الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ولا وجه لمن قال يجوز إذا بدا صلاحهما ويكون لمشتريهما ما ثبت أصلهما أن يأخذ كل ما خرج منهما ، وهذا محرم ، وكيف لم يجز بيع القثاء والخربز حتى يبدو صلاحهما كما لا يحل بيع الثمر حتى يبدو صلاحه ، ويحل ما لم ير ولم يخلق منهما ، ولو جاز لبدو صلاحهما شراء ما لم يخلق منهما ، لجاز لبدو صلاح ثمر النخل شراء ما لم يحمل النخل سنين وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا بدا صلاح ما خرج من القثاء والبطيخ لم يجز بيع ما لم يخلق منه تبعا لما خلق ووجب إفراد العقد بالموجود .

                                                                                                                                            وقال مالك : يجوز بيع ما لم يخلق منه تبعا لما خلق : استدلالا بأن شروط العقد معتبرة بالضرورة فبيوع العروض لا يجوز قبل وجودها لارتفاع الضرورة ، وإمكان بيعها بعد وجودها ، والإجارة هي بيوع للمنافع قبل وجودها لوجود الضرورة وتعذر بيعها بعد وجودها ، فلما كان ما لم يخلق من القثاء والبطيخ يتعذر بيعه إذا خلق لاختلاطه بالأول دعت الضرورة إلى بيعه قبل أن يخلق تبعا لما خلق .

                                                                                                                                            [ ص: 197 ] قال ولأنه لما كان ما لم يبد صلاحه تبعا لما بدا صلاحه في البيع جاز أن يكون ما لم يخلق تبعا لما خلق في البيع .

                                                                                                                                            قال : ولأنه لما جاز أن يدخل في البيع ما يحدث من الزيادة التي لا تتميز كالطول والكبر جاز أن يدخل في البيع ما يحدث من الزيادة التي تتميز : لأنهما جميعا بيع ما لم يخلق .

                                                                                                                                            ودليلنا نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر .

                                                                                                                                            وهذا البيع من أعظم الغرر : لأنه يتردد بين الوجود والعدم وبين القلة والكثرة ، بين الرداءة والجودة .

                                                                                                                                            ولأن النخل أثبت من البطيخ أصلا ، وحمله أقل من البطيخ خطأ ، فلما لم يجز بيع ما لم يخلق من غير النخل تبعا لما خلق ، فأولى أن لا يجوز بيع ما لم يخلق من البطيخ تبعا لما خلق . وتحريره قياسا أنها ثمرة لا يجوز إفرادها بالعقد فوجوب ذلك إذا لم تدخل في البيع بغير شرط أن لا تدخل فيه بالشرط كالنخل لأنه لما لم يجز بيع ما لم يبد صلاحه مع وجوده وقلة غرره فبيع ما لم يخلق أولى أن لا يجوز مع عدمه وكثرة غرره .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلاله بالضرورة الداعية إليه فدعوى يرفعها العياب : لأنه يقدر على أخذ ما خلق وبيعه حالا بعد حال ، ولا يقدر على مثل هذا في الإجازة ، ويمكنه بيع ما خلق والسماحة بما لم يخلق .

                                                                                                                                            وأما استدلاله بأنه لما كان ما لم يبد صلاحه تبعا لما بدا صلاحه ، كذلك ما لم يخلق يكون تبعا لما خلق ، فالجواب عنه أن ما لم يبد صلاحه لما جاز إفراده بالعقد جاز أن ينضم في العقد إلى غيره ، وما لم يخلق لما لم يجز إفراده في العقد لم يجز أن ينضم في العقد إلى غيره .

                                                                                                                                            وأما استدلاله بالزيادة المتصلة فغير صحيح : لأن الزيادة المتصلة تحدث على ملك المشتري فلذلك دخلت في البيع بغير شرط ، ولو شرط خروجها من البيع فسد العقد ، والزيادة المنفصلة تحدث على ملك البائع ، ولذلك لم تدخل في البيع بغير شرط فوجب أن يكون اشتراط دخولها في البيع مفسد للعقد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية