الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 232 ] السبب السادس : الملك ; لأن الرقيق مال ، وللسيد إصلاح ماله بما يراه من تزويج وغيره ، رضي الرقيق أو كره كسائر وجوه التصرف ، وفي الجواهر : للسيد إجبار العبد والأمة ولا تخير لهما ، وقاله ( ح ) خلافا ل ( ش ) في العبد . لنا : قوله تعالى : ( وأنكحوا الأيامى منكم ) ( النور : 32 ) ، وقياسا على الأمة بجامع المالية ، وقياسا على الإجازة ، قال ابن يونس : قال مالك : وليس له إضرارها بتزويجها ممن يضر بها ، وفي الجواهر : يزوج أمته الكافرة ، ورقيق الطفل الذي تحت نظره بالمصلحة ، وأمة المرأة يزوجها وليها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : إن زوجها أجنبي ، وطلقها الزوج قبل العلم فإنه مفسوخ ، قال مالك وابن القاسم : إن كان الطلاق ثلاثا لا تحل له إلا بعد زوج ، ومثله في المدونة . وفي الجواهر : لا يجبر من بعضه ( رقيق لتعدي التصرف إلى غير الملك ، ولا يجبر مالك بعضه ) على تزويجه ، وإن منعه ضرارا تغليبا لمصلحة المال ، ومن فيه عقد من عقود الحرية : في إجباره أربعة أقوال : ثالثها : التفرقة بين الذكور فيجبروا لقدرتهم على الحل بالطلاق دون الإناث ، ورابعها : التفرقة بين من يقدر على انتزاع ماله فيجبر لقوة التصرف ، ومن لا فلا ، والمنع لمالك وابن القاسم .

                                                                                                                [ ص: 233 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : كره مالك له تزويج أم ولده ، فإن فعل لم يفسخ ; لأنه إنما كره لدناءة المروءة ، وهو خارج عن العقد ، قال صاحب البيان : كان مالك يقول : له إجبار أم ولده ثم رجع عنه لقوة الحرية وعدم المالية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : إذا تزوج أمة أم ولده لا يكون ذلك انتزاعا من أم الولد بل إصلاحا لمالها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إذا باشرت الأمة العقد بنفسها لم يجز بإجازة السيد لفساده بعدم الولي ، فإن وكلت غيرها فروايتان : البطلان ; لأن السيد يزوج بالملك ، وهذا إنما زوج بالتوكيل فلا يقوم أحدهما مقام الآخر . وفي الكتاب : الجواز إن أجازه السيد كنكاح العبد بغير إذن سيده ، قال الأبهري في شرح المختصر : وروي عن مالك : ( الأمة والعبد ) سواء في إجازة السيد إذا باشر العقد كقول ( ح ) .

                                                                                                                [ ص: 234 ] فرع

                                                                                                                قال : فلو اشترى أمة ممن يعلم أنها ليست له فوطئها حد ورق ولده لسيدها بخلاف عقد الأمة على نفسها . وأخبرته بحريتها ، وهو يعلم كذبها فلا يرق الولد ، ويفسخ العقد ، وهذا إذا أشهد على إقراره بزواجها ، وأما بعد ( الاخال ) فلا ; لأنه يتهم في إرقاق الولد لتسقط القيمة عنه ، وقال أشهب : إن كان عديما أتبع ولا قيمة فيمن مات قبل ذلك ، ولا على الولد الموسر قيمة نفسه ، وإن كان الأب عديما .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا زوج عبده فالمهر في ذمة العبد لا في رقبته إلا أن يشترط على السيد ; لأنه ليس جناية . وقال ربيعة : إن خطب له وسمي بعد : فعلى السيد لقرينة المباشرة ، وإن أذن له فقط فعلى العبد ، وقال ( ش ) : المهر والنفقة في كسبه ، قال مالك : وإذا تزوج عبد أو مكاتب بغير إذن سيده ، ونفذ المهر ، وبنى ، فللسيد انتزاعه ويترك لها ربع دينار ، فإن أعدمت أتبعت به ، فإن أعتق العبد أو أدى المكاتب اتبعهما إن عراها ، وإلا فلا ، وإن أبطله السيد أو السلطان قبل العتق بطل ، ولم يلزمه إذا أعتق ، وإن لم يعلم السيد حتى أعتق ثبت النكاح ، وكل ما لزم ( ذمة ) العبد من صداق أو غيره لا يؤخذ من ( خراجه ) ، ولا من عمل يده ، ولا مما فضل في يده من ذلك لتعلق حق السيد به بل فيما أفاده من هبة أو صدقة أو وصية ، وديون المأذون له فيما في يده من كسبه من التجارة ; لأن [ ص: 235 ] السيد سلط عليه بإذنه دون خراجه ، وعمل يديه ، وتصرف فيه السيد بدينه .

                                                                                                                وفي الجواهر : النفقة لازمة للعبد في ذمته كما تقدم في المهر حرفا بحرف ، واستحب مالك في الكتاب : اشتراطها عليه بإذن سيده . فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا اشترت الحرة زوجها بعد البناء اتبعته بالمهر ، أو قبله سقط للفسخ ، وفي الجواهر : إن اشترته بالمهر الذي ضمنه السيد ، وظهر من قصد السيد إفساد النكاح لم يصح هذا القصد ، وإن لم يظهر صح ، وانفسخ النكاح ، وبقي ملكا لها إن كان دخل بها ، وإلا عاد لسيده ، قاله في الكتاب .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : إذا أعتق سيد الأمة ولد الزوج رجعت نفقته على أبيه ; لأنه صار حرا إلا أن يكون الابن معدما أو لا أب له ; لأن عتق الصغير لا يسقط النفقة إلا الأب الموسر ، قال : وكذلك إذا طلقها ليس له طرح ولدها من حينه حتى يجد له موضعا ; لقوله تعالى : ( لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده ) ( البقرة : 233 ) .

                                                                                                                [ ص: 236 ] فرع

                                                                                                                قال صاحب المنتقى : للسيد تزويج أمة العبد من العبد ; لأنه انتزاع ، ولا يجوز لأحد أن يتزوج أمته إلا هذه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا اشترت الأمة المأذون لها زوجها فرده سيدها فهما على الزوجية ، وإذا زوج أمته من عبده ثم وهبها له لقصد فسخ النكاح ، وأن يحللها لنفسه أو لغيره لم يجز ، ولا يحرم ، وفي النكت : قال بعض شيوخنا : إذا قبل العبد الهبة انفسخ النكاح قصد السيد الفسخ أم لا ، ولا حجة إن قال : لم أعلم قصده للفسخ ، وإنما يفترق القصد من غيره إذا لم يقبل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : من تزوج أمة رجل بغير إذنه لم يجز ، وإن أجازه السيد ، ويفسخ وإن ولدت الأولاد ; لأنها جناية على مال الغير وولايته .

                                                                                                                فهو أعظم من التزويج بغير إذن القريب ، ولو عتقت قبل العلم فسخ لتمكن الفساد ، ولا ينكحها الزوج إلا بعد العدة من مائه الفاسد ، وإن لحق به نسب ولدها ، وكذلك إن اشتراها في تلك العدة تمييزا بين الماء الفاسد والصحيح ، وكذلك كل وطء فاسد .

                                                                                                                [ ص: 237 ] فرع

                                                                                                                قال : ولا تزوج أمة أو عبد بين رجلين إلا بإذنهما نفيا للجناية على حق أحدهما ، فإن عقده أحدهما للأمة لم يجز بإجازة الآخر ، وإن دخل بها ، ويكون المسمى بينهما إن دخل بها ، وإن نقص عن صداق المثل أتم للغائب نصف صداق المثل إن طلبه ، فإن غر العاقد الزوج بقوله : هي ملكي ، أو هي حرة رجع الزوج عليه بما دفعه لشريكه ، ويرجع أيضا عليه بما دفعه إليه إلا نصف ربع دينار .

                                                                                                                قال ابن يونس : قال ابن حبيب : إذا تزوج بإذن أحدهما فللآخر فسخ نكاحه ، ويأخذ من المرأة جميع الصداق ، ويكون بيد العبد مع ماله إلا أن يتفقا على تسميته . ولا يترك لها منه ربع دينار إن كانت عالمة ، فإذا اقتسما أخذت من الآخر حصته من الصداق ، ولو غرها الآخر ولم يعلمها رجعت بمثل الصداق عليه ، ولو استهلكته اتبعها غير الآذن بجميعه ، واتبعت هي الآذن بمثله ، ولها اتباع العبد بجميع ما أخذ منه إلا أن يسقطه غير الآذن ، قال : وقوله كله كقول ابن القاسم إلا قوله : لا يترك لها ربع دينار ففي الكتاب : يترك لها ذلك .

                                                                                                                قال صاحب النكت : إذا زوج أحد الشريكين الأمة بغير إذن الآخر فأجاز بعد البناء فله نصف التسمية ، نقص على صداق المثل أو زاد ; لأن إجازته رضا به ، ولا بد من الفسخ ، وإن لم يجز فلا ينقص عن نصف صداق المثل ، قال بعض القرويين ، ويتخير بين أخذ نصف الصداق من الشريك القابض بجملة الصداق أو الزوج ، ويرجع الزوج على الشريك المزوج ، ولا يترك له ربع دينار ; لأن ما أخذ الشريك الآخر فيه ربع دينار ، وقال أبو الحسن وغيره : يترك للعاقد نصف ربع دينار ، وهذا كله إذا غره ، وقال : هي ملكي وحدي ، أو هي حرة ، أما إن أعلمه فلا يرجع [ ص: 238 ] عليه ، قال اللخمي : إن أجاز غير الآذن على القرب : فإن علمت المرأة بالشريك لم يرجع على الزوج بشيء ، ويترك الصداق بيد العبد ، وإن اقتسماه رجعت على الحاضر بنصيبه ، وإن غرها ولم يعلمها رجعت عليه ، فإن أعدم بيع لها بنصيبه من العبد ، قال أبو الطاهر : إذا رضي الثاني جرى الفسخ على الخلاف في تزويج الأجنبي الأمة ، وهذا أولى ; لأن له مدخلا في العقد ، وإن فسخ قبل البناء فلا صداق أو بعده للعاقد المسمى ، وفي الآخر ثلاثة أقواله : المثل ; لأنه تفويت فتتعين القيمة والمسمى ; لتقديم قول الزوج عليه ، والأكثر ; لأنه يطالبه بالقيمة والفرض ، وإذا غر الأول الزوج ففي رجوعه ثلاثة أقوال : بما وزن أو به إلا ربع دينار أو بالزائد على المسمى .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يطلق السيد على عبده إذا عقد بإذنه ، وفي الجلاب : لا يمنعه الرجعة لاستلزام الإذن الأول تمكين العبد من أحكام النكاح .

                                                                                                                تفريع

                                                                                                                في الجواهر : لا يبطل استخدام الرقيق بالزواج استبقاء لحق الملك ، وعقد النكاح إنما يتناول إباحة الوطء بالعقد الأول ، ويحرم الاستمتاع على السيد لئلا تختلط الأنساب . وليس على السيد أن ينزلها معه بيتا إلا

                                                                                                                [ ص: 239 ] أن يشترطه أو يكون عرفا ، قاله في الكتاب ، وحق السيد آكد بدليل رق الولد ، وقاله ( ح ) ، وأوجبه ( ش ) ليلا ، وروى عبد الملك : ترسل إليه ليلة بعد ثلاث ; لأنه وقت الضرورة غالبا ، ويأتيها في غير ذلك ، وللسيد المسافرة بها ، ولا يمنع الزوج من الخروج معها ، وإن بيعت بموضع لا يصل إليها فله طلبها ، وفي لزوم النفقة روايات : ثالثها : إن بوئت معه بيتا لزمته ، وإلا فلا ، وقاله ( ح ) . ورابعها : إن باتت عنده وكانت عند أهلها نهارا لزمه ، وإلا فلا ، وقال عبد الملك : ينفق عليها زمن تأتيه دون غيره ، ومنشأ الخلاف : تغليب الملك فيسقط . أو يلاحظ الاستمتاع ، وهو سبب النفقة في الحرائر ، وحيث قلنا في النفقة يسافر بها السيد سقط كنشوز الحرة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ، ومهر الأمة من جملة مالها ما لم ينتزعه ، ولو قتلها أجنبي ، أو السيد ، أو ماتت لم يسقط لوجود سببه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : وإذا باعها لم ينفسخ النكاح ; لأن البيع ينقل الأعيان على ما هي عليه من نقص وكمال ، ويسلم المهر للبائع كمالها إلا أن يشترطه المبتاع ، وحيث لم يشترط فليس للبائع حبسها لتسليم الصداق ; لأنه لم يبق له فيها تصرف ، ولا للمشتري ; لأن المهر ليس له فيستفيد الزوج بالبيع سقوط المنع لأجل الصداق .

                                                                                                                [ ص: 240 ] فرع

                                                                                                                قال : فلو زوج عبده من أمته فلا بد من الصداق ; لأنه حق لله تعالى فقط .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال فلو أعتق أمته على أن يتزوج بها لم يلزمها الوفاء ، أو أعتقت بعدها على ذلك عتق ولم يلزمه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لو زوجها السيد تفويضا فعرض لها الزوج بعد العتق فهو لها ، وللسيد أخذ صداق الأمة إلا ربع دينار ; لأنه حق الله تعالى .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية