الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المانع الثامن الكفر .

                                                                                                                وفيه خمسة فصول :

                                                                                                                الفصل الأول : فيما يحل ، وفي الجواهر : الكفار ثلاثة أصناف : الكتابيون يحل نكاح نسائهم ، وضرب الجزية عليهم ، وإن كرهه في الكتاب لسوء تربية الولد ، ولأمر عمر - رضي الله عنه - الصحابة بمفارقة الكتابيات ففعلوا إلا حذيفة ، وقاله ابن حنبل ، وأجازه ( ش ) من غير كراهة لقوله تعالى : ( والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) ( المائدة : 5 ) ، والمراد بالمحصنات هاهنا : الحرائر .

                                                                                                                والزنادقة ، والمعطلة لا يناكحوا ، ولا تؤخذ منهم الجزية ، والمجوس لا يناكحوا ، وتؤخذ منهم الجزية لمفهوم الآية المتقدمة ، ولقوله عليه السلام : ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي أطعمتهم ولا ناكحي نسائهم ) ، وبهذه الجملة ، قال الأئمة ، وقيل : يحل نكاح حرائر المجوس نظرا ; لأنهم لهم كتاب وعقد ، وهذا لا عبرة به ، فإن الوثنيين من ولد إسماعيل ، والمعتبر إنما هو حالتهم الحاضرة ، قال اللخمي : لا يجوز وطء الوثنيات بنكاح ولا ملك لعموم قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ( البقرة : 221 ) ، وقيل : الصابئون من النصارى ، والسامرية من اليهود ، وقيل : ليسوا منهما فيجوز نكاحهم على الأول دون الثاني .

                                                                                                                [ ص: 323 ] تمهيد : قوله تعالى : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن ) الآية متأخرة النزول عن قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) فأبيحت الأمة الكتابية قياسا على الحرائر بجامع الشرف بالكتاب ، وتسوية بين المناكح والأطعمة ، وقيل : المشركات خاص بالوثنيات ، وإن أشرك اليهود بعزير ، والنصارى بعيسى عليهما السلام لقوله تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ) ( البينة : 1 ) فباين بينهم في آيات كثيرة من الكتاب .

                                                                                                                تنبيه : لما تشرف أهل الكتاب بالكتاب ، ونسبتهم إلى المخاطبة من رب الأرباب أبيح نساؤهم وطعامهم ، وفات غيرهم هذا الشرف بحرمانهم ، وأما الأمة الكتابية : فلا لأن الله تعالى حرم الأمة المؤمنة ، إلا بشرطين : صيانة للولد عن الرق ، والأمة الكافرة تجمع بين الإرقاق ، وتلقين الكفر ، وتغذية الخمر والخنزير فحرمت مطلقا ، وقاله ( ش ) ، وابن حنبل ، وأجازها ( ح ) تسوية بين الحرائر والإماء عكسه المجوس ، والفرق عندنا اجتماع المفسدتين .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : توطأ الأمة المجوسية الصغيرة إذا أجبرت على الإسلام وعقلت ما يقال لها ، وفي اللباب : توطأ الأمة الكتابية بالملك ، وقاله الأئمة ، ولا يمنع نصراني من نكاح مجوسية ، ولا مجوسي من نصرانية ; لأن لا نتعرض لهم . [ ص: 324 ] فرع

                                                                                                                قال : الولد تبع للوالد في الدين ، والحرية ، ولأمه في الملك ، والجزية ; لأن الأديان إنما تقوم بالنصرة ، وهي بالرجال أليق ، والرق مهانة واستيلاء ، وهما بالنساء أنسب ، قالأبو الطاهر : وقيل : يتبع الأم كيف كانت قياسا على الرق ، والحرية ، وقيل : أحسنهما دينا تغليبا للإسلام ، وقاله ( ش ) ، وما ولد للمرتد بعد ردته هل يكون كولد الكافر في السبي والرق والجبر على الإسلام ، أو يجبر على كل حال؟ قولان ، وإذا قلنا ببقائهم ، فهل نفقتهم على آبائهم ؟ قولان كالقولين في نفقات الزوجات إذا أسلمن ، ورجح ابن محرز النفقة على الأب لوجوب سببها ، وهو القرابة .

                                                                                                                وفي الكتاب : إسلام الأب إسلام لصغار بنيه ، وإذا زوج النصراني ابنته الطفلة من كتابي ثم أسلم الأب ، وهي صغيرة فسخ نكاحها ، وكذلك الطفل لو كانت المرأة مجوسية يعرض عليها الإسلام ، فإن أبت فرق بينهما ما لم يتطاول ، وإن كان الولد مراهقا ابن اثنتي عشرة سنة حالة الإسلام فلا يجبر عليه إلى البلوغ ، فإن أقام على دينه لم يعرض له لاستقلاله على التمييز ، وإن ترك الأطفال حتى راهقوا ، فإن أبوا الإسلام ( لم يجبروا ; لأنها حالة تأبى التبعية ، وقال بعض الرواة : يجبرون نظرا لحالة الإسلام ) ، وهو أكثر مذاهب المدنيين .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لو مات أبو المراهق ، وقف المال إلى أن بلغ وأسلم ، ورث ، وإلا فلا ، ولو أسلم قبل احتلامه لم يتعجل ذلك حتى يحتلم ; لأنه لو رجع لم [ ص: 325 ] يقتل ، وقيل : يقتل ، وله الميراث ، ولو رجع ضرب حتى يسلم أو يموت ، قال مالك : ولو قال الولد : إني لا أسلم إذا بلغت لا يعتبر ذلك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية