الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الأول : ما زيد فيه

والزائد أقسام :

الأول الألف ; وهى إما أن تزاد من أول الكلمة ، أو من آخرها ، أو من وسطها .

فالأول : تكون بمعنى زائد بالنسبة إلى ما قبله في الوجود ، مثل ; " " أو لأاذبحنه " " ( النمل : 21 ) ، و ولأوضعوا خلالكم ( التوبة : 47 ) ، زيدت الألف تنبيها على أن المؤخر أشد في الوجود من المقدم عليه لفظا ; فالذبح أشد من العذاب ، والإيضاع أشد إفسادا من زيادة الخبال . واختلفت المصاحف في حرفين : لإلى الجحيم ( الصافات : 68 ) ، و لإلى الله تحشرون ( آل عمران : 158 ) ، فمن رأى أن مرجعهم إلى الجحيم أشد من أكل الزقوم وشرب الحميم ، وأن حشرهم إلى الله أشد عليهم من موتهم أو قتلهم في الدنيا ، أثبت الألف . ومن لم ير ذلك لأنه غيب عنا ، فلم يستو القسمان في العلم بهما لم يثبته ، وهو أولى .

وكذلك : " " ولا تايئسوا من روح الله إنه لا يايئس " " ( يوسف : 87 ) ، " " أفلم يايئس " " ( الرعد : 31 ) ; لأن الصبر وانتظار الفرج أخف من الإياس ، والإياس لا يكون في الوجود إلا بعد الصبر والانتظار .

والثاني : يكون باعتبار معنى خارج عن الكلمة يحصل في الوجود ; لزيادتها بعد الواو في الأفعال ، نحو يرجوا ، ويدعوا ، وذلك لأن الفعل أثقل من الاسم ; لأنه يستلزم فاعلا ، فهو [ ص: 17 ] جملة ، والاسم مفرد لا يستلزم غيره ، فالفعل أزيد من الاسم في الوجود ، والواو أثقل حروف المد واللين ، والضمة أثقل الحركات ، والمتحرك أثقل من الساكن ، فزيدت الألف تنبيها على ثقل الجملة ، وإذا زيدت مع الواو ، التي هي لام الفعل ، فمع الواو التي هي ضمير الفاعلين أولى ; لأن الكلمة جملة ، مثل قالوا ، وعصوا ، إلا أن يكون الفعل مضارعا وفيه النون علامة الرفع ، فتختص الواو بالنون ، التي هي من جهة تمام الفعل ; إذ هي إعرابه فيصير ككلمة واحدة وسطها واو ; كالعيون والسكون ، فإن دخل ناصب أو جازم مثل : فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ( البقرة : 24 ) ثبتت الألف .

وقد تسقط في مواضع للتنبيه على اضمحلال الفعل ، نحو : " " سعو في آياتنا معاجزين " " ( سبأ : 5 ) فإنه سعي في الباطل لا يصح له ثبوت في الوجود .

وكذلك : " " جاءو بسحر عظيم " " ( الأعراف : 116 ) و " " جاءو ظلما وزورا " " ( الفرقان : 4 ) " " وجاءو أباهم " " ( يوسف : 16 ) ، " " وجاءو على قميصه " " ( يوسف : 18 ) فإن هذا المجيء ليس على وجهه الصحيح .

وكذلك : " " فإن فاءو " " ( البقرة : 226 ) وهو فيء بالقلب والاعتقاد .

وكذا : " " تبوءو الدار والإيمان " " ( الحشر : 9 ) اختاروها سكنا ، لكن لا على الجهة المحسوسة ; لأنه سوى بينهما ، وإنما اختاروها سكنا لمرضاة الله ; بدليل وصفهم بالإيثار مع الخصاصة ; فهذا دليل زهدهم في محسوسات الدنيا ، وكذلك : فاءوا لأنه رجوع معنوي .

وكذلك : عسى الله أن يعفو عنهم ( النساء : 99 ) حذفت ألفه لأن كيفية هذا الفعل لا تدرك ، إذ هو ترك المؤاخذة ; إنما هو أمر عقلي .

وكذلك : " " وعتو عتوا كبيرا " " ( الفرقان : 21 ) ، هذا عتو على الله ، لذلك وصفه بالكبر ، فهو باطل في الوجود .

وكذلك سقطت من : وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ( المطففين : 3 ) ، ولم تسقط من : وإذا ما غضبوا هم يغفرون ( الشورى : 37 ) ، لأن غضبوا جملة بعدها أخرى ، والضمير مؤكد للفاعل في الجملة الأولى ، و ( كالوهم ) جملة واحدة ، الضمير جزء منها .

[ ص: 18 ] وكذلك زيدت الألف بعد الهمزة في حرفين : " " إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك " " ( المائدة : 29 ) ، و " " ما إن مفاتحه لتنوأ " " ( القصص : 76 ) تنبيها على تفصيل المعنى ، فإنه يبوء بإثمين من فعل واحد ، وتنوء المفاتح بالعصبة ، فهو نوءان للمفاتح ; لأنها بثقلها أثقلتهم فمالت وأمالتهم ، وفيه تذكير بالمناسبة يتوجه به من مفاتح كنوز مال الدنيا المحسوس ، إلى مفاتح كنوز العلم الذي ينوء بالعصبة أولي القوة في يقينهم ، إلى ما عند الله في الدار الآخرة .

وكذلك زيدت بعد الهمزة من قوله : كأمثال اللؤلؤ تنبيها على معنى البياض والصفاء بالنسبة إلى ما ليس بمكنون وعلى تفصيل الإفراد ، يدل عليه قوله : ( كأمثال ) ، وهو على خلاف حال : كأنهم لؤلؤ ( الطور : 24 ) فلم يزد الألف للإجمال وخفاء التفصيل .

وقال أبو عمرو : كتبوا الـ ( لؤلؤا ) في الحج ( الآية : 23 ) ، و " الملائكة " ( فاطر : 33 ) بالألف ، واختلف في زيادتها ، فقال أبو عمرو : كما زادوها في ( كانوا ) ، وقال الكسائي : لمكان الهمزة .

وعن محمد بن عيسى الأصبهاني : كل ما في القرآن من " لؤلؤ " فبغير الألف في مصاحف البصريين إلا في موضعين : في الحج ( الآية : 23 ) ، والإنسان ( الآية : 19 ) .

وقال عاصم الجحدري : كلها في مصحف عثمان بالألف إلا التي في الملائكة .

والثالث : تكون لمعنى في نفس الكلمة ظاهر ، مثل : " " وجايء يومئذ بجهنم " " ( الفجر : 23 ) ، زيدت الألف دليلا على أن هذا المجيء هو بصفة من الظهور ينفصل بها عن [ ص: 19 ] معهود المجيء ، وقد عبر عنه بالماضي ، ولا يتصور إلا بعلامة من غيره ليس مثله ، فيستوي في علمنا ملكها وملكوتها في ذلك المجيء ، ويدل عليه قوله تعالى في موضع آخر : وبرزت الجحيم ( الشعراء : 91 ) ، وقوله : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( الفرقان : 12 ) ، هذا بخلاف حال : وجيء بالنبيين والشهداء ( الزمر : 69 ) ; حيث لم تكتب الألف ; لأنه على المعروف في الدنيا ، ومن تأوله بمعنى البروز في المحشر لتعظيم جناب الحق أثبت الألف فيه أيضا .

وكذلك : " " ولا تقولن لشايء إني فاعل ذلك غدا " " ( الكهف : 23 ) الشيء هنا معدوم ، وإنما علمناه من تصور مثله الذي قد وقع في الوجود فنقل له الاسم فيه ، من حيث إنه يقدر أنه يكون مثله في الوجود ، فزيدت الألف تنبيها على اعتبار المعدوم من جهة تقدير الوجود ، إذ هو موجود في الأذهان ، معدوم في الأعيان .

وهذا بخلاف قوله في النحل : إنما قولنا لشيء إذا أردناه ( النحل : 40 ) فإن الشيء هنا من جهة قول الله ، لا يعلم كيف ذلك ، بل نؤمن به تسليما لله سبحانه فيه ، فإنه سبحانه يعلم الأشياء بعلمه لا بها ، ونحن نعلمها بوجودها لا بعلمنا فلا تشبيه ولا تعطيل .

وكذلك : " " إلى فرعون وملائه " " ( هود : 97 ) زيدت الألف بين اللام والهمزة ، تنبيها على تفصيل مهم ظاهر الوجود .

ومثله زيادتها في : مائة ( البقرة : 259 ) لأنه اسم يشتمل على كثرة مفصلة بمرتبتين : آحاد وعشرات .

قال أبو عمرو في المقنع : لا خلاف في رسم ألف الوصل الناقصة من اللفظ في الدرج ، نحو : عيسى ابن مريم ( البقرة : 87 ) ، والمسيح ابن مريم ( المائدة : 17 ) ، وهو نعت ، كما أثبتوها في الخبر نحو : عزير ابن الله ( التوبة : 30 ) ، و المسيح ابن الله ( التوبة : 30 ) ، ولم تحذف إلا في خمسة مواضع .

قال : ولا خلاف في زيادة الألف بعد الميم في مائة ( البقرة : 259 ) ، و مائتين [ ص: 20 ] ( الأنفال : 65 ) ، حيث وقعا ، ولم تزد في فئة ( البقرة : 249 ) ، ولا فئتين ( آل عمران : 13 ) ، وزيدت في نحو : " " تفتؤا " " ( يوسف : 85 ) " " تبوأ بإثمي " " ( المائدة : 29 ) و " " لتنوأ بالعصبة " " ( القصص : 76 ) ، ولا أعلم همزة متطرفة قبلها ساكن رسمت في المصحف إلا في هذين الموضعين . ولا أعلم همزة متوسطة قبلها ساكن رسمت في المصحف إلا في قوله : موئلا في الكهف ( الآية : 58 ) لا غير .

التالي السابق


الخدمات العلمية