الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6506 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بعصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا علي ) هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم ) في رواية مسلم : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " ، أخرجه عن ابن أبي عمر عن سفيان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لو أن امرأ ) تقدم ضبطه قبل ستة أبواب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لم يكن عليك جناح ) عند مسلم من هذا الوجه " ما كان عليك من جناح " ، والمراد بالجناح هنا الحرج ، وقد أخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن ابن عيينة بلفظ " ما كان عليك من حرج " ، ومن طريق ابن عجلان عن أبيه عن الزهري عن أبي هريرة " ما كان عليك من ذلك من شيء " .

                                                                                                                                                                                                        ووقع عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه " أخرجه من رواية أبي صالح عنه ، وفيه رد على من حمل الجناح هنا على الإثم ، ورتب على ذلك وجوب الدية ؛ إذ لا يلزم من رفع الإثم رفعها لأن وجوب الدية من خطاب الوضع ، ووجه الدلالة أن إثبات الحل يمنع ثبوت القصاص والدية ، وورد من وجه آخر عن أبي هريرة أصرح من هذا عند أحمد وابن أبي عاصم والنسائي وصححه ابن حبان والبيهقي كلهم من رواية بشير بن نهيك عنه بلفظ " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فلا دية ولا قصاص " ، وفي رواية من هذا الوجه " فهو هدر " .

                                                                                                                                                                                                        وفي هذه الأحاديث من الفوائد إبقاء شعر الرأس وتربيته واتخاذ آلة يزيل بها عنه الهوام ويحك بها لدفع الوسخ أو القمل .

                                                                                                                                                                                                        وفيه مشروعية الاستئذان على من يكون في بيت مغلق الباب ومنع التطلع عليه من خلل الباب ، وفيه مشروعية الامتشاط ، وقد تقدم كثير من هذا كله في " باب الاستئذان " وأن الاستئذان لا يختص بغير المحارم بل يشرع على من كان منكشفا ولو كان أما أو أختا واستدل به على جواز رمي من يتجسس ولو لم يندفع بالشيء الخفيف جاز بالثقيل ، وأنه إن أصيبت نفسه أو بعضه فهو هدر ، وذهب المالكية إلى القصاص وأنه لا يجوز قصد العين ولا غيرها ، واعتلوا بأن المعصية لا تدفع بالمعصية ، وأجاب الجمهور بأن المأذون فيه إذا ثبت الإذن لا يسمى معصية وإن كان الفعل لو تجرد عن هذا السبب يعد معصية ، وقد اتفقوا على جواز دفع الصائل ولو أتى على نفس المدفوع ، وهو بغير السبب المذكور معصية فهذا ملحق به مع ثبوت النص فيه ، وأجابوا عن الحديث بأنه ورد على سبيل التغليظ والإرهاب ، ووافق الجمهور منهم ابن نافع ، وقال يحيى بن عمر منهم لعل مالكا لم يبلغه الخبر .

                                                                                                                                                                                                        وقال القرطبي في " المفهم " ما كان - عليه الصلاة والسلام - بالذي يهم أن يفعل ما لا يجوز أو يؤدي إلى ما لا يجوز ، والحمل على رفع الإثم لا يتم مع وجود النص برفع الحرج وليس مع النص قياس ، واعتل بعض المالكية أيضا بالإجماع على أن من قصد النظر إلى عورة الآخر ظاهر أن ذلك لا يبيح فقء عينه ولا سقوط ضمانها عمن فقأها فكذا إذا كان المنظور في بيته وتجسس الناظر إلى ذلك ، ونازع القرطبي في ثبوت هذا الإجماع وقال : إن الخبر يتناول كل مطلع ، قال : وإذا تناول المطلع في البيت مع المظنة فتناوله المحقق أولى .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وفيه نظر ؛ لأن التطلع إلى ما في داخل البيت لم ينحصر في النظر إلى شيء معين كعورة الرجل مثلا بل يشمل استكشاف الحريم وما يقصد صاحب البيت ستره من الأمور التي لا يجب اطلاع كل أحد عليها ، ومن ثم ثبت النهي عن التجسيس والوعيد عليه حسما لمواد ذلك ، فلو ثبت الإجماع المدعى لم يستلزم رد هذا الحكم الخاص ، ومن المعلوم أن العاقل يشتد عليه أن الأجنبي يرى وجه زوجته وابنته ونحو ذلك وكذا في حال ملاعبته أهله أشد مما رأى الأجنبي ذكره [ ص: 256 ] منكشفا ، والذي ألزمه القرطبي صحيح في حق من يروم النظر فيدفعه المنظور إليه ، وفي وجه للشافعية لا يشرع في هذه الصورة ، وهل يشترط الإنذار قبل الرمي؟ وجهان ، قيل يشترط كدفع الصائل ، وأصحهما لا لقوله في الحديث " يختله بذلك " وفي حكم المتطلع من خلل الباب الناظر من كوة من الدار وكذا من وقف في الشارع فنظر إلى حريم غيره أو إلى شيء في دار غيره ، وقيل المنع مختص بمن كان في ملك المنظور إليه ، وهل يلحق الاستماع بالنظر؟ وجهان ، الأصح لا ، لأن النظر إلى العورة أشد من استماع ذكرها ، وشرط القياس المساواة أو أولوية المقيس وهنا بالعكس .

                                                                                                                                                                                                        واستدل به على اعتبار قدر ما يرمى به بحصى الخذف المقدم بيانها في كتاب الحج لقوله في حديث الباب " فخذفته " فلو رماه بحجر يقتل أو سهم تعلق به القصاص ، وفي وجه لا ضمان مطلقا ولو لم يندفع إلا بذلك جاز ، ويستثنى من ذلك من له في تلك الدار زوج أو محرم أو متاع فأراد الاطلاع عليه فيمتنع رميه للشبهة ، وقيل لا فرق ، وقيل : يجوز إن لم يكن في الدار غير حريمه فإن كان فيها غيرهم أنذر فإن انتهى وإلا جاز ، ولو لم يكن في الدار إلا رجل واحد هو مالكها أو ساكنها لم يجز الرمي قبل الإنذار إلا إن كان مكشوف العورة ، وقيل يجوز مطلقا لأن من الأحوال ما يكره الاطلاع عليه كما تقدم ، ولو قصر صاحب الدار بأن ترك الباب مفتوحا وكان الناظر مجتازا فنظر غير قاصد لم يجز ، فإن تعمد النظر فوجهان أصحهما لا ، ويلتحق بهذا من نظر من سطح بيته ففيه الخلاف . وقد توسع أصحاب الفروع في نظائر ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن دقيق العيد : وبعض تصرفاتهم مأخوذة من إطلاق الخبر الوارد في ذلك ، وبعضها من مقتضى فهم المقصود ، وبعضها بالقياس على ذلك ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية