الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وإن ذكر سجدتي السهو بعد أن سلم فإن ذكر قريبا أعادها وسلم وإن تطاول لم يعد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصله هذه المسألة : أن سجود السهو عندنا سنة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : واجب ، لكن لا يقدح تركه في الصلاة .

                                                                                                                                            وقال داود ، وإحدى الروايتين عن مالك سجود السهو واجب ، فإن تركه بطلت صلاته .

                                                                                                                                            واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : " وليسجد سجدتي السهو " ، وهذا أمر يقتضي الوجوب قالوا : ولأنه جبران نقص في عبادة فاقتضى أن يكون واجبا كالحج .

                                                                                                                                            والدلالة على أنه سنة وليس بواجب ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليبن على اليقين ، وليسجد سجدتين ، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة والسجدتان نافلتين ، وإن كانت ناقصة كانت تماما لصلاته وكانت السجدتان ترغيما للشيطان .

                                                                                                                                            ولأن سجود السهو ينوب عن المسنون دون المفروض ، والبدل في الأصول على حكم مبدله أو أخف ، فلما كان المبدل مسنونا وجب أن يكون البدل مسنونا ، ولأنه سجود ثبت فعله بسبب حادث في الصلاة فوجب أن يكون مسنونا كسجود التلاوة ، فأما قوله صلى الله عليه وسلم : " وليسجد سجدتي السهو " فظاهره الأمر ، لكن صرفنا عنه بصريح ما رويناه من كونه نفلا .

                                                                                                                                            وأما الحج فلما وجب جبرانه لكونه نائبا عن واجب ، وليس كذلك سجود السهو ، فإذا تمهد ما ذكرنا من كون سجود السهو مسنونا فمحله في الاختيار قبل السلام ، فإن سلم قبل فعله عامدا ، أو ناسيا ، ثم ذكر بعد السلام ، فإن كان الزمان قريبا سجدهما ، وإن كان الزمان بعيدا فعلى قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في الجديد ، وأحد قوليه في القديم : لا يسجدهما ، وصلاته مجزئة ، لأن سجود السهو جبران للصلاة ، وما كان من أحكام الصلاة لا يصح فعله بعد تطاول الزمان ، ألا تراه لو ترك شيئا من صلب صلاته ثم ذكره بعد تطاول الزمان لم يصح البناء عليه فلأن يكون ذلك في سجود السهو أولى .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو أحد قوليه في القديم يسجدهما ، وإن تطاول الزمان قياسا على جبران الحج وركعتي الطواف ، لأن الدماء الواجبة في الحج زمانها يوم النحر ، ثم لم تسقط بالتأخير ، كذلك سجود السهو .

                                                                                                                                            [ ص: 228 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية