تنبيه .
في هذه الآية الكريمة سؤالان معروفان :
الأول : هو ما حكمة عطف
nindex.php?page=treesubj&link=28908_28993المضارع في قوله : فتصبح على الماضي الذي هو أنزل ؟
السؤال الثاني : ما وجه الرفع في قوله : فتصبح مع أن قبلها استفهاما ؟
فالجواب عن الأول : أن النكتة في المضارع هي إفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول : أنعم على فلان عام كذا وكذا ، فأروح وأغدو شاكرا له ، ولو قلت : فغدوت ورحت ، لم يقع ذلك الموقع ، هكذا أجاب به
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
والذي يظهر لي والله أعلم : أن التعبير بالمضارع يفيد استحضار الهيئة التي اتصفت بها الأرض : بعد نزول المطر ، والماضي لا يفيد دوام استحضارها ; لأنه يفيد انقطاع الشيء .
أما الرفع في قوله : فتصبح ; فلأنه ليس مسببا عن الرؤية التي هي موضع الاستفهام ، وإنما هو مسبب الإنزال في قوله : أنزل ، والإنزال الذي هو سبب إصباح الأرض مخضرة ليس فيه استفهام ، ومعلوم أن الفاء التي ينصب بعدها المضارع إن حذفت جاز جعل مدخولها جزاء للشرط ، ولا يمكن أن تقول هنا : إن تر أن الله أنزل من السماء ماء ، تصبح الأرض مخضرة ; لأن الرؤية لا أثر لها ألبتة في اخضرار الأرض ، بل سببه إنزال الماء لا رؤية إنزاله .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في " الكشاف " في الجواب عن هذا السؤال : فإن قلت : فما له رفع ولم ينصب جوابا للاستفهام .
قلت : لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض ; لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار .
مثاله : أن تقول لصاحبك : ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر ، إن تنصبه فأنت ناف لشكره شاك تفريطه ، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر ، وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من
[ ص: 296 ] اتسم بالعلم في علم الإعراب ، وتوقير أهله ، انتهى منه . وذكر نحوه
أبو حيان في البحر ظانا أنه أوضحه ، ولا يظهر لي كل الظهور ، والعلم عند الله تعالى .
فإن قيل : كيف قال : فتصبح مع أن اخضرار الأرض ، قد يتأخر عن صبيحة المطر .
فالجواب : أنه على قول من قال : فتصبح الأرض مخضرة أي : تصير مخضرة فالأمر واضح ، والعرب تقول : أصبح فلان غنيا مثلا بمعنى صار ، وذكر
أبو حيان عن بعض أهل العلم : أن بعض البلاد تصبح فيه الأرض مخضرة في نفس صبيحة المطر .
وذكر
عكرمة وابن عطية وعلي هذا فلا إشكال . وقال بعضهم : إن الفاء للتعقيب ، وتعقيب كل شيء بحسبه كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة [ 23 \ 14 ] مع أن بين ذلك أربعين يوما كما في الحديث ، قاله
ابن كثير ، وقوله : لطيف خبير أي : لطيف بعباده ، ومن لطفه بهم إنزاله المطر وإنباته لهم به أقواتهم ، خبير بكل شيء ، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض سبحانه وتعالى علوا كبيرا .
تَنْبِيهٌ .
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سُؤَالَانِ مَعْرُوفَانِ :
الْأَوَّلُ : هُوَ مَا حِكْمَةُ عَطْفِ
nindex.php?page=treesubj&link=28908_28993الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ : فَتُصْبِحُ عَلَى الْمَاضِي الَّذِي هُوَ أَنْزَلَ ؟
السُّؤَالُ الثَّانِي : مَا وَجْهُ الرَّفْعِ فِي قَوْلِهِ : فَتُصْبِحُ مَعَ أَنَّ قَبْلَهَا اسْتِفْهَامًا ؟
فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ النُّكْتَةَ فِي الْمُضَارِعِ هِيَ إِفَادَةُ بَقَاءِ أَثَرِ الْمَطَرِ زَمَانًا بَعْدَ زَمَانٍ كَمَا تَقُولُ : أَنْعَمَ عَلَى فُلَانٍ عَامَ كَذَا وَكَذَا ، فَأَرُوحُ وَأَغْدُو شَاكِرًا لَهُ ، وَلَوْ قُلْتَ : فَغَدَوْتُ وَرُحْتُ ، لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ ، هَكَذَا أَجَابَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ : أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمُضَارِعِ يُفِيدُ اسْتِحْضَارَ الْهَيْئَةِ الَّتِي اتَّصَفَتْ بِهَا الْأَرْضُ : بَعْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ ، وَالْمَاضِي لَا يُفِيدُ دَوَامَ اسْتِحْضَارِهَا ; لِأَنَّهُ يُفِيدُ انْقِطَاعَ الشَّيْءِ .
أَمَّا الرَّفْعُ فِي قَوْلِهِ : فَتُصْبِحُ ; فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَبَّبًا عَنِ الرُّؤْيَةِ الَّتِي هِيَ مَوْضِعُ الِاسْتِفْهَامِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسَبَّبُ الْإِنْزَالِ فِي قَوْلِهِ : أَنْزَلَ ، وَالْإِنْزَالُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ إِصْبَاحِ الْأَرْضِ مُخْضَرَّةً لَيْسَ فِيهِ اسْتِفْهَامٌ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَاءَ الَّتِي يُنْصَبُ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ إِنْ حُذِفَتْ جَازَ جَعْلُ مَدْخُولِهَا جَزَاءً لِلشَّرْطِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُولَ هُنَا : إِنْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ، تُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ; لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا أَثَرَ لَهَا أَلْبَتَّةَ فِي اخْضِرَارِ الْأَرْضِ ، بَلْ سَبَبُهُ إِنْزَالُ الْمَاءِ لَا رُؤْيَةُ إِنْزَالِهِ .
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي " الْكَشَّافِ " فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ : فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا لَهُ رُفِعَ وَلَمْ يُنْصَبْ جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ .
قُلْتُ : لَوْ نُصِبَ لَأَعْطَى مَا هُوَ عَكْسُ الْغَرَضِ ; لَأَنَّ مَعْنَاهُ إِثْبَاتُ الِاخْضِرَارِ فَيَنْقَلِبُ بِالنَّصْبِ إِلَى نَفْيِ الِاخْضِرَارِ .
مِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ لِصَاحِبِكَ : أَلَمْ تَرَ أَنِّي أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ فَتَشْكُرُ ، إِنْ تَنْصِبْهُ فَأَنْتَ نَافٍ لِشُكْرِهِ شَاكٌّ تَفْرِيطَهُ ، وَإِنْ رَفَعْتَهُ فَأَنْتَ مُثْبِتٌ لِلشُّكْرِ ، وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَرْغَبَ لَهُ مَنِ
[ ص: 296 ] اتَّسَمَ بِالْعِلْمِ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ ، وَتَوْقِيرِ أَهْلِهِ ، انْتَهَى مِنْهُ . وَذَكَرَ نَحْوَهُ
أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ ظَانًّا أَنَّهُ أَوْضَحَهُ ، وَلَا يَظْهَرُ لِي كُلَّ الظُّهُورِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ قَالَ : فَتُصْبِحُ مَعَ أَنَّ اخْضِرَارَ الْأَرْضِ ، قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ صَبِيحَةِ الْمَطَرِ .
فَالْجَوَابُ : أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً أَيْ : تَصِيرُ مُخْضَرَّةً فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ : أَصْبَحَ فُلَانٌ غَنِيًّا مَثَلًا بِمَعْنَى صَارَ ، وَذَكَرَ
أَبُو حَيَّانَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَنَّ بَعْضَ الْبِلَادِ تُصْبِحُ فِيهِ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً فِي نَفْسِ صَبِيحَةِ الْمَطَرِ .
وَذَكَرَ
عِكْرِمَةُ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَعَلِيٌّ هَذَا فَلَا إِشْكَالَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ ، وَتَعْقِيبُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [ 23 \ 14 ] مَعَ أَنَّ بَيْنَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ ، قَالَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ ، وَقَوْلُهُ : لَطِيفٌ خَبِيرٌ أَيْ : لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ، وَمِنْ لُطْفِهِ بِهِمْ إِنْزَالُهُ الْمَطَرَ وَإِنْبَاتُهُ لَهُمْ بِهِ أَقْوَاتَهُمْ ، خَبِيرٌ بِكُلِّ شَيْءٍ ، لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا .