الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          تنبيهات

                                                          الأول يجوز الروم والإشمام فيما لم تبدل الهمزة المتطرفة فيه حرف مد ، وذلك أربعة أنواع : أحدها ما ألقي فيه حركة الهمزة على الساكن نحو ( دفء ، و المرء ، و سوء ، و من سوء ، و شيء ، وكل شيء ) والثاني ما أبدل الهمز فيه حرفا وأدغم فيه ما قبله نحو ( شيء ، و سوء ) عند من روى فيه الإدغام ، والثالث ما أبدلت فيه الهمزة المتحركة واوا [ ص: 464 ] أو ياء بحركة نفسها على التخفيف الرسمي نحو ( الملوا ، والضعفوا ، ومن نباي ، وايتاي ) والرابع ما أبدلت فيه الهمزة المكسورة بعد الضم واوا ، والمضمومة بعد الكسر ياء ، وذلك على مذهب الأخفش نحو ( لولؤ ، ويبتدئ ) فأما ما تبدل حرف مد فلا روم فيه ولا إشمام ، وهما نوعان كما قدمنا في الباب ، أحدهما : ما تقع الهمزة فيه ساكنة بعد متحرك ، سواء كان سكونها لازما نحو ( اقرا ، ونبي ) أم عارضا نحو ( يبدا ، وإن امرو ، ومن شاطي ) والثاني : أن تقع ساكنة بعد ألف نحو ( يشاء ، ومن السماء ، ومن ماء ) ; لأن هذه الحروف حينئذ سواكن لا أصل لها في الحركة ، فهن مثلهن في ( يخشى ، ويدعو ، ويرمي ) .

                                                          ( الثاني ) يجوز الروم في الهمزة المتحركة المتطرفة إذا وقعت بعد متحرك ، أو بعد ألف إذا كانت مضمومة ، أو مكسورة كما سيأتي في بابه ، وذلك نحو ( يبدأ ، وينشئ ، و اللؤلؤ ، و شاطئ ، و عن النبإ ، والسماء ، و برآء ، و سواء ، و يشاء ، والى السماء ، و من ماء ) فإذا رمت حركة الهمزة في ذلك سهلتها بين بين ، فتنزل النطق ببعض الحركة وهو الروم منزلة النطق بجميعها فتسهل ، وذا مذهب أبي الفتح فارس والداني ، وصاحب " التجريد " ، والشاطبي والحافظ أبي العلاء وأبي محمد سبط الخياط ، وكثير من القراء ، وبعض النحاة ، وأنكر ذلك جمهورهم وجعلوه مما انفرد به القراء . قالوا : لأن سكون الهمزة في الوقف يوجب فيها الإبدال على الفتحة التي قبل الألف فهي تخفف تخفيف الساكن لا تخفيف المتحرك ، وكذب ضعفه أبو العز القلانسي ، وذهب أكثر القراء إلى ترك الروم في ذلك وأجروا المضموم والمكسور في ذلك مجرى المفتوح ، فلم يجيزوا سوى الإبدال كما تقدم ، وهو مذهب أبي العباس المهدوي وأبي عبد الله بن سفيان وأبي الطاهر بن خلف وأبي العز القلانسي ، وابن الباذش ، وغيرهم . وهو مذهب جمهور النحاة ، وقد ضعف هذا القول أبو القاسم الشاطبي ، ومن تبعه وعدوه شاذا ، والصواب صحة الوجهين ، فقد ذكر النص على [ ص: 465 ] الروم كذلك الحافظ أبو عمرو ، عن خلف ، عن سليم ، عن حمزة . وروى أبو بكر بن الأنباري في وقفه ، فقال : حدثنا إدريس ، عن خلف قال : كان حمزة يشم الياء في الوقف مثل ( من نباي المرسلين ، وتلقاي نفسي ) يعني فيما رسم بالياء . وروى أيضا عنه أنه كان يسكت على قوله : ( إن الذين كفروا سواء ) يمد ويشم الرفع من غير همز ، وقال ابن واصل في كتاب الوقف : كان حمزة يقف على هؤلاء بالمد والإشارة إلى الكسر من غير همز ، ويقف على ( لا تسألوا عن أشيا ) بالمد ولا يشير إلى الهمزة . قال : ويقف على ( البلاء و البأساء و الضراء ) بالمد والإشارة . قال : وإن شئت لم تشر ، وقال : في قوله : ( أومن ينشأ ) قال : وإن شئت وقفت على الألف ساكنة ، وإن شئت وقفت وأنت تروم الضم . وابن واصل هذا هو أبو العباس محمد بن أحمد بن واصل البغدادي من أئمة القراء الضابطين ، روى عن خلف وغيره من أصحاب سليم ، وروى عنه مثل ابن مجاهد وابن شنبوذ وأبي مزاحم الخاقاني ، وأضرابهم من الأئمة ، فدل على صحة الوجهين جميعا ، مع أن الإبدال هو القياس ، ولم يختلف في صحته ، وإنما اختلف في صحة الروم مع التسهيل بين بين ، فلم يذكره كثير من القراء ، ومنعه أكثر النحاة لما قدمنا ، ولم أر في كلام سيبويه تعرضا إلى هذه المسألة ، ولا نص فيها في الوقف بشيء ، بل رأيته أطلق القول بأن الهمزة تجعل بعد الألف بين بين ، ولم يبين هل ذلك في الوقف والوصل ، أو مخصوص بالوصل ، والله أعلم .

                                                          وذهب بعضهم إلى التفصيل في ذلك ، فما صورت الهمزة فيه رسما واوا أو ياء وقف عليه بالروم بين بين ، وما صورت فيه ألفا وقف عليه بالبدل اتباعا للرسم ، وهو اختيار أبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح ، وغيرهم ، وهو ظاهر ما رواه ابن الأنباري نصا ، عن خلف ، عن حمزة ( من نبأ المرسلين ) ، وانفرد أبو علي بن بليمة بالروم كذلك فيما وقعت الهمزة فيه بعد الألف دون ما وقع فيه بعد متحرك ، ووافقه على ذلك أبو القاسم بن الفحام ، إلا أنه أطلقه في الأحوال الثلاث [ ص: 466 ] ضما وفتحا وكسرا من غير خلاف ، وأجاز الوجهين بعد متحرك في الضم والكسر ، ووافقه ابن سوار فيما كان بعد الألف ، وشذ بعضهم وأجاز الروم بالتسهيل في الحركات الثلاث بعد الألف وغيرها ولم يفرق بين المفتوح وغيره ، وحكاه الحافظ أبو عمرو في جامعه ، ولم يذكر أنه قرأ به على أحد ، وأبو الحسن طاهر بن غلبون في تذكرته ولم يرضه ، وحكى نصا لحمزة وفيه نظر ، والله أعلم .

                                                          ( الثالث ) إذا كانت الهمزة ساكنة لموجب فأبدلت حرف مد بقي ذلك الحرف بحاله لا يؤثر فيه الجازم ، وذلك نحو ( نبئ و اقرأ ، و يشاء ، ويهيئ ) وشذ صاحب الروضة أبو علي المالكي فقال : ويقف على ( نبي عبادي ) بغير همز ، فإن طرحت الهمزة وأثرها قلت : ( نب ) وإن طرحتها وأبقيت أثرها قلت : ( نبي ) انتهى ، وما ذكره من طرح أثر الهمزة لا يصح ولا يجوز ، وهو مخالف لسائر الأئمة نصا ، والله أعلم .

                                                          ( الرابع ) إذا وقفت بالبدل في المتطرف بعد الألف نحو ( جاء ، و السفهاء ، و من ماء ) فإنه يجتمع ألفان ، فإما أن تحذف إحداهما للساكنين أو تبقيهما ; لأن الوقف يحتمل اجتماع الساكنين . فإن حذفت إحداهما فإما أن تقدرها الأولى أو الثانية ، فإن قدرتها الأولى فالقصر ليس إلا لفقد الشرط ، إلا أن الألف تكون مبدلة من همزة ساكنة ، وما كان كذلك فلا مد فيه كألف ( يأمر ، و يأتي ) وإن قدرتها الثانية جاز المد والقصر من أجل تغير السبب ، فهو حرف مد قبل همز مغير كما تقدم آخر باب المد ، وإن أبقييهما مددت مدا طويلا . وقد يجوز أن يكون متوسطا لما تقدم في سكون الوقف ، كذلك ذكره غير واحد من علمائنا كالحافظ أبي عمرو وأبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح وأبي العباس المهدوي ، وصاحب تلخيص العبارات وغيرهم . فنص مكي في " التبصرة " على حذف أحد الألفين ، وأجاز المد على أن المحذوف الثانية والقصر على أن المحذوف الأولى [ ص: 467 ] ورجح المد . ونص المهدوي في " الهداية " على أن المحذوف الهمزة ، وذكر في شرحه جواز أن تكون الأولى ، واختار أن تكون الثانية ، وزاد فقال : وقد يجوز أن لا يحذف واحدة منهما ويجمع بينهما في الوقف فيمد قدر ألفين ، إذ الجمع بين ساكنين في الوقف جائز ، وقطع في " الكافي " بالحذف ، ومراده حذف الهمزة ; لأنه قطع بالمد وقال : لأن الحذف عارض . ثم قال : ومن القراء من لا يمد ، وقطع في " التلخيص " بالجمع بينهما ، فقال : تبدل من الهمزة ألفا في حال الوقف بأي حركة تحركت في الوصل لسكونها وانفتاح ما قبل الألف التي قبلها ، وتمد من أجل الألفين المجتمعتين ، وبهذا قطع أبو الحسن بن غلبون ، وقال في " التيسير " : وإن كان الساكن ألفا ، سواء كانت مبدلة ، أو زائدة أبدلت الهمزة بعدها ألفا بأي حركة تحركت ، ثم حذفت إحدى الألفين للساكنين ، وإن شئت زدت في المد والتمكين ليفصل ذلك بينهما ولم تحذف ، قال : وذلك الوجه وبه ورد النص عن حمزة من طريق خلف وغيره ، فاتفقوا على جواز المد والقصر في ذلك ، وعلى أن المد أرجح ، واختلفوا في تعليله ، فذهب الداني ، ، وأبو الحسن طاهر بن غلبون وأبو علي بن بليمة ، والمهدوي إلى عدم الحذف ، ونص على التوسط أبو شامة وغيره من أجل التقاء الساكنين ، وقاسه على سكون الوقف . وقد ورد القول بالمد .

                                                          ( قلت ) : وليس كما قال ، هو صحيح نصا وقياسا وإجماعا . أما النص فما رواه يزيد بن محمد الرفاعي نصا ، عن سليم ، عن حمزة قال : إذا مددت الحرف المهموز ، ثم وقفت فأخلف مكان الهمزة مدة ، أي : أبدل منه ألفا ، وروى أيضا خلف ، عن سليم ، عنه قال : تقف بالمد من غير همز ، وجائز أن تحذف المبدلة من الهمزة وتبقى هي ، فعلى هذا يزاد في تمكينها أيضا ليدل بذلك على الهمزة بعدها ، وهذا صريح في الجمع بين الألفين ، وأما القياس فهو ما أجازه يونس في : اضربا زيدا ، على لغة تخفيف النون ، قال : إذا وقفت قلت : اضربا ، إلا أنها تبدل في الوقف ألفا فيجتمع ألفان فيزداد في المد كذلك ، وروى عنه كذلك أبو جعفر بن النحاس وحكاه الحافظ أبو عمرو الداني .

                                                          [ ص: 468 ] ( الخامس ) إنما يكون اتباع الرسم فيما يتعلق بالهمزة خاصة دون غيره ، فلا تحذف الألف التي قبل الهمزة في ( العلمواء و يشاء و جزاء ) ، ولا تثبت الألف بعد الواو بعدها . وهذا بالإجماع ممن رأى التخفيف الرسمي ، وكذلك لا تثبت الألف من نحو ( مائة ، و لشاي في الكهف ) ونحو ذلك مما كتب زائدا ، إذ لا فرق لفظا بين وجودها وعدمها .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية