الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1648 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف منها والمسألة اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة قال أبو داود اختلف على أيوب عن نافع في هذا الحديث قال عبد الوارث اليد العليا المتعففة و قال أكثرهم عن حماد بن زيد عن أيوب اليد العليا المنفقة و قال واحد عن حماد المتعففة

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( منها ) : أي من أخذ الصدقة ( والمسألة ) : عطف على الصدقة أي يذكر السؤال . وفي رواية البخاري وذكر الصدقة والتعفف والمسألة بالواو قبل المسألة كما عند المؤلف . وفي رواية مسلم عن قتيبة عن مالك والتعفف عن المسألة . والمعنى أنه كان يحض الغني على الصدقة ، والفقير على التعفف عن المسألة أو يحضه على التعفف ويذم المسألة ( اليد العليا ) : أي المنفقة أو المتعففة أو العطية الجزيلة على اختلاف الأقوال والأولى ما فسر الحديث بالحديث ( خير من اليد السفلى ) : أي السائل أو العطية القليلة .

                                                                      وفي فتح الباري : وأما يد الآدمي فهي أربعة : يد المعطي وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا ، ثانيها يد السائل ، وقد تضافرت بأنها سفلى سواء أخذت أم لا وهذا موافق لكيفية الإعطاء [ ص: 49 ] والأخذ غالبا ، وللمقابلة بين العلو والسفل المشتق منهما ، ثالثها يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلا ، وهذه توصف بكونها عليا علوا معنويا ، رابعها الآخذ بغير سؤال وهذه قد اختلف فيها ، فذهب جمع إلى أنها سفلى وهذا بالنظر إلى الأمر المحسوس ، وأما المعنوي فلا يطرد فقد تكون عليا في بعض الصور . انتهى مختصرا .

                                                                      قال الخطابي : رواية من قال المتعففة أشبه وأصح في المعنى ، وذلك أن عمر ذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الكلام وهو يذكر الصدقة والتعفف منها ، فعطف الكلام على سننه الذي خرج عليه وعلى ما يطابقه في معناه أولى . وقد يتوهم كثير من الناس أن معنى العليا هو أن يد المعطي مستعلية فوق يد الآخذ ، يجعلونه من علوت الشيء إلى فوق ، وليس ذلك عندي بالوجه ، وإنما هو من : على المجد والكرم ، يريد به الترفع عن المسألة والتعفف عنها ، انتهى . ( واليد العليا المنفقة ) : من الإنفاق ( اختلف على أيوب ) : السختياني ( قال عبد الوارث ) : عن أيوب ( اليد العليا المتعففة ) : بالعين والفاءين من العفة .

                                                                      [ ص: 50 ] والحاصل أن بعض الرواة عن أيوب مثل حماد بن زيد وغيره روى عن أيوب بلفظ اليد العليا المنفقة ، كما رواه مالك ، وأما عبد الوارث فروى عن أيوب بلفظ اليد العليا ، وهذا الاختلاف على أيوب السختياني ، ثم اختلف على حماد بن زيد الراوي عن أيوب ، فقال أكثر الرواة عن حماد بن زيد عن أيوب اليد العليا المنفقة ( وقال واحد ) : هو مسدد بن مسرهد كما رواه مسدد في مسنده ومن طريقه أخرجه ابن عبد البر في التمهيد ، كذا في الفتح .

                                                                      وقال الحافظ زين العراقي : قلت بل قاله عن حماد اثنان أبو الربيع سليمان الزهراني ، كما رويناه في كتاب الزكاة ليوسف بن يعقوب القاضي والآخر مسدد ، كما رواه ابن عبد البر في التمهيد ، ورواه أيضا عن نافع موسى بن عقبة فاختلف عليه ، فقال إبراهيم بن طهمان عنه : المتعففة ، وقال حفص بن ميسرة عنه : المنفقة رويناهما في سنن البيهقي ورجح الخطابي في المعالم رواية المتعففة ، فقال : إنها أشبه وأصح ، ورجح ابن عبد البر في التمهيد رواية المنفقة ، فقال : إنها أولى وأشبه بالصواب من قول من قال المتعففة ، وكذا رواه البخاري في صحيحه عن غارم عن حماد بن زيد . وقال النووي في شرح مسلم إنه الصحيح ، قال ويحتمل صحة الروايتين ، فالمنفقة أعلى من السائلة ، والمتعففة أولى من السائلة انتهى . قال الحافظ في الفتح : وأما رواية عبد الوارث فلم أقف عليها موصولة . وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق سليمان بن حرب عن حماد بلفظ : واليد العليا المعطي ، وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ المتعففة فقد صحف كذا في الغاية .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بهذا اللفظ اليد العليا المنفقة والسفلى السائلة . وروي عن الحسن البصري أن السفلى الممسكة المانعة انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية