الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1805 حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج فأهدى وساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى وساق الهدي ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل له من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل الناس مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس [ ص: 184 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 184 ] ( تمتع ) : قال القاضي هو محمول على التمتع اللغوي وهو القران آخرا ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج مفردا ثم أحرم بالعمرة فصار قارنا في آخر أمره والقارن هو متمتع من حيث اللغة . ومن حيث المعنى لأنه ترفه باتحاد الميقات والإحرام والفعل ويتعين هذا التأويل هنا للجمع بين الأحاديث في ذلك ( وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ ) : فهو محمول على التلبية في أثناء الإحرام وليس المراد أنه أحرم في أول أمره بعمرة ثم أحرم بحج لأنه يفضي إلى مخالفة الأحاديث فوجب تأويل هذا على موافقتها ويؤيد هذا التأويل ( وتمتع الناس إلخ ) : ومعلوم أن كثيرا منهم أو أكثرهم أحرموا بالحج أولا مفردا وإنما فسخوه إلى العمرة آخرا فصاروا متمتعين فقوله وتمتع الناس يعني في آخر الأمر ( ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت إلخ ) : معناه يفعل الطواف والسعي والتقصير وقد صار حلالا وهذا دليل على أن التقصير أو الحلق نسك من مناسك الحج . وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي ، وبه قال جماهير العلماء وقيل إنه استباحة محظور وليس بنسك وهذا ضعيف وإنما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتقصير ولم يأمره بالحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له [ ص: 185 ] شعر يحلقه في الحج فإن الحلق في تحلل الحج أفضل منه في تحليل العمرة ( وليحلل ) : معناه قد صار حلالا فله فعل ما كان محظورا عليه في الإحرام من الطيب واللباس والنساء والصيد وغير ذلك ( ثم ليهل بالحج ) : أي ويحرم به في وقت الخروج إلى عرفات لا أنه يهل به عقب تحلل العمرة . ولهذا قال ثم ليهل فأتى بثم التي هي للتراخي والمهلة ( وليهد ) المراد به هدي التمتع فهو واجب بشروط الأول أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج الثاني أن يحج من عامه الثالث أن يكون أفقيا لا من حاضري المسجد وحاضروه أهل الحرم ومن كان منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة الرابع أن لا يعود إلى الميقات لإحرام الحج قاله النووي ( فمن لم يجد هديا ) : فالمراد لم يجده هناك إما لعدم الهدي أو لعدم ثمنه وإما لكونه يباع بأكثر من المثل وإما لكونه موجودا لكنه لا يبيعه صاحبه ففي كل هذه الصور يكون عادما للهدي فينتقل إلى الصوم سواء كان واجدا لثمنه في بلده أم لا ( فليصم ثلاثة أيام في الحج ) : هو موافق لنص كتاب الله تعالى ويجب صوم هذه الثلاثة قبل يوم النحر ويجوز صوم يوم عرفة منها لكن الأولى أن يصوم الثلاثة قبله والأفضل أن لا يصومها حتى يحرم بالحج بعد فراغه من العمرة فإن صامها بعد فراغه من العمرة وقبل الإحرام بالحج أجزأه وإن صامها بعد الإحرام بالعمرة وقبل فراغها لم يجزئه على الصحيح ، فإن لم يصمها قبل يوم النحر وأراد صومها في أيام التشريق ففي صحته قولان مشهوران للشافعي أصحهما من حيث الدليل جوازه .

                                                                      هذا تفضيل مذهب الشافعي ووافقه أصحاب مالك في أنه لا يجوز صوم الثلاثة قبل الفراغ من العمرة وجوزه الثوري وأبو حنيفة ولو ترك صيامها حتى مضي العيد والتشريق لزمه قضاؤها عند الشافعي . وقال أبو حنيفة : يفوت صيامها ويلزمه الهدي [ ص: 186 ] إذا استطاعه . وأما صوم السبعة فيجب إذا رجع وفي المراد بالرجوع خلاف . والصحيح أنه إذا رجع إلى أهله وهذا هو الصواب لهذا الحديث الصحيح الصريح والثاني إذا فرغ من الحج ورجع إلى مكة من منى وهذان القولان للشافعي ومالك وبالثاني قال أبو حنيفة ولو لم يصم الثلاثة ولا السبعة حتى عاد إلى وطنه لزمه صوم عشرة أيام قاله النووي ( وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة إلخ ) : فيه إثبات طواف القدوم واستحباب الرمل فيه هو الخبب وأنه يصلي ركعتي الطواف وأنهما يستحبان خلف المقام .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي .




                                                                      الخدمات العلمية