[ ص: 453 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=66لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين
هذه الآيات في بيان شأن آخر من شئون المنافقين التي كشفت سوأتهم فيها غزوة
تبوك أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
مجاهد في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28980_28845يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قال : يقولون القول فيما بينهم ، ثم يقولون عسى ألا يفشى علينا هذا . وأخرجوا إلا الأول منهم عن
قتادة قال : كانت هذه السورة تسمى الفاضحة فاضحة المنافقين ، وكان يقال لها : المنبئة أنبأت بمثالبهم وعوراتهم .
الجمهور على أن جملة ( يحذر ) خبر على ظاهرها . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أنها إنشائية في المعنى أي ليحذروا ذلك . وهو ضعيف ، فالحذر كالتعب : الاحتراز والتحفظ مما يخشى ويخاف منه كما يؤخذ من مفردات الراغب وأساس البلاغة ( في مادتي ح ذ ر ، وح ر ز ) ويستعمل في الخوف الذي هو سببه ، وقد استشكل هذا الحذر منهم ، وهم غير مؤمنين بالوحي ، وأجاب
أبو مسلم عن هذا الإشكال بأنهم أظهروا الحذر استهزاء ، وأجاب الجمهور بما حاصله أن أكثر المنافقين كانوا شاكين مرتابين في الوحي ورسالة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يكونوا موقنين بشيء من الإيمان ولا من الكفر ، فهم مذبذبون بين المؤمنين الموقنين والكافرين الجازمين بالكفر ، ومنهم من كان شكه قويا ، ومن كان شكه ضعيفا . وتقدم شرح حالهم وبيان أصنافهم في أول سورة البقرة فراجع تفسيره وما فيه من بلاغة المثلين اللذين ضربهما الله تعالى لهم . وهذا الحذر والإشفاق أثر طبيعي للشك والارتياب ، فلو كانوا موقنين بتكذيب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما خطر لهم هذا الخوف على بال . ولو كانوا موقنين بتصديقه لما كان هناك محل لهذا الخوف والحذر ؛ لأن قلوبهم مطمئنة بالإيمان .
واختلف المفسرون في ضمير ( عليهم ) قال بعضهم : هو للمنافقين المذكورين ، والمراد بنزوله عليهم نزوله في شأنهم ، وبيان كنه حالهم ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان [ ص: 454 ] ( 2 : 102 ) أي : في شأن ملكه . ويقال : كان كذا على عهد الخلفاء أي : في عهدهم وزمنهم . والمراد بإنبائهم بما في قلوبهم لازمه ، وهو فضيحتهم وكشف عوارهم وإنذارهم ما قد يترتب عليه من عقابهم ، وقال آخرون : هو للمؤمنين ، أي : يحذر المنافقون أن ينزل على المؤمنين آية تنبئهم بما في قلوبهم أي قلوب المنافقين الحذرين من الشك والارتياب وتربص الدوائر بهم أي بالمؤمنين ، وغير ذلك من الشر الذي يسرونه في أنفسهم ، والأضغان التي يخفونها في قلوبهم . قيل : فيه تفكيك للضمائر وأجيب بأن تفكيك الضمائر غير ممنوع ، ولا ينافي البلاغة إلا إذا كان المعنى به غير مفهوم .
ولنا في هذا المقام بحثان : ( أحدهما ) أنه ليس هاهنا تفكيك للضمائر ؛ فإنه قد سبق أن المنافقين يحلفون للمؤمنين ليرضوهم ، وقد وبخهم الله تعالى على اهتمامهم بإرضاء المؤمنين دون إرضاء الله ورسوله ، وهما أحق بالإرضاء ، وأوعدهم على ذلك بأنه محادة لله ورسوله يستحقون بها الخلود في النار ثم بين بطريقة الاستئناف سبب حلفهم للمؤمنين ، واهتمامهم بإرضائهم بأنهم يحذرون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم ، فتبطل ثقتهم بهم ، فأعيد الضمير على المؤمنين ؛ لأن سياق الكلام فيهم .
( والبحث الآخر ) أن إنزال الوحي يعدى بـ " إلى " وبـ " على " إلى الرسول الذي يتلقاه عن الله تعالى - ويعدى بهما إلى قومه المنزل ليتلى عليهم لأجل هدايتهم ، وكلا الاستعمالين مكرر في القرآن ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=136قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ( 2 : 136 ) إلخ . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=84قل آمنا بالله وما أنزل علينا ( 3 : 84 ) إلخ . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=3اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ( 7 : 3 ) وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ( 2 : 231 ) وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=10لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون ( 21 : 10 ) ؟ .
قال تعالى لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28980_28845_28781قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون استدل
أبو مسلم الأصفهاني بهذا الجواب على أن المنافقين أظهروا الحذر مما ذكر استهزاء ، ولم يكونوا يحذرون ذلك بالفعل ؛ لعدم إيمانهم ، ويرده إسناد الحذر إليهم في أول الآية وآخرها ، ولو صح هذا لذكر ذلك عنهم بالحكاية فأسند الحذر إلى قولهم ، ولم يسنده إليهم ، كما أسند إليهم كثيرا من الأقوال في هذه السورة وغيرها ، ومنها قوله تعالى في أوائل سورة البقرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ( 2 : 14 ) ويؤيد وقوع الحذر منهم قوله تعالى في السورة المضافة إلى اسمهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يحسبون كل صيحة عليهم ( 63 : 4 ) وفي الآية التالية لهذه الآية بيان لضرب آخر من استهزائهم في
[ ص: 455 ] هذا المقام من سياق غزوة
تبوك . فالاستهزاء دأبهم وديدنهم ، وحذرهم من تنزيل السورة ليس من هذا الاستهزاء ، بل من خوف عاقبته ، وإنما العجب من أمرهم استمرارهم عليه مع هذا الحذر ، وأما أمرهم به فهو للتهديد والوعيد عليه ، وبيان كونه سببا لإخراجه تعالى ما يحذرون ظهوره من مخبآت سرائرهم ، ومكتوبات ضمائرهم ، والأصل في الإخراج أن يكون للشيء الخفي المستتر ، أو المتمكن المستقر . ومن الأول قوله تعالى في المنافقين :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=29أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ( 47 : 29 ) وقوله بعده :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=37ويخرج أضغانكم ( 47 : 37 ) ومنه إخراج الموتى بالبعث . وإخراج الحب والنبات من الأرض ، ومثله في التنزيل كثير . ومن الثاني النفي من الأوطان والديار وفيه آيات ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ( 22 : 40 ) الآية . فقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64مخرج ما تحذرون معناه أنه مخرجه الآن بتنزيل هذه السورة التي لم تدع في قلوبهم شيئا من مخبآت نفاقهم إلا أخرجته وأظهرته لهم وللمؤمنين .
قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28980_30881_30563ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب روي فيمن نزلت فيهم هذه الآية عدة روايات نذكر أمثلها : أخرج
ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
قتادة في الآية قال :
بينما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوته إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين ، فقالوا : أيرجو هذا الرجل أن يفتح له قصور الشام وحصونها ؟ هيهات هيهات ، فأطلع الله نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " احبسوا علي هؤلاء الركب " فأتاهم فقال : قلتم كذا ، قلتم كذا . قالوا : يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب ، فأنزل الله فيهم ما تسمعون . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال :
بينما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مسيره وأناس من المنافقين يسيرون أمامه فقالوا : إن كان ما يقول محمد حقا فلنحن شر من الحمير ، فأنزل الله تعالى ما قالوا ، فأرسل إليهم : ما كنتم تقولون ؟ فقالوا : إنما كنا نخوض ونلعب . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك قال : قال
مخشي بن حمير : لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منكم مائة على أن ننجو من أن ينزل فينا قرآن ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
nindex.php?page=showalam&ids=56لعمار بن ياسر : " أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا ، فإن هم أنكروا وكتموا فقل : بلى قد قلتم كذا وكذا " فأدركهم فقال لهم فجاءوا يعتذرون ، فأنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=66لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم الآية . فكان الذي عفا الله عنه
مخشي بن حمير فتسمى عبد الرحمن وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم بمقتله ، فقتل
باليمامة لا يعلم مقتله ولا من قتله ولا يرى له أثر ولا عين . وأخرج
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في رهط من المنافقين من
بني عمرو بن عوف فيهم
وديعة بن ثابت ورجل من
أشجع حليف
[ ص: 456 ] لهم يقال له
مخشي بن حمير ، كانوا يسيرون مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو منطلق إلى
تبوك فقال بعضهم لبعض : أتحسبون قتال
بني الأصفر كقتال غيرهم ، والله لكأنا بكم غدا تقادون في الحبال ، قال
مخشي بن حمير : ما وددت أني أقاضي ، فذكر الحديث مثل الذي قبله ، وأخرج
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود نحوه .
والمعنى : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30881_30177الله تعالى نبأ رسوله بما كان يقوله هؤلاء المنافقون في أثناء السير إلى تبوك ، من الاستهزاء بتصديه لقتال
الروم الذين ملأ صيتهم بلاد العرب ، بما كان تجارهم يرون من عظمة ملكهم في
الشام ؛ إذ كانوا يرحلون إليها في كل صيف . نبأه نبأ مؤكدا بصيغة القسم أنه إن سألهم عن أقوالهم هذه يعتذرون عنها بأنهم لم يكونوا فيها جادين ولا منكرين ، بل هازلين لاعبين ، كما هو شأن الذين يخوضون في الأحاديث المختلفة للتسلي والتلهي ، وكانوا يظنون أن هذا عذر مقبول ؛ لجهلهم أن اتخاذ أمور الدين لعبا ولهوا ، لا يكون إلا ممن اتخذه هزوا ، وهو كفر محض ، ويغفل عن هذا كثير من الناس يخوضون في القرآن والوعد والوعيد . كما يفعلون إذ يخوضون في أباطيلهم وأمور دنياهم ، وفي الرجال الذين يتفكهون بالتنادر عليهم والاستهزاء بهم وإنما يستعمل " الخوض " فيما كان بالباطل ؛ لأنه مأخوذ من الخوض في البحر أو في الوحل ، فيراد به الإكثار ، والتعرض لتقحم الأخطار ، قال تعالى في سورة الزخرف آية رقم ( 83 ) والمعارج آية رقم ( 42 )
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=42فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون وقال في سورة الطور :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=11فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون ( 52 : 11 و 12 ) وقال في سورة النساء :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=140وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ( 4 : 140 ) وقد بينا في تفسير هذه الآية أن الخطاب فيها لكل من يظهر الإسلام من مؤمن ومنافق ، وأنه يدخل في عمومها المبتدعون المحدثون في الدين ، والذين يخوضون في الداعين إلى الكتاب والسنة ويستهزئون بهم لاعتصامهم بهما وإيثارهم إياهما على المذاهب المقلدة [ راجع ص377 ج 5 ط الهيئة ] .
[ ص: 453 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=66لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ
هَذِهِ الْآيَاتُ فِي بَيَانِ شَأْنٍ آخَرَ مِنْ شُئُونِ الْمُنَافِقِينَ الَّتِي كَشَفَتْ سَوْأَتَهُمْ فِيهَا غَزْوَةُ
تَبُوكَ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28980_28845يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قَالَ : يَقُولُونَ الْقَوْلَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ يَقُولُونَ عَسَى أَلَّا يُفْشَى عَلَيْنَا هَذَا . وَأَخْرَجُوا إِلَّا الْأَوَّلَ مِنْهُمْ عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تُسَمَّى الْفَاضِحَةَ فَاضِحَةَ الْمُنَافِقِينَ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهَا : الْمُنْبِئَةُ أَنْبَأَتْ بِمَثَالِبِهِمْ وَعَوْرَاتِهِمْ .
الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ ( يَحْذَرُ ) خَبَرٌ عَلَى ظَاهِرِهَا . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجِ أَنَّهَا إِنْشَائِيَّةٌ فِي الْمَعْنَى أَيْ لِيَحْذَرُوا ذَلِكَ . وَهُوَ ضَعِيفٌ ، فَالْحَذَرُ كَالتَّعَبِ : الِاحْتِرَازُ وَالتَّحَفُّظُ مِمَّا يُخْشَى وَيُخَافُ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ وَأَسَاسِ الْبَلَاغَةِ ( فِي مَادَّتَيْ حَ ذَ رَ ، وَحَ رَ زَ ) وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْخَوْفِ الَّذِي هُوَ سَبَبُهُ ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْحَذَرُ مِنْهُمْ ، وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ بِالْوَحْيِ ، وَأَجَابَ
أَبُو مُسْلِمٍ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّهُمْ أَظْهَرُوا الْحَذَرَ اسْتِهْزَاءً ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا شَاكِّينَ مُرْتَابِينَ فِي الْوَحْيِ وَرِسَالَةِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَمْ يَكُونُوا مُوقِنِينَ بِشَيْءٍ مِنَ الْإِيمَانِ وَلَا مِنَ الْكُفْرِ ، فَهُمْ مُذَبْذَبُونَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوقِنِينَ وَالْكَافِرِينَ الْجَازِمِينَ بِالْكُفْرِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ شَكُّهُ قَوِيًّا ، وَمَنْ كَانَ شَكُّهُ ضَعِيفًا . وَتَقَدَّمَ شَرْحُ حَالِهِمْ وَبَيَانُ أَصْنَافِهِمْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ بَلَاغَةِ الْمَثَلَيْنِ اللَّذَيْنِ ضَرَبَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ . وَهَذَا الْحَذَرُ وَالْإِشْفَاقُ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِلشَّكِّ وَالِارْتِيَابِ ، فَلَوْ كَانُوا مُوقِنِينَ بِتَكْذِيبِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَا خَطَرَ لَهُمْ هَذَا الْخَوْفُ عَلَى بَالٍ . وَلَوْ كَانُوا مُوقِنِينَ بِتَصْدِيقِهِ لَمَا كَانَ هُنَاكَ مَحَلٌّ لِهَذَا الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ ؛ لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ مُطَمْئِنَةٌ بِالْإِيمَانِ .
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ضَمِيرِ ( عَلَيْهِمْ ) قَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ لِلْمُنَافِقِينَ الْمَذْكُورِينَ ، وَالْمُرَادُ بِنُزُولِهِ عَلَيْهِمْ نُزُولُهُ فِي شَأْنِهِمْ ، وَبَيَانُ كُنْهِ حَالِهِمْ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [ ص: 454 ] ( 2 : 102 ) أَيْ : فِي شَأْنِ مُلْكِهِ . وَيُقَالُ : كَانَ كَذَا عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ أَيْ : فِي عَهْدِهِمْ وَزَمَنِهِمْ . وَالْمُرَادُ بِإِنْبَائِهِمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ لَازَمَهُ ، وَهُوَ فَضِيحَتُهُمْ وَكَشْفُ عُوَارِهِمْ وَإِنْذَارُهُمْ مَا قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عِقَابِهِمْ ، وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ ، أَيْ : يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ أَيْ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ الْحَذِرِينَ مِنَ الشَّكِّ وَالِارْتِيَابِ وَتَرَبُّصِ الدَّوَائِرِ بِهِمْ أَيْ بِالْمُؤْمِنِينَ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي يُسِرُّونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ ، وَالْأَضْغَانِ الَّتِي يُخْفُونَهَا فِي قُلُوبِهِمْ . قِيلَ : فِيهِ تَفْكِيكٌ لِلضَّمَائِرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَفْكِيكَ الضَّمَائِرِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ ، وَلَا يُنَافِي الْبَلَاغَةَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَعْنَى بِهِ غَيْرَ مَفْهُومٍ .
وَلَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَحْثَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا تَفْكِيكٌ لِلضَّمَائِرِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَحْلِفُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ لِيُرْضُوهُمْ ، وَقَدْ وَبَّخَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى اهْتِمَامِهِمْ بِإِرْضَاءِ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ إِرْضَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَهُمَا أَحَقُّ بِالْإِرْضَاءِ ، وَأَوْعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُحَادَّةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الْخُلُودَ فِي النَّارِ ثُمَّ بَيَّنَ بِطَرِيقَةِ الِاسْتِئْنَافِ سَبَبَ حَلِفِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَاهْتِمَامِهِمْ بِإِرْضَائِهِمْ بِأَنَّهُمْ يَحْذَرُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ، فَتُبْطِلُ ثِقَتَهُمْ بِهِمْ ، فَأُعِيدَ الضَّمِيرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِيهِمْ .
( وَالْبَحْثُ الْآخَرُ ) أَنَّ إِنْزَالَ الْوَحْيِ يُعَدَّى بِـ " إِلَى " وَبِـ " عَلَى " إِلَى الرَّسُولِ الَّذِي يَتَلَقَّاهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى - وَيُعَدَّى بِهِمَا إِلَى قَوْمِهِ الْمُنَزَّلِ لِيُتْلَى عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ هِدَايَتِهِمْ ، وَكِلَا الِاسْتِعْمَالَيْنِ مُكَرَّرٌ فِي الْقُرْآنِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=136قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ( 2 : 136 ) إِلَخْ . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=84قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ( 3 : 84 ) إِلَخْ . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=3اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ( 7 : 3 ) وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ( 2 : 231 ) وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=10لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ( 21 : 10 ) ؟ .
قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28980_28845_28781قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ اسْتَدَلَّ
أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ بِهَذَا الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَظْهَرُوا الْحَذَرَ مِمَّا ذُكِرَ اسْتِهْزَاءً ، وَلَمْ يَكُونُوا يَحْذَرُونَ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ ؛ لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ ، وَيَرُدُّهُ إِسْنَادُ الْحَذَرِ إِلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَآخِرِهَا ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِالْحِكَايَةِ فَأَسْنَدَ الْحَذَرَ إِلَى قَوْلِهِمْ ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَيْهِمْ ، كَمَا أَسْنَدَ إِلَيْهِمْ كَثِيرًا مِنَ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ( 2 : 14 ) وَيُؤَيِّدُ وُقُوعَ الْحَذَرِ مِنْهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي السُّورَةِ الْمُضَافَةِ إِلَى اسْمِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ( 63 : 4 ) وَفِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ لِضَرْبٍ آخَرَ مِنِ اسْتِهْزَائِهِمْ فِي
[ ص: 455 ] هَذَا الْمَقَامِ مِنْ سِيَاقِ غَزْوَةِ
تَبُوكَ . فَالِاسْتِهْزَاءُ دَأْبُهُمْ وَدَيْدَنُهُمْ ، وَحَذَرُهُمْ مِنْ تَنْزِيلِ السُّورَةِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الِاسْتِهْزَاءِ ، بَلْ مِنْ خَوْفِ عَاقِبَتِهِ ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ أَمْرِهِمُ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَيْهِ مَعَ هَذَا الْحَذَرِ ، وَأَمَّا أَمْرُهُمْ بِهِ فَهُوَ لِلتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ عَلَيْهِ ، وَبَيَانِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِإِخْرَاجِهِ تَعَالَى مَا يَحْذَرُونَ ظُهُورَهُ مِنْ مُخَبَّآتِ سَرَائِرِهِمْ ، وَمَكْتُوبَاتِ ضَمَائِرِهِمْ ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِخْرَاجِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ الْخَفِيِّ الْمُسْتَتِرِ ، أَوِ الْمُتَمَكِّنِ الْمُسْتَقِرِّ . وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=29أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ( 47 : 29 ) وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=37وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ( 47 : 37 ) وَمِنْهُ إِخْرَاجُ الْمَوْتَى بِالْبَعْثِ . وَإِخْرَاجُ الْحَبِّ وَالنَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ ، وَمِثْلُهُ فِي التَّنْزِيلِ كَثِيرٌ . وَمِنَ الثَّانِي النَّفْيُ مِنَ الْأَوْطَانِ وَالدِّيَارِ وَفِيهِ آيَاتٌ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ( 22 : 40 ) الْآيَةَ . فَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُخْرِجُهُ الْآنَ بِتَنْزِيلِ هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي لَمْ تَدَعْ فِي قُلُوبِهِمْ شَيْئًا مِنْ مُخَبَّآتِ نِفَاقِهِمْ إِلَّا أَخْرَجَتْهُ وَأَظْهَرَتْهُ لَهُمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ .
قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28980_30881_30563وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ رُوِيَ فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ نَذْكُرُ أَمْثَلَهَا : أَخْرَجَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ
قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ :
بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي غَزْوَتِهِ إِلَى تَبُوكَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ أُنَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، فَقَالُوا : أَيَرْجُو هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ وَحُصُونُهَا ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " احْبِسُوا عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الرَّكْبَ " فَأَتَاهُمْ فَقَالَ : قُلْتُمْ كَذَا ، قُلْتُمْ كَذَا . قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ مَا تَسْمَعُونَ . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14906الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ :
بَيْنَمَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي مَسِيرِهِ وَأُنَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَسِيرُونَ أَمَامَهُ فَقَالُوا : إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَلَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا قَالُوا ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ : مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ ؟ فَقَالُوا : إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ
مَخْشِيُّ بْنُ حُمْيَرٍ : لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاضِي عَلَى أَنْ يُضْرَبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِائَةً عَلَى أَنْ نَنْجُوَ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
nindex.php?page=showalam&ids=56لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ : " أَدْرِكِ الْقَوْمَ فَإِنَّهُمْ قَدِ احْتَرَقُوا فَسَلْهُمْ عَمَّا قَالُوا ، فَإِنْ هُمْ أَنْكَرُوا وَكَتَمُوا فَقُلْ : بَلَى قَدْ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا " فَأَدْرَكَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ فَجَاءُوا يَعْتَذِرُونَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=66لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ الْآيَةَ . فَكَانَ الَّذِي عَفَا اللَّهُ عَنْهُ
مَخْشِيَّ بْنَ حُمْيَرٍ فَتَسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُقْتَلَ شَهِيدًا لَا يُعْلَمُ بِمَقْتَلِهِ ، فَقُتِلَ
بِالْيَمَامَةِ لَا يُعْلَمُ مَقْتَلُهُ وَلَا مَنْ قَتَلَهُ وَلَا يُرَى لَهُ أَثَرٌ وَلَا عَيْنٌ . وَأَخْرَجَ
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِنْ
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِيهِمْ
وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ
أَشْجَعَ حَلِيفٌ
[ ص: 456 ] لَهُمْ يُقَالُ لَهُ
مَخْشِيُّ بْنُ حُمْيَرٍ ، كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى
تَبُوكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَتَحْسَبُونَ قِتَالَ
بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ غَيْرِهِمْ ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّا بِكُمْ غَدًا تُقَادُونَ فِي الْحِبَالِ ، قَالَ
مَخْشِيُّ بْنُ حُمْيَرٍ : مَا وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاضِي ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مِثْلَ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَأَخْرَجَ
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ .
وَالْمَعْنَى : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30881_30177اللَّهَ تَعَالَى نَبَّأَ رَسُولَهُ بِمَا كَانَ يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ فِي أَثْنَاءِ السَّيْرِ إِلَى تَبُوكَ ، مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ بِتَصَدِّيهِ لِقِتَالِ
الرُّومِ الَّذِينَ مَلَأَ صِيتُهُمْ بِلَادَ الْعَرَبِ ، بِمَا كَانَ تُجَّارُهُمْ يَرَوْنَ مِنْ عَظَمَةِ مُلْكِهِمْ فِي
الشَّامِ ؛ إِذْ كَانُوا يَرْحَلُونَ إِلَيْهَا فِي كُلِّ صَيْفٍ . نَبَّأَهُ نَبَأً مُؤَكَّدًا بِصِيغَةِ الْقَسَمِ أَنَّهُ إِنْ سَأَلَهُمْ عَنْ أَقْوَالِهِمْ هَذِهِ يَعْتَذِرُونَ عَنْهَا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِيهَا جَادِّينَ وَلَا مُنْكِرِينَ ، بَلْ هَازِلِينَ لَاعِبِينَ ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ لِلتَّسَلِّي وَالتَّلَهِّي ، وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ مَقْبُولٌ ؛ لِجَهْلِهِمْ أَنَّ اتِّخَاذَ أُمُورِ الدِّينِ لَعِبًا وَلَهْوًا ، لَا يَكُونُ إِلَّا مِمَّنِ اتَّخَذَهُ هُزُوًا ، وَهُوَ كُفْرٌ مَحْضٌ ، وَيَغْفُلُ عَنْ هَذَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَخُوضُونَ فِي الْقُرْآنِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ . كَمَا يَفْعَلُونَ إِذْ يَخُوضُونَ فِي أَبَاطِيلِهِمْ وَأُمُورِ دُنْيَاهُمْ ، وَفِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَفَكَّهُونَ بِالتَّنَادُرِ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ " الْخَوْضُ " فِيمَا كَانَ بِالْبَاطِلِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَوْضِ فِي الْبَحْرِ أَوْ فِي الْوَحْلِ ، فَيُرَادُ بِهِ الْإِكْثَارُ ، وَالتَّعَرُّضُ لِتَقَحُّمِ الْأَخْطَارِ ، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ آيَةَ رَقَمِ ( 83 ) وَالْمَعَارِجِ آيَةَ رَقَمِ ( 42 )
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=42فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ وَقَالَ فِي سُورَةِ الطُّورِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=11فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ( 52 : 11 و 12 ) وَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=140وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ( 4 : 140 ) وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْخِطَابَ فِيهَا لِكُلِّ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُنَافِقٍ ، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا الْمُبْتَدِعُونَ الْمُحْدِثُونَ فِي الدِّينِ ، وَالَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي الدَّاعِينَ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ لِاعْتِصَامِهِمْ بِهِمَا وَإِيثَارِهِمْ إِيَّاهُمَا عَلَى الْمَذَاهِبِ الْمُقَلِّدَةِ [ رَاجِعْ ص377 ج 5 ط الْهَيْئَةِ ] .