الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النوع الرابع : حلق الشعر ، والأصل فيه قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) [ البقرة : 196 ] تقديره : فحلق ففدية ، والمرض : القروح والأذى القمل ، وألحق الفقهاء بالرأس الشارب والإبط والعانة وإزالة سائر الشعث ، وخصصه أهل الظاهر بالرأس .

                                                                                                                لنا : أن إماطة الأذى في العانة والإبط أكثر فيكون مثل قوله تعالى : ( فلا تقل لهما أف ) [ الإسراء : 23 ] من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، والفدية - عندنا - [ ص: 309 ] متعلقة بإزالة الأذى فيه فما لا إزالة فيه فلا إطعام ، وقال ( ش ) وابن حنبل : تجب الفدية كاملة بثلاث شعرات ; لأن تقدير الآية : لا تحلقوا شعر رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ، والشعر جمع ، وأقله ثلاثة ، وقال ( ح ) : يجب في ربع الرأس على أصله في الوضوء ، وجوابهم : أن اسم الجنس إذا أضيف عم كقوله : ما لي صدقة فتكون الفدية مرتبة على حق الجميع أو ما هو في معناه في تحصيل الرفاهية وهو المطلوب .

                                                                                                                ( تفريع ) في ( الكتاب ) : إن حلق المحرم رأس حلال افتدى . قال ابن القاسم : بل يتصدق بشيء من طعام ، فإن حلق موضع المحاجم : فإن تيقن عدم قتل الدواب فلا شيء عليه ، ومنع ( ح ) حلق الحرام شعر الحلال ، ولو أمن قتل الدواب بأن يحلق ساقه لقوله تعالى : ( ولا تحلقوا رءوسكم ) [ البقرة : 196 ] ومعناه : لا يحلق بعضكم رءوس بعض ، وجوزه ( ش ) مطلقا قياسا على شعر البهيمة ، والجواب عن الأول : أن الآية خطاب للمحرمين فلا تتناول محل النزاع ، وعن الثانية : الفرق : بأن الحلق في صورة النزاع يؤدي إلى محظور وهو قتل الدواب فيكون محظورا ، قال سند : إذا حلق شعر حلال أو قصه أو نتف إبطه ، ولم يقتل دواب فلا شيء عليه على المعروف من المذهب ، فإن قتل دواب يسيرة أطعم شيئا من طعام أو كسوة أو شك افتدى عند مالك ، وقال ابن القاسم : يطعم واختلف في تعليل الفدية فقال بعض البغداديين : هي على الحلاق ، وقال عبد الحق : للدواب ، قال وهو الأظهر لقوله عليه السلام لكعب بن عجرة : ( أتؤذيك هوام رأسك ؟ قال : نعم ، قال : احلق وانسك بشاة ، أو صم ثلاثة أيام أو أطعم . . ) الحديث ، وراعى ابن القاسم ما يقابل الهوام ، وهو غير متقوم فيجب شيء من طعام ، قال مالك : ولا يحلق شارب حلال ولا حرام بخلاف الدابة إذا أمن الفواد لما فيه من الرفاهية ، وفي ( الكتاب ) : يجوز له حلق موضع [ ص: 310 ] محاجم محرم آخر ويحجمه إذا أمن قتل الدواب ، والفدية على المفعول به إن دعت لذلك ضرورة ، وإلا فلا ، وأصل آخر الحجامة : ما في الصحاح أنه عليه السلام احتجم بطرق مكة - وهو محرم - وسط رأسه . وأجازه الأئمة في غير ضرورة ، ومنعه مالك في ( الموطأ ) إلا لضرورة لما في ( الموطأ ) أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يقول : لا يحجم المحرم إلا أن يضطر إليه ؛ ولأن فيه شد المحاجم ، وهو ممنوع منه ، قال سند : وروي عن مالك : لا فدية عليه في الحجامة ما لم يحلق لها شعر لقول ابن عمر - رضي الله عنهما : من احتجم لضرورة فلا شيء عليه ؛ ولأنها لو وجبت الفدية من ضرورة لوجبت مع عدم الضرورة كالعصائب ، والفرق بينهما وبين العصائب والجبائر : أنها لا تدوم بخلاف الجبائر ، ولا تكره الفصادة بشد العصابة ، وتجب بها الفدية ، قال مالك : وله أن يبطئ جرحه ، ويحك رأسه حكا رفيقا ، وإذا دعاه محرم لحلق رأسه أو موضع المحاجم من غير ضرورة فلا يجيبه ; لأنه إعانة على منكر ، فإن فعل وكان محرما وأمن قتل الدواب ففي ( الكتاب ) : الفدية على المفعول به ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : على الحالق صدقة كشعر الصيد ، والحكم في الأصل ممنوع ، والفرق بين هذا وبين ما إذا أمره بقتل صيد فإن الجزاء على القاتل دون الآمر : أن الشعر تحت يد صاحبه فهو كالمستعير ، والمودع إذا تلف في يده بأمر ضمنه ، وفي الصيد ليس تحت يد واحد منهما فتغلب المباشرة على التسبب ، وفي ( الجواهر ) : إذا خلل لحيته في وضوئه أو غسله فسقط بعض شعره فلا شيء عليه ، وتكمل الفدية بحلق ما يترفه به ، ويزول معه الأذى ، وإلا أطعم [ ص: 311 ] شيئا من طعام ، وإن نتف ما يخفف به عن نفسه أذى - وإن قل - افتدى ، قال ابن القاسم : ولا يحد مالك فيما دون الإماطة أقل من حفنة بيد واحدة ، وكذلك في قملة أو قملات ، والنسيان لا يكون عذرا في الحلق ، وإن أكره حلال حراما فالفدية على الحلال ، وإن حلق محرم رأس حلال ، قال مالك : يفتدي ، وقال ابن القاسم : يجزئه شيء من الطعام لمكان الدواب ، وفي ( الكتاب ) : إن نتف شعرة أو شعرات يسيرة أطعم شيئا من طعام ، وإن كان جاهلا أو ناسيا ، فإن نتف ما أماط به أذى افتدى ، ولا شيء فيما أزاله الشرج أو الإكاف من ساقه لعموم البلوى .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية