الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما جواز التنفل يوم الجمعة : فما لم يظهر الإمام ويجلس على المنبر ، فمستحب لمن ابتدأ دخول المسجد ، ولمن كان مقيما فيه أن يتنفل قبل الزوال وبعده .

                                                                                                                                            فأما إذا جلس الإمام على المنبر فقد حرم على من في المسجد أن يبتدئ بصلاة النافلة ، وإن كان في صلاة خففها وجلس ، وهذا إجماع لقوله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا [ الأعراف 204 ] فإنها نزلت في الخطبة ، فسمى الخطبة قرآنا ، لما يتضمنها من القرآن .

                                                                                                                                            فأما من ابتدأ دخول المسجد في هذه الحالة ، والإمام على المنبر ، فالسنة عندنا أن يصلي ركعتين ، ولا يزيد عليهما تحية المسجد فيمن يجلس منه ، وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز له أن يركع والإمام على المنبر تعلقا بقوله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا [ الأعراف : 204 ] . والصلاة تضاد الإنصات ، وبما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من دخل والإمام يخطب فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ .

                                                                                                                                            قالوا : ولأنه معنى يمنع من استماع الخطبة ، فوجب أن يكون ممنوعا منه كالكلام . قالوا : ولأن كل من حضر الخطبة كان ممنوعا من الصلاة كالجالس إذا أتى بتحية المسجد .

                                                                                                                                            ودليلنا : ما روى أبو ذر قال : دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، فضرب بيده بين كتفي وقال لي : " إن لكل شيء تحية ، وتحية المسجد أن تصلي ركعتين إذا دخلت ، قم فصل فكان هذا على عمومه .

                                                                                                                                            وروى أبو سفيان عن جابر بن عبد الله أن سليكا الغطفاني دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فجلس فقال له : قم فاركع ركعتين تجوز فيهما .

                                                                                                                                            وروى محمد بن المنكدر عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا جاء أحدكم يوم الجمعة ، والإمام يخطب فلا يقعد حتى يصلي ركعتين خفيفتين ثم يجلس .

                                                                                                                                            وروي أن أبا سعيد الخدري دخل يوم الجمعة ومروان يخطب ، فقام ليركع ، فقام إليه [ ص: 430 ] الأحراس ، فأبى عليهم قائما ، فلما فرغ قيل له : إن القوم هموا بك ، فقال : ما كنت لأدعهما بعد شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            وروي عن الشافعي في هذا الخبر أنه قيل له : وما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، وعليه هيئة بذة ، وقد استتر بخرقة ، فقال : قم فاركع ، فلما صلى قال : تصدقوا عليه ، فألقوا الثياب ، فأعطاه منها ثوبين ، فلما كان في الجمعة الثانية حث الناس على الصدقة ، فتصدق الرجل بأحد ثوبيه فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : ألا ترون إلى هذا .

                                                                                                                                            فإن قيل : إنما أمره بالصلاة ليتصدق الناس عليه إذا رأوه .

                                                                                                                                            قيل : هذا فاسد بفعل راوي الحديث أبي سعيد ، ولأن الأمر بالصدقة لا يبيح فعل المحظور .

                                                                                                                                            فأما استدلالهم بالآية فمخصوص ، وأما الحديث فمجهول ، وإن صح كان مخصوصا .

                                                                                                                                            وأما قياسه على الجالس ، فالمعنى فيه أنه إنما أمر به من تحية المسجد . فإذا ثبت أن الداخل يأتي بتحية المسجد فلا فرق بين أن يكون الإمام في الخطبة الأولى أو الثانية ، فإذا دخل بعد فراغ الإمام من الخطبتين وقد أقيمت الصلاة لم يجز أن يركع ، لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية