الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                السبب الثالث : العصوبة كالبنوة ، والجدودة ، والعمومة ، وأخوة الشقاقة ، وأخوة الأب ، ولا ولاية لذوي الأرحام ، وهم أخ الأم ، وعم الأم ، وجد الأم ، وأبناء الأخوات ، والبنات ، والعمات ، ونحوهم ممن يدلي بأنثى ; لأن الولي شرع لحفظ النسب فلا يدخل فيه إلا من يكون من أهله ، وخالف ( ش ) في البنوة لقوله عليه السلام : ( أيما امرأة نكحت [ ص: 227 ] نفسها بغير إذن مواليها فنكاحها باطل ) وابنها ليس من مواليها ، ولأنه يدلي بها فلا يزوجها ، كتزويجها لنفسها ، ولأن أباه لا يلي فلا يلي كالخال وابنه ، والجواب عن الأول : أنه روي بغير إذن وليها ، وهو وليها ; لأن الولاية من الولاء من قولنا هذا يلي هذا ، وابنها يليها أكثر من غيره ; لأنه جزؤها فيكون وليها ، وهو المراد في هذه الرواية جمعا بين الأدلة ، وعن الثاني : الفرق بين قوة عقله ونقص عقلها ، وعن الثالث : أنه جزء منها فيتعلق به عارها بخلاف أبيه ، وابن الخال ، ويؤيد قولنا قوله - عليه السلام - لعمر بن أبي سلمة ( قم فزوج أمك ) . وزوج أنس بن مالك أمه بمحضر من الصحابة ، ولم ينكر عليه أحد ، ولأنه متقدم على العصبات في الميراث فيقدم في النكاح .

                                                                                                                تفريع

                                                                                                                في الجواهر لا تعتبر ولاية العصبة إلا في البالغة العاقلة الراضية الآذنة بالتصريح إن كانت ثيبا ، أو بالسكوت إن كانت بكرا ، واستحب مالك أن يعرف أن إذنها صماتها احتياطا في أمرها ، قال التونسي : يقال لها ثلاث مرات : إن رضيت فاصمتي ، وإن كرهت فانطقي ; لقوله - عليه السلام - في مسلم : ( الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر ، وإذنها صماتها ) ، وهو يدل على أن الثيب إذنها نطقها بمفهومه .

                                                                                                                [ ص: 228 ] فرع

                                                                                                                قال إذا تقدم العقد على الإذن فأقوال : ثالثها : في الكتاب : إن يعقبه الإذن على قرب جاز وإلا فلا ، قال عبد الوهاب : ، والصحيح البطلان مطلقا لفقد الإذن ، وهو شرط ، قال صاحب البيان : ويكون الفسخ بطلاق ، وهل يتوارثان إن مات أحدهما قبل الفسخ ؟ قولان لمالك ، والمشهور في رضاها بالقرب : الجواز ، وإنما جاز هذا الخيار ; لأنه أدى إليه الحكم دون العقد ، فلو أعلم الولي الزوج بعدم الإذن ، قال مالك : يبطل العقد لدخولهما على الخيار ، وقيل : يجوز ; لأن الحاضر له مندوحة عن الخيار بخلاف الغائب ، وهو أعذر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان ، ولا يجوز تزويج اليتيمة المميزة لمصالحها كارهة اتفاقا ، فإن زوجت من غير حاجة فستة أقوال ، قال ابن حبيب : يفسخ ولو ولدت الأولاد ورضيت لعدم الشرط ، وقال ابن القاسم : لا يفسخ لقوله تعالى : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ) ( النساء : 3 ) معناه : ألا تعدلوا في تزويجهن ، وهو دليل جواز العقد عليهم قبل البلوغ ; لأن من بلغ لا يقال له يتيم ، وقال أصبغ : يفسخ بعد الدخول إلا أن يطول وتلد الأولاد بخلاف الولد الواحد والسنتين ، وهل تخير إذا بلغت ما لم يطل الأمر بعد الدخول ; لأنه حق لها ؟ وقال مالك : يكره فإذا وقع لم يفسخ ، وقال أصبغ : [ ص: 229 ] إن شارفت الحيض لا يفسخ ، وإذا قلنا بالفسخ فطلق الزوج قبله لزمه جميع الصداق بالدخول ، والميراث بالموت .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا أذنت لولي فزوجها من رجل ففعل فأقرت بالإذن ، وأنكرت أنه زوجها ثبت النكاح إن ادعاه الزوج ، وكذلك الوكيل في بيع سلعة ، ولو أذنت له في قبض الصداق والعقد وقبضه فتلف فهو كالوكالة على قبض الدين ثم يتنازع في القبض ، فإذا أقام الزوج أو الغريم البينة صدق الوكيل في التلف ، وإلا ضمنا ، ولا شيء على الوكيل لتصديقه في الوكالة ، وأما الوكيل على البيع يدعي قبض الثمن ، والضياع يصدق ; لأن الوكالة على البيع ، وكالة في قبض ثمنه بخلاف الوكالة على عقد النكاح ، ولا يلزم الزوج الدفع إليه ، فإن فعل ضمن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : إذا أنكرت الرضا والعلم : فثلاثة أقوال : قال ابن القاسم : إن كانت أسبابا ظاهرة كالوليمة ونحوها حلفت أنها ما علمت أن تلك الأمور لها ، ويبطل النكاح ، وإن نكلت لزمها النكاح ، وإلا فلا تحلف ، وقيل : لا تحلف مطلقا ; لأنها إذا نكلت يلزمها النكاح ، وقيل : تحلف رجاء الإقرار ، فإن حلفت بطل النكاح ، وإن نكلت لم يلزمها شيء .

                                                                                                                [ ص: 230 ] فرع

                                                                                                                قال : فإن أذنت لوليها بشروط ، وأشهدت عليه فزوجها بدونها ، قال ابن القاسم : تخير في الفسخ قبل البناء .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا قالت لوليها : زوجني ممن أحببت ، فزوجها من نفسه أو من غيره لم يجز حتى يعين له الزوج ، ولها الإجازة والرد ; لأن رضاها شرط ، وهو بالمجهول متعد ، قال ابن القاسم : ولو زوجها من غيره صح ، نظرا لعموم اللفظ أو من نفسه فرضيت جاز ، وإن لم يكن لها ولي فزوجها القاضي من نفسه أو من ابنه جاز ، وإن كان لها ولي ، ولم يكن فعل القاضي ضررا فلا مقال لها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : البلوغ المعتبر في تزويج العصبة الحيض ، قال ابن حبيب : أو بلوغ ثماني عشرة سنة ، وفي الإنبات قولان : قال ابن حبيب : فإن زوجت به فسخ قبل البناء وبعده ، واختاره محمد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية