الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإن كان الغيم وخفيت الدلائل على رجل فهو كالأعمى [ ص: 79 ] وقال في موضع آخر : ومن دله من المسلمين وكان أعمى وسعه اتباعه ولا يسع بصيرا خفيت عليه الدلائل اتباعه . ( قال المزني ) : لا فرق بين من جهل القبلة لعدم العلم وبين من جهلها لعدم البصر . وقد جعل الشافعي من خفيت عليه الدلائل كالأعمى فهما سواء "

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في بصيرين اجتهدا في القبلة فوقف أحدهما على جهتها باجتهاده وأشكل على الآخر ، فإن كان الذي قد أشكل عليه ممن لا يعرفها إذا عرفه ولا ينتبه عليها إذا نبهه فهو أعلى ، ما ذكرنا كالأعمى يقلد صاحبه ولا يعيد ، وإن كان ممن يعرفها وينتبه عليها ، ولكن وقع الإشكال لحادثة صد عنها فإن كان الوقت واسعا توقف ولم يقلد غيره وإن ضاق الوقت وخاف الفوت تبع صاحبه في جهته وصلى إليها باجتهاده ، فإذا فعل وصلى فقد قال الشافعي في وجوب الإعادة وسقوطها كلاما محتملا . فقال : ها هنا " ومن خفيت عليه الدلائل فهو كالأعمى " . فظاهر هذا يقتضي سقوط الإعادة وقال في موضع آخر حكاه عنه المزني ها هنا : " ولا يسع بصيرا خفيت عليه الدلائل اتباعه . " فظاهر هذا يقتضي سقوط وجوب الإعادة

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا على ثلاثة طرق :

                                                                                                                                            أحدها : وهي طريقة المزني ، وأبي الطيب بن سلمة ، وأبي حفص بن الوكيل : أن وجوب الإعادة على قولين على اختلاف الظاهر في الموضعين أحدهما عليه الإعادة ، لأن الإشكال عليه لتقصير يعود إليه

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا إعادة عليه ، لأن الجاهل بها لفقد علمه كالجاهل بها لفقد بصره

                                                                                                                                            والطريقة الثانية : هي طريقة أبي العباس بن سريج أنه لا إعادة عليه قولا واحدا ، وحمل قول الشافعي : " ولا يسع بصيرا خفيت عليه الدلائل اتباعه عليه " إذا كان الوقت واسعا

                                                                                                                                            والطريقة الثالثة : وهي طريقة أبي إسحاق المروزي أن الإعادة عليه واجبة قولا واحدا وحمل قول الشافعي : " ومن خفيت عليه الدلائل فهو كالأعمى " على وجوب الاتباع لا على سقوط الإعادة - والله تعالى أعلم -

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية