غداة إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى قال قلت لهما سبحان الله ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه قال وربما قال أبو رجاء فيشق قال ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى قال قلت سبحان الله ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور قال فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت لهما ما هؤلاء قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال قلت لهما ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها قال قلت لهما ما هذا قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت لهما ما هذا ما هؤلاء قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن قال قالا لي ارق فيها قال فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قال قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر قال وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قال قالا لي هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قالا لي هذاك منزلك قال قلت لهما بارك الله فيكما ذراني فأدخله قالا أما الآن فلا وأنت داخله قال قلت لهما فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت قال قالا لي أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة قال فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا وشطر قبيحا فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم [ ص: 458 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 458 ] قوله : ( باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح ) فيه إشارة إلى ضعف ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض عملائهم قال : لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس .

                                                                                                                                                                                                        وفيه إشارة إلى الرد على من قال من أهل التعبير : إن المستحب أن يكون تعبير الرؤيا بعد طلوع الشمس إلى الرابعة ومن العصر إلى قبل المغرب ، فإن الحديث دال على استحباب تعبيرها قبل طلوع الشمس ، ولا يخالف قولهم بكراهة تعبيرها في أوقات كراهة الصلاة .

                                                                                                                                                                                                        قال المهلب : تعبير الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من [ ص: 459 ] الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها وقبل ما يعرض له نسيانها ، ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤيا فيستبشر بالخير ويحذر من الشر ويتأهب لذلك ، فربما كان في الرؤيا تحذير عن معصية فيكف عنها ، وربما كانت إنذارا لأمر فيكون له مترقبا ، قال : فهذه عدة فوائد لتعبير الرؤيا أول النهار . انتهى ملخصا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا ) في رواية غير أبي ذر " حدثني " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مؤمل ) بوزن محمد مهموز ( ابن هشام أبو هاشم ) كذا لأبي ذر عن بعض مشايخه وقال : الصواب أبو هشام وكذا هو عند غير أبي ذر ، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه ، وكان صهر إسماعيل شيخه في هذا الحديث على ابنته ، ولم يخرج عنه البخاري عن غير إسماعيل ، وقد أخرج البخاري عنه هذا الحديث هنا تاما ، وأخرج في الصلاة قبل الجمعة وفي أحاديث الأنبياء وفي التفسير عنه بهذا السند أطرافا ، وأخرجه أيضا تاما في أواخر كتاب الجنائز عن موسى بن إسماعيل عن جرير بن حازم عن أبي رجاء ، وأخرج في الصلاة وفي التهجد وفي البيوع وفي بدء الخلق وفي الجهاد وفي أحاديث الأنبياء وفي الأدب عنه منه بالسند المذكور أطرافا ، وأخرج مسلم قطعة من أوله من طريق جرير بن حازم ، وأخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن جرير بتمامه ، وأخرجه أيضا عن محمد بن جعفر غندر عنه عن عوف بتمامه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ) هو الذي يقال له ابن علية ، وشيخه عوف هو الأعرابي وأبو رجاء هو العطاردي واسمه عمران ، والسند كله بصريون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه ) كذا لأبي ذر عن الكشميهني ، وله عن غيره بإسقاط " يعني " وكذا وقع عند الباقين ، وفي رواية النسفي وكذا في رواية محمد بن جعفر " مما يقول لأصحابه " ، وقد تقدم في بدء الوحي ما نقل ابن مالك أنها بمعنى " مما يكثر " .

                                                                                                                                                                                                        قال الطيبي قوله مما يكثر خبر كان و ما موصولة و يكثر صلته والضمير الراجع إلى " ما فاعل يقول وأن يقول فاعل يكثر " و هل رأى أحد منكم هو المقول أي رسول الله كائنا من النفر الذين كثر منهم هذا القول ، فوضع ما موضع " منه تفخيما وتعظيما لجانبه ، وتحريره كان رسول الله يجيد تعبير الرؤيا ، وكان له مشارك في ذلك منهم ، لأن الإكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه ووثق بإصابته كقولك : كان زيد من العلماء بالنحو ومنه قول صاحبي السجن ليوسف عليه السلام نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين أي من المجيدين في عبارة الرؤيا ، وعلماء ذلك مما رأياه منه ، هذا من حيث البيان ، وأما من حيث النحو فيحتمل أن يكون قوله : " هل رأى أحد منكم رؤيا " مبتدأ والخبر مقدم عليه على تأويل هذا القول مما يكثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله ، ثم أشار إلى ترجيح الوجه السابق والمتبادر هو الثاني وهو الذي اتفق عليه أكثر الشارحين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيقص ) بضم أوله وفتح القاف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما شاء الله ) في رواية يزيد " فيقص عليه من شاء الله " وهو بفتح أوله وضم القاف وهي رواية النسفي ، و " ما " في الرواية الأولى للمقصوص و " من " في الثانية للقاص ، ووقع في رواية جرير بن حازم " فسأل يوما فقال : هل رأى أحد رؤيا؟ قلنا : لا قال : لكن رأيت الليلة " .

                                                                                                                                                                                                        قال الطيبي : وجه الاستدراك أنه [ ص: 460 ] يحب أن يعبر لهم الرؤيا ، فلما قالوا ما رأينا شيئا كأنه قال : أنتم ما رأيتم شيئا لكني رأيت ، وفي رواية أبي خلدة بفتح المعجمة وسكون اللام واسمه خالد بن دينار عن أبي رجاء عن سمرة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد يوما فقال : هل رأى أحد منكم رؤيا فليحدث بها ، فلم يحدث أحد بشيء فقال : إني رأيت رؤيا فاسمعوا مني " أخرجه أبو عوانة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإنه قال لنا ذات غداة ) لفظ : " ذات " زائد أو هو من إضافة الشيء إلى اسمه ، وفي رواية جرير بن حازم عنه " كان إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه " ، وفي رواية يزيد بن هارون عنه " إذا صلى صلاة الغداة " ، وفي رواية وهب بن جرير عن أبيه عند مسلم " إذا صلى الصبح " وبه تظهر مناسبة الترجمة ، وذكر ابن أبي حاتم من طريق زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي قال صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما صلاة الفجر فجلس " الحديث بطوله نحو حديث سمرة ، والراوي له عن زيد ضعيف .

                                                                                                                                                                                                        وأخرج أبو داود والنسائي من حديث الأعرج عن أبي هريرة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول : هل رأى أحد الليلة رؤيا " .

                                                                                                                                                                                                        وأخرج الطبراني بسند جيد عن أبي أمامة قال : " خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة الصبح فقال : إني رأيت الليلة رؤيا هي حق فاعقلوها " فذكر حديثا فيه أشياء يشبه بعضها ما في حديث سمرة ، لكن يظهر من سياقه أنه حديث آخر ، فإن في أوله " أتاني رجل فأخذ بيدي فاستتبعني حتى أتى جبلا طويلا وعرا فقال لي : ارقه ، فقلت : لا أستطيع ، فقال : إني سأسهله لك فجعلت كلما وضعت قدمي وضعتها على درجه حتى استويت على سواء الجبل ، ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم ، فقلت : من هؤلاء؟ قال : الذين يقولون ما لا يعلمون " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إنه أتاني الليلة ) بالنصب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( آتيان ) في رواية هوذة عن عوف عند ابن أبي شيبة " اثنان أو آتيان " بالشك وفي رواية جرير " رأيت رجلين أتياني " ، وفي حديث علي " رأيت ملكين " وسيأتي في آخر الحديث أنهما " جبريل وميكائيل " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإنهما ابتعثاني ) بموحدة ثم مثناة وبعد العين المهملة مثلثة كذا للأكثر ، وفي رواية الكشميهني بنون ثم موحدة ومعنى ابتعثاني أرسلاني ، كذا قال في الصحاح : بعثه وابتعثه أرسلته ، يقال ابتعثه إذا أثاره وأذهبه ، وقال ابن هبيرة : معنى ابتعثاني : أيقظاني ، ويحتمل أن يكون رأى في المنام أنهما أيقظاه فرأى ما رأى في المنام ووصفه بعد أن أفاق على أن منامه كاليقظة ، لكن لما رأى مثالا كشفه التعبير دل على أنه كان مناما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإني انطلقت معهما ) زاد جرير بن حازم في روايته " إلى الأرض المقدسة " وعند أحمد إلى أرض فضاء أو أرض مستوية ، وفي حديث علي " فانطلقا بي إلى السماء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإنا أتينا على رجل مضطجع ) في رواية جرير " مستلق على قفاه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإذا آخر قائم عليه بصخرة ) في رواية جرير " بفهر أو صخرة " ، وفي حديث علي " فمررت على ملك وأمامه آدمي وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الآدمي " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يهوي ) بفتح أوله وكسر الواو أي يسقط ، يقال هوى بالفتح يهوي هويا سقط إلى أسفل ، [ ص: 461 ] وضبطه ابن التين بضم أوله من الرباعي ، ويقال أهوى من بعد وهوى بفتح الواو من قرب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بالصخرة لرأسه فيثلغ ) بفتح أوله وسكون المثلثة وفتح اللام بعدها غين معجمة أي يشدخه ، وقد وقع في رواية جرير " فيشدخ " والشدخ كسر الشيء الأجوف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيتدهده الحجر ) بفتح المهملتين بينهما هاء ساكنة ، وفي رواية الكشميهني فيتدأدأ بهمزتين بدل الهاءين ، وفي رواية النسفي وكذا هو في رواية جرير بن حازم " فيتدهدأ " بهاء ثم همزة وكل بمعنى . والمراد أنه دفعه من علو إلى أسفل ، وتدهده إذا انحط ، والهمزة تبدل من الهاء كثيرا وتدأدأ تدحرج وهو بمعناه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هاهنا ) أي إلى جهة الضارب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيتبع الحجر ) أي الذي رمى به ( فيأخذه ) في رواية جرير " فإذا ذهب ليأخذه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلا يرجع إليه ) أي إلى الذي شدخ رأسه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى يصح رأسه ) في رواية جرير حتى " يلتئم " ، وعند أحمد " عاد رأسه كما كان " ، وفي حديث علي فيقع دماغه جانبا وتقع الصخرة جانبا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم يعود عليه ) في رواية جرير " فيعود إليه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مثل ما فعل به مرة الأولى ) كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما ، وكذا في رواية النضر بن شميل عن عوف عند أبي عوانة " المرة الأولى " وهو المراد بالرواية الأخرى ، وفي رواية جرير " فيصنع مثل ذلك " ، قال ابن العربي : جعلت العقوبة في رأس هذه النومة عن الصلاة والنوم موضعه الرأس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( انطلق انطلق ) كذا في المواضع كلها بالتكرير ، وسقط في بعضها التكرار لبعضهم ، وأما في رواية جرير فليس فيها سبحان الله وفيها " انطلق " مرة واحدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ) تقدم في الجنائز ضبط الكلوب وبيان الاختلاف فيه ، ووقع في حديث علي " فإذا أنا بملك وأمامه آدمي ، وبيد الملك كلوب من حديد فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيشرشر شدقه إلى قفاه ) أي يقطعه شقا ، والشدق جانب الفم ، وفي رواية جرير " فيدخله في شقه فيشقه حتى يبلغ قفاه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ومنخره ) كذا بالإفراد وهو المناسب ، وفي رواية جرير " ومنخريه " بالتثنية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : وربما قال أبو رجاء فيشق ) أي بدل فيشرشر ، وهذه الزيادة ليست عند محمد بن جعفر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم يتحول إلى الجانب الآخر إلخ ) اختصره في رواية جرير بن حازم ولفظه : " ثم يخرجه ، فيدخله في شقه الآخر ويلتئم هذا الشق فهو يفعل ذلك به " .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن العربي : شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية ، وعلى هذا تجري العقوبة في الآخرة بخلاف الدنيا . ووقعت هذه القصة مقدمة في رواية جرير على قصة الذي يشدخ رأسه .

                                                                                                                                                                                                        قال الكرماني : الواو لا ترتب ، والاختلاف في كونه مستلقيا وفي الأخرى [ ص: 462 ] مضطجعا والآخر كان جالسا وفي الأخرى قائما يحمل على اختلاف حال كل منهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأتينا على مثل التنور ) في رواية محمد بن جعفر " مثل بناء التنور " زاد جرير " أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نارا " كذا فيه بالنصب ، ووقع في رواية أحمد " تتوقد تحته نار " بالرفع وهي رواية أبي ذر وعليها اقتصر الحميدي في جمعه وهو واضح .

                                                                                                                                                                                                        وقال ابن مالك في كلامه على مواضع من البخاري " يوقد تحته نارا " بالنصب على التمييز وأسند يوقد إلى ضمير عائد على النقب كقولك مررت بامرأة يتضوع من أردانها طيبا والتقدير : يتضوع طيب من أردانها ، فكأنه قال : توقد ناره تحته فيصح نصب نارا على التمييز " ، قال : ويجوز أن يكون فاعل توقد موصولا بتحته فحذف وبقيت صلته دالة عليه لوضوح المعنى ، والتقدير : يتوقد الذي تحته نارا وهو على التمييز أيضا ، وذكر لحذف الموصول في مثل هذا عدة شواهد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات ) في رواية جرير " ثقب قد بني بناء التنور وفيه رجال ونساء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ) بغير همزة للأكثر وحكى الهمز أي رفعوا أصواتهم مختلطة ومنهم من سهل الهمزة ، قال في النهاية : الضوضاة أصوات الناس ولغطهم وكذا الضوضى بلا هاء مقصور ، وقال الحميدي : المصدر بغير همز ، وفي رواية جرير " فإذا اقتربت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا ، فإذا خمدت رجعوا " ، وعند أحمد " فإذا أوقدت " بدل " اقتربت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم ) في رواية جرير بن حازم " على نهر من دم " ولم يقل حسبت .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سابح يسبح ) بفتح أوله وسكون المهملة بعدها موحدة مفتوحة ثم حاء مهملة أي يعوم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سبح ما سبح ) بفتحتين والموحدة خفيفة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم يأتي ذلك الذي ) فاعل " يأتي " هو السابح ، وذلك في موضع نصب على المفعولية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيفغر ) بفتح أوله وسكون الفاء وفتح الغين المعجمة بعدها راء أي يفتحه وزنه ومعناه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كلما رجع إليه ) في رواية المستملي " كما رجع إليه ففغر له فاه " ، ووقع في رواية جرير بن حازم " فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه ورده حيث كان " ويجمع بين الروايتين أنه إذا أراد أن يخرج فغر فاه وأنه يلقمه الحجر يرميه إياه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كريه المرآة ) بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة بعدها هاء تأنيث ، قال ابن التين : أصله المرأية تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وزنه مفعلة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كأكره ما أنت راء رجلا مرآة ) بفتح الميم أي قبيح المنظر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإذا عنده نار ) في رواية يحيى بن سعيد القطان عن عوف عند الإسماعيلي " عند نار " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يحشها ) بفتح أوله وبضم الحاء المهملة وتشديد الشين المعجمة من الثلاثي ، وحكى في المطالع [ ص: 463 ] ضم أوله من الرباعي ، وفي رواية جرير بن حازم " يحششها " بسكون الحاء وضم الشين المعجمة المكررة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويسعى حولها ) في رواية جرير " ويوقدها " وهو تفسير يحشها ، قال الجوهري : حششت النار أحشها حشا أوقدتها ، وقال في التهذيب : حششت النار بالحطب ضممت ما تفرق من الحطب إلى النار ، وقال ابن العربي : حش ناره حركها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأتينا على روضة معتمة ) بضم الميم وسكون المهملة وكسر المثناة وتخفيف الميم بعدها هاء تأنيث .

                                                                                                                                                                                                        ولبعضهم بفتح المثناة وتشديد الميم يقال : أعتم البيت إذا اكتهل ونخلة عتيمة : طويلة ، وقال الداودي أعتمت الروضة : غطاها الخصب ، وهذا كله على الرواية بتشديد الميم .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن التين : ولا يظهر للتخفيف وجه ، قلت : الذي يظهر أنه من العتمة وهو شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة كقوله تعالى : مدهامتان وضبط ابن بطال روضة مغنمة بكسر الغين المعجمة وتشديد النون ، ثم نقل عن ابن دريد : واد أغن ومغن إذا كثر شجره ، وقال الخليل : روضة غناء كثيرة العشب ، وفي رواية جرير بن حازم " روضة خضراء وإذا فيها شجرة عظيمة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من كل لون الربيع ) كذا للأكثر ، وفي رواية الكشميهني " نور " بفتح النون وبراء بدل " لون " وهي رواية النضر بن شميل عند أبي عوانة ، والنور بالفتح الزهر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإذا بين ظهري الروضة ) بفتح الراء وكسر الياء التحتانية تثنية ظهر ، وفي رواية يحيى بن سعيد " بين ظهراني " وهما بمعنى والمراد وسطها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( رجل طويل ) زاد النضر " قائم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا أكاد أرى رأسه طولا ) بالنصب على التمييز ، قوله : ( وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط ) قال الطيبي : أصل هذا الكلام وإذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانا قط أكثر منهم ، ونظيره قوله بعد ذلك " لم أر روضة قط أعظم منها " ، ولما أن كان هذا التركيب يتضمن معنى النفي جازت زيادة " من وقط " التي تختص بالماضي المنفي ، وقال ابن مالك : جاز استعمال قط في المثبت في هذه الرواية وهو جائز ، وغفل أكثرهم عن ذلك فخصوه بالماضي المنفي .

                                                                                                                                                                                                        قلت : والذي وجهه به الطيبي حسن جدا ، ووجهه الكرماني بأنه يجوز أن يكون اكتفى بالنفي الذي يلزم من التركيب إذ المعنى : ما رأيتهم أكثر من ذلك ، أو النفي مقدر . وسبق نظيره في قوله في صلاة الكسوف " فصلى بأطول قيام رأيته قط " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقلت لهما ما هؤلاء ) في بعض الطرق " ما هذا " وعليها شرح الطيبي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن ، قال قالا لي : ارق فارتقيت فيها ) في رواية أحمد والنسائي وأبي عوانة والإسماعيلي " إلى دوحة " بدل " روضة " والدوحة الشجرة الكبيرة ، وفيه " فصعدا بي في الشجرة " وهي التي تناسب الرقي والصعود .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة ) اللبن بفتح ، اللام وكسر الموحدة جمع لبنة وأصلها [ ص: 464 ] ما يبنى به من طين ، وفي رواية جرير بن حازم " فأدخلاني دارا لم أر قط أحسن منها ، فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وفتيان ، ثم أخرجاني منها فأدخلاني دارا هي أحسن منها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم ) بفتح الخاء وسكون اللام بعدها قاف أي هيئتهم ، وقوله شطر مبتدأ و كأحسن الخبر والكاف زائدة والجملة صفة رجال ، وهذا الإطلاق يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله ونصفهم قبيح كله ، ويحتمل أن يكون كل واحد منهم نصفه حسن ونصفه قبيح ، والثاني هو المراد ، ويؤيده قولهم في صفته " هؤلاء قوم خلطوا " أي عمل كل منهم عملا صالحا وخلطه . بعمل سيئ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقعوا في ذلك النهر ) بصيغة فعل الأمر بالوقوع ، والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( نهر معترض ) أي يجري عرضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كأن ماءه المحض ) بفتح الميم وسكون المهملة بعدها ضاد معجمة هو اللبن الخالص عن الماء حلوا كان أو حامضا ، وقد بين جهة التشبيه بقوله : " من البياض " ، وفي رواية النسفي والإسماعيلي " في البياض " ، قال الطيبي كأنهم سموا اللبن بالصفة ثم استعمل في كل صاف قال : ويحتمل أن يراد بالماء المذكور عفو الله عنهم أو التوبة منهم كما في الحديث " اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ذهب ذلك السوء عنهم ) أي صار القبيح كالشطر الحسن ، فذلك قال : وصاروا في أحسن صورة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قالا لي هذه جنة عدن ) يعني المدينة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فسما ) بفتح السين المهملة وتخفيف الميم أي نظر إلى فوق و قوله : ( صعدا ) بضم المهملتين أي ارتفع كثيرا وضبطه ابن التين بفتح العين واستبعد ضمها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مثل الربابة ) بفتح الراء وتخفيف الموحدتين المفتوحتين وهي السحابة البيضاء ، ويقال لكل سحابة منفردة دون السحاب ولو لم تكن بيضاء ، وقال الخطابي : الربابة السحابة التي ركب بعضها على بعض ، وفي رواية جرير " فرفعت رأسي فإذا هو في السحاب " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ذراني فأدخله ، قالا : أما الآن فلا وأنت داخله ) في رواية جرير بن حازم " فقلت دعاني أدخل منزلي ، قالا : أنه بقي لك عمر لم تستكمله ، ولو استكملته أتيت منزلك " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت ، قال قالا أما ) بتخفيف الميم ( إنا سنخبرك ) في رواية جرير ، فقلت طوفتما بي الليلة " وهي بموحدة ولبعضهم بنون " فأخبراني عما رأيت ، قال نعم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيرفضه ) بكسر الفاء ويقال بضمها . قال ابن هبيرة : رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 465 ] قوله : ( وينام عن الصلاة المكتوبة ) هذا أوضح من رواية جرير بن حازم بلفظ : " علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار " فإن ظاهره أنه يعذب على ترك قراءة القرآن بالليل ، بخلاف رواية عوف فإنه على تركه الصلاة المكتوبة ، ويحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين ؛ ترك القراءة وترك العمل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يغدو من بيته ) أي يخرج منه مبكرا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ) في رواية جرير بن حازم " فكذوب يحدث بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة " ، وفي رواية موسى بن إسماعيل في أواخر الجنائز " والرجل الذي رأيته يشق شدقه فكذاب " .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن مالك : لا بد من جعل الموصوف الذي هنا للمعين كالعام حتى جاز دخول الفاء في خبره ، أي المراد هو وأمثاله ، كذا نقله الكرماني ، ولفظ ابن مالك في هذا شاهد على أن الحكم قد يستحق بجزء العلة ، وذلك أن المبتدأ لا يجوز دخول الفاء على خبره إلا إذا كان شبيها بمن الشرطية في العموم واستقبال ما يتم به المعنى نحو الذي يأتيني فمكرم ، لو كان المقصود بالذي معينا زالت مشابهته بمن وامتنع دخول الفاء على الخبر كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدآت المقصود بها التعيين نحو : زيد فمكرم لم يجز ، فكذا الذي لا يجوز الذي يأتيني إذا قصدت به معينا ، لكن الذي يبني عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم فجاز دخول الفاء حملا للشبيه على الشبيه ، ونظيره قوله تعالى : وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله فإن مدلول " ما " معين ومدلول " أصابكم " ماض ، إلا أنه روعي فيه التشبيه اللفظي لشبه هذه الآية بقوله تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم فأجري " ما في " مصاحبة الفاء مجرى واحدا . انتهى .

                                                                                                                                                                                                        قال الطيبي : هذا كلام متين ، لكن جواب الملكين تفصيل لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة لا بد من ذكر كلمة التفصيل أو تقديرها فالفاء جواب أما ثم قال : والفاء في قوله : " فأولاد الناس " جاز دخولها على الخبر لأن الجملة معطوفة على مدخول " أما " في قوله : " أما الرجل " ، وقد تحذف الفاء في بعض المحذوفات نظرا إلى أن أما لما حذفت حذف مقتضاها وكلاهما جائز ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                                                        وقوله تحمل بالتخفيف للأكثر ولبعضهم بالتشديد ، وإنما استحق التعذيب لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد وهو فيها مختار غير مكره ولا ملجإ .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن هبيرة : لما كان الكاذب يساعد أنفه وعينه لسانه على الكذب بترويج باطله وقعت المشاركة بينهم في العقوبة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في مثل بناء التنور ) في رواية جرير " والذي رأيته في النقب " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فهم الزناة ) مناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهتك ، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإنه آكل الربا ) قال ابن هبيرة إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة لأن أصل الربا يجري في الذهب والذهب أحمر ، وأما إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئا وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من ورائه محقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الذي عند النار ) في رواية الكشميهني " عنده النار " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خازن جهنم ) إنما كان كريه الرؤية لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم ) في رواية جرير " والشيخ في أصل الشجرة [ ص: 466 ] إبراهيم " وإنما اختص إبراهيم لأنه أبو المسلمين ، قال تعالى : ملة أبيكم إبراهيم وقال تعالى : إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه الآية ( وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة ) في رواية النضر بن شميل " ولد على الفطرة " وهي أشبه بقوله في الرواية الأخرى " وأولاد المشركين " ، وفي رواية جرير " فأولاد الناس " لم أر ذلك إلا في هذه الطريق ، ووقع في حديث أبي أمامة الذي نبهت عليه في أول شرح هذا الحديث " ثم انطلقنا فإذا نحن بجوار وغلمان يلعبون بين نهرين ، فقلت ما هؤلاء قال : ذرية المؤمنين " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال بعض المسلمين ) لم أقف على اسمه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأولاد المشركين ) تقدم البحث فيه مستوفى في أواخر الجنائز وظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة ولا يعارض قوله : هم من آبائهم لأن ذلك حكم الدنيا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح ) كذا في الموضعين بنصب شطرا ولغير أبي ذر " شطر " في الموضعين بالرفع وحسنا وقبيحا بالنصب ولكل وجه ، وللنسفي والإسماعيلي بالرفع في الجميع ، وعليه اقتصر الحميدي في جمعه و " كان " في هذه الرواية تامة والجملة حالية ، وزاد جرير بن حازم في روايته " والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين وهذه الدار دار الشهداء وأنا جبريل وهذا ميكائيل " .

                                                                                                                                                                                                        وفي حديث أبي أمامة " ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء أقبح شيء منظرا وأنتنه ريحا كأنما ريحهم المراحيض ، قلت : ما هؤلاء؟ قال : هؤلاء الزواني والزناة ، ثم انطلقنا فإذا نحن بموتى أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا ، قلت : ما هؤلاء قال : هؤلاء موتى الكفار . ثم انطلقنا فإذا نحن برجال نيام تحت ظلال الشجر ، قلت : ما هؤلاء؟ قال : هؤلاء موتى المسلمين ، ثم انطلقنا فإذا نحن برجال أحسن شيء وجها وأطيبه ريحا ، قلت : ما هؤلاء؟ قال ، هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        وفي هذا الحديث من الفوائد أن الإسراء وقع مرارا يقظة ومناما على أنحاء شتى .

                                                                                                                                                                                                        وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البرزخ .

                                                                                                                                                                                                        وفيه نوع من تلخيص العلم وهو أن يجمع القضايا جملة ثم يفسرها على الولاء ليجتمع تصورها في الذهن ، والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة ، وعن رفض القرآن لمن يحفظه ، وعن الزنا وأكل الربا وتعمد الكذب ، وأن الذي له قصر في الجنة لا يقيم فيه وهو في الدنيا بل إذا مات ، حتى النبي والشهيد .

                                                                                                                                                                                                        وفيه الحث على طلب العلم واتباع من يلتمس منه ذلك .

                                                                                                                                                                                                        وفيه فضل الشهداء وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل ، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم - عليه السلام - لاحتمال أن إقامته . هناك بسبب كفالته الولدان ، ومنزله هو في المنزلة التي هي أعلى من منازل الشهداء كما تقدم في الإسراء أنه رأى آدم في السماء الدنيا ، وإنما كان كذلك لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير ومن أهل الشر فيضحك ويبكي مع أن منزلته هو في عليين ، فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم في منزلته .

                                                                                                                                                                                                        وفيه أن من استوت حسناته وسيئاته يتجاوز الله عنهم ، اللهم تجاوز عنا برحمتك يا أرحم الراحمين .

                                                                                                                                                                                                        وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل تعبيرها واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح لأنه الوقت الذي يكون فيه البال مجتمعا .

                                                                                                                                                                                                        وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة وأراد أن يعظهم أو يفتيهم أو يحكم بينهم .

                                                                                                                                                                                                        وفيه أن ترك استقبال القبلة للإقبال عليهم لا يكره بل يشرع كالخطيب ، قال الكرماني : مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة إلا الزناة ففيها خفاء ، وبيانه أن العري فضيحة كالزنا ، والزاني من شأنه طلب الخلوة فناسب التنور ، ثم هو خائف حذر حال الفعل كأن تحته النار ، وقال أيضا : الحكمة في الاقتصار على من ذكر من العصاة دون غيرهم أن العقوبة تتعلق بالقول أو [ ص: 467 ] الفعل ، فالأول على وجود ما لا ينبغي منه أن يقال ، والثاني إما بدني وإما مالي فذكر لكل منهم مثالا ينبه به على من عداه ، كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب وأنهم أربع درجات ؛ درجات النبي ، ودرجات الأمة أعلاها الشهداء ، وثانيها من بلغ ، وثالثها من كان دون البلوغ . انتهى ملخصا .

                                                                                                                                                                                                        ( خاتمة ) :

                                                                                                                                                                                                        اشتمل كتاب التعبير من الأحاديث المرفوعة على تسعة وتسعين حديثا ، الموصول منه اثنان وثمانون والبقية ما بين معلق ، ومتابعة المكرر منها فيه وفيما مضى خمسة وسبعون طريقا والبقية خالصة ، وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث أبي سعيد : إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها وحديث الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين وحديث عكرمة عن ابن عباس وهو يشتمل على ثلاثة أحاديث " من تحلم ، ومن استمع ، ومن صور " وحديث ابن عمر من أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم ير وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين عشرة . والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية