الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني : في سؤالها عددا ، فيه مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : قالت : طلقني ثلاثا بألف ، أو على ألف ، أو ولك علي ألف ، أو إن طلقتني ثلاثا ، فلك علي ألف ، فطلقها واحدة ، ففيه أربعة أوجه .

                                                                                                                                                                        الصحيح أنه يقع طلقة بثلث الألف ، والثاني : لا يقع طلاق . والثالث : يقع طلقة بمهر [ ص: 418 ] المثل ، والرابع : طلقة بثلث مهر المثل . حكى الحناطي الأخيرين .

                                                                                                                                                                        فعلى الصحيح لو طلقها طلقتين ، استحق ثلثي الألف . وإن طلق طلقة ونصفا ، فهل يستحق ثلثي الألف ، أم نصفه ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الثاني أرجح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو قالت : طلقني ثلاثا بألف وهو لا يملك إلا طلقة ، فطلقها تلك الطلقة ، فقد نص الشافعي رحمه الله أنه يستحق جميع الألف ؛ لأنه حصل بتلك الطلقة مقصود الثلاث وهو البينونة الكبرى .

                                                                                                                                                                        وللأصحاب أوجه . أصحها عند القفال والشيخ أبي علي وكبار الأصحاب وأكثرهم : وجوب جميع الألف ، كما نص عليه ، سواء علمت أنه لم يبق إلا طلقة أم ظنت بقاء الثلاث ، والثاني : لا يستحق إلا ثلث الألف في الحالين وهو قول المزني وابن خيران ، والثالث : إن علمت استحق الألف ، وإلا فثلثه ، قاله ابن سريج وأبو إسحاق .

                                                                                                                                                                        والرابع : يستحق مهر المثل ، قاله صاحب " التلخيص " . والخامس : لا يستحق شيئا ؛ لأنه لم يطلق كما سألت ، حكاهما الحناطي .

                                                                                                                                                                        ولو سألت الثلاث بألف ولا يملك إلا طلقتين ، فطلقها واحدة ، فله ثلث الألف على الأصح المنصوص ، وكذا على الثاني ، وله النصف على الثالث إن علمت ، وإلا فالثلث .

                                                                                                                                                                        وإن طلقها الطلقتين ، فعلى النص له الألف ، وعلى الثاني ثلثاه ، وعلى الثالث إن علمت ، فالألف ، وإلا فثلثاه ، وزاد الحناطي وجها رابعا ، وهو الرجوع بمهر المثل ، وخامسا : وهو ثلثا مهر المثل ، وسادسا : وهو أنه لا شيء له . ولو قالت : طلقني عشرا بألف ، فإن كان يملك الثلاث ، فالأصح الأشهر الجاري على قياس النص ، أنه يستحق بالواحدة عشر الألف ، وبالثنتين عشريه ، وبالثلاث جميع [ ص: 419 ] الألف . وقيل : إن كان التوزيع على الثلاث والزيادة لغو ، فيستحق بالواحدة الثلث ، وبالطلقتين الثلثين ، وطرد الوجهان على قياس قول المزني . فعلى الأشهر تستحق بالثلاث ثلاثة أعشار الألف .

                                                                                                                                                                        وعلى الثاني تستحق الجميع توزيعا على العدد الشرعي . وعلى قول من فرق بين العلم والجهل ، تستحق بالثلاث الجميع ، وبالواحدة الثلث ، وبالثنتين الثلثين ، لحصول العلم بأن الطلاق لا يزيد على ثلاث وأن الزيادة لغو .

                                                                                                                                                                        فإن ظنت أنه يملك عشرا ، بأن كانت قريبة عهد بالإسلام ، فالقياس عود الوجهين في أنه يجب ثلاثة أعشار الألف أم الجميع ؟ ولو لم يملك إلا طلقتين فسألته عشرا ، فعلى قياس النص ، إن طلقها واحدة ، استحق عشر الألف أو الثلث .

                                                                                                                                                                        وإن طلق ثنتين ، فتمام الألف . وعلى قياس المزني ، المستحق العشر أو العشران على الأشهر ، والثلث أو الثلثان على الوجه الآخر .

                                                                                                                                                                        وعلى قول الفارق إن علمت ، فله بالواحدة النصف ، وبالثنتين الجميع . وإن ظنت أنه يملك الثلاث ، فبالواحدة الثلث ، وبالثنتين الثلثان .

                                                                                                                                                                        قال الأصحاب : والضابط على النص ، أن الزوج إن ملك العدد المسئول كله فأجابها ، فله المسمى ، وإن أجابها ببعضه ، فله قسطه بالتوزيع .

                                                                                                                                                                        وإن ملك بعض المسئول ، فإن تلفظ بالمسئول أو حصل مقصودها بما أوقع ، فله المسمى ، وإلا فيوزع المسمى على العدد المسئول على الأشهر .

                                                                                                                                                                        وعلى قول المزني ، التوزيع على المسئول أبدا ، وكذا الحكم على الوجه الفارق إن جهلت . فإن علمت ، فالتوزيع على المملوك دون المسئول ، فلو ملك الثلاث فسألته ستا بألف ، فعلى النص وقول المزني : له بالواحدة السدس ، وبالثنتين الثلث . فإن طلق ثلاثا ، فعلى النص : له الجميع ، وعند المزني : له النصف وعلى الوجه : له بالواحدة الثلث ، وبالثنتين الثلثان ، وبالثلاث الجميع .

                                                                                                                                                                        [ ص: 420 ] المسألة الثانية : قالت : طلقني ثلاثا بألف وهو يملك الثلاث فقال : أنت طالق واحدة بألف وثنتين مجانا ، فنقل الفوراني والصيدلاني والقاضي حسين وغيرهم ، أن الأولى تقع بثلث الألف ؛ لأنها لم ترض بواحدة إلا بثلث الألف كالجعالة ، ولا يقع الأخريان لأنها بانت بالأولى .

                                                                                                                                                                        وقال الإمام : القياس الحق ، أن لا تجعل كلامه جوابا لها ؛ لأنها سألت كل واحدة بثلث الألف وهو لم يرض إلا بالألف ، وإذا لم يوافق كلامه سؤالها ، كان مبتدئا ، فإذا لم تقبل ، لا تقع الطلقة ، كما لو قالت : طلقني واحدة بثلث ألف ، فقال : طلقتك واحدة بألف ، لا يقع .

                                                                                                                                                                        وإذا لم تقع الواحدة ، وقع الأخريان رجعيتين ، وتابعه الغزالي وغيره على ما قال ، وهو حسن متجه ، والأول بعيد ، وأبعد منه ما في " التهذيب " ، أنه تقع الواحدة بالألف ، ولا تقع الأخريان ، ولعله غلط من الناسخ .

                                                                                                                                                                        ولو سألته الثلاث بألف ، فقال : طلقتك واحدة بثلث الألف ، وثنتين مجانا ، فقد وافق كلامه ما اقتضاه السؤال من التوزيع ، وزال الإشكال ، فتبين بالأولى ، ولا تقع الأخريان ، ونقل الأئمة : إن أمكن تأويله على هذه الصورة فليفعل .

                                                                                                                                                                        ولو قال : طلقتك ثنتين بألف وواحدة مجانا ، فعلى الأول : تقع الثنتان بثلثي الألف ، وعلى الثاني : لا يقعان . ولو قال : طلقتك واحدة مجانا وثنتين بثلثي الألف ، أو ثنتين مجانا وواحدة بثلث الألف ، وقع ما أوقعه مجانا ، ويبنى ما بعده على مخالفة الرجعية إن كانت مدخولا بها ، والجديد صحته .

                                                                                                                                                                        فعلى هذا : تقع الثنتان بثلثي الألف ، وعلى القديم : يقعان بلا عوض لما سبق أن خلع الرجعية على هذا كالسفيهة ، وإن لم تكن مدخولا بها ، بانت بما أوقعه مجانا ، فلا يقع ما بعده .

                                                                                                                                                                        [ ص: 421 ] ولو قال : طلقتك واحدة مجانا وثنتين بالألف ، ففي " التهذيب أنه " إن كان بعد الدخول ، وقعت الأولى مجانا والثنتان بثلثي الألف ، ولا يستحق تمام الألف وإن حصل غرضها ؛ لأن ذلك إنما يكون إذا وقع المملوك من الطلاق في مقابلة المال ، وهنا أوقع بعض المملوك مجانا .

                                                                                                                                                                        واعلم أن الإشكال الذي ذكره الإمام يعود هنا ؛ لأنها لم ترض بالطلقتين إلا بثلثي الألف وقد أوقعهما بألف ، فوجب أن يجعل كلاما مبتدأ . فأما إذا لم يتصل به قبول ، لغا .

                                                                                                                                                                        وفي " التهذيب " أيضا أنه لو قال : طلقتك ثلاثا ، واحدة بألف ، وقع الثلاث واستحق ثلث الألف ، ويعود فيه الإشكال .

                                                                                                                                                                        المسألة الثالثة : قالت : طلقني واحدة بألف ، فقال : أنت طالق ثلاثا ، وقع الثلاث واستحق الألف . وهل الألف في مقابلة الثلاث أم الواحدة ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        ظاهر النص : ثانيهما ، ولا يتعلق بالخلاف فائدة حكمية .

                                                                                                                                                                        ولو قال : بعني هذا العبد بألف ، فقال : بعتكه مع هذين العبدين بألف ، فالبيع باطل على الصحيح ؛ لأنه معاوضة محضة بخلاف الخلع فإنه كالجعالة .

                                                                                                                                                                        وقيل : يصح البيع في الجميع ، وقيل : يصح في العبد المسئول خاصة . ولو أعاد في الجواب ذكر الألف . فقال : طلقتك ثلاثا بألف ، فهل يقع الثلاث بألف ، أم الثلاث بثلث الألف ، أم واحدة بثلث الألف ولا يقع الأخريان أم لا يقع شيء أصلا ؟ فيه أربعة أوجه . أصحها : الأول .

                                                                                                                                                                        وينبغي أن تطرد هذه الأوجه فيما إذا لم يعد ذكر الألف . ولو قالت : طلقني واحدة بألف ، فقال : أنت طالق طلقتين ، فقياس ما تقدم أنه تقع الطلقتان ويستحق الألف ، وفيه احتمال للإمام ، إذ لم تحصل البينونة الكبرى ، فلا يستحق شيئا لأنه خالف ولم تحصل البينونة الكبرى .

                                                                                                                                                                        [ ص: 422 ] الرابعة : قالت : طلقني بألف ، فقال : طلقتك ، أو أنت طالق بخمسمائة ، فهل يقع الطلاق بخمسمائة أم بألف ويلغى قوله : بخمسمائة لأنها بانت بقوله : طلقتك واستحق الألف ، أم لا يقع طلاق للمخالفة كما لو خالفت في قبولها ؟ فيه ثلاثة أوجه .

                                                                                                                                                                        أصحها : الأول ، وبه قال ابن الحداد . ولو قال : بعني عبدك بألف ، فقال : بعتك بخمسمائة ، لم ينعقد البيع على الأصح ؛ لأنه معاوضة محضة . وقيل : يصح بخمسمائة .

                                                                                                                                                                        الخامسة : قالت : طلقني على كذا درهما ، فطلقها على دنانير ، كان مبتدئا بكلامه ، فينظر ، أيتصل به قبول أم لا ؟ .

                                                                                                                                                                        ولو قالت : طلقني واحدة بألف ، فقال : أنت طالق وطالق وطالق ، سئل ، فإن قال : أردت مقابلة الأولى بالألف ، وقعت الأولى بالألف ولم تقع الأخريان .

                                                                                                                                                                        وإن قال : أردت الثانية بالألف ، وقعت الأولى رجعية ، ويجيء في الثانية القولان في خلع الرجعية ، فإن صححناه ، لغت الثالثة ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        وإن قال : أردت الثالثة ، وقعت الأوليان بلا عوض ، وفي الثالثة الخلاف . وإن قال : أردت مقابلة الجميع بالألف ، وقعت الأولى بثلث الألف ، ولغت الأخريان ، وإن لم يكن له نية ، قال البغوي : بانت الأولى بالألف ؛ لأنه جواب لقولها ، ولغت الأخريان .

                                                                                                                                                                        وذكر صاحب " المهذب " مثل هذا التفصيل فيما إذا ابتدأ فقال : أنت طالق وطالق وطالق بألف ، وليشترط فيه مطابقة القبول للإيجاب . ولو قال في جوابها : أنت طالق طالق طالق واحدة بألف ، انقطع احتمال مقابلة الجميع بالألف ، والباقي كما ذكرناه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 423 ] هذا إذا كانت مدخولا بها ، فإذا لم تكن ، وأراد مقابلة غير الأولى بالألف ، بانت الأولى ، ولغا ما بعدها . ولو قالت له وهو لا يملك إلا طلقة : طلقني طلقتين بألف ، فقال : طلقتك طلقتين ، الأولى منهما بألف ، والثانية مجانا ، استحق الألف .

                                                                                                                                                                        وإن قال : الثانية منهما بألف ، وقعت الأولى بلا عوض ولغت الثانية . وإن قال : إحداهما بألف ، أو اقتصر على قوله : طلقتك طلقتين ، سئل ، فإن قال : أردت الأولى والثانية ، فعلى ما ذكرنا ، وإن قال : لم أنو شيئا ، ففي استحقاقه المال وجهان ، أصحهما : نعم لمطابقة الجواب السؤال .

                                                                                                                                                                        ولو أعاد ذكر المال ، فقال : طلقتك طلقتين بألف ، فهل يستحق خمسمائة عملا بالتوزيع ، أم ألفا لحصول البينونة الكبرى ؟ وجهان . أصحهما : الثاني ، وبه قال أبو زيد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو لم يملك إلا طلقة ، فقالت : طلقني ثلاثا بألف ، طلقة أحرم بها في الحال ، وطلقتين يقعان علي إذا نكحتني بعد زوج ، أو تكونان في ذمتك تنجزهما حينئذ ، فطلقها ثلاثا ، وقعت الواحدة ، ولغا كلامهما في الأخرتين .

                                                                                                                                                                        ثم النص في " المختصر " : أن للزوج مهر المثل ، وللأصحاب طريقان . أحدهما : هذا ، وأصحهما على قولي تفريق الصفقة للجمع بين مملوك وغيره ، فإن أبطلنا ، فله مهر المثل ، وإن صححنا ، فلها الخيار في العوض لتبعيض مقصودها ، فإن فسخت ، فله مهر المثل ، وإن أجازت ، فهل يجيز بكل الألف ، أم بثلثه عملا بالتقسيط ؟ قولان كالبيع ، ومنهم من قطع هنا بالتقسيط ؛ لأن المشتري بالفسخ [ ص: 424 ] يدفع العقد من كل وجه ، والطلاق هنا لا مدفع له ، فيبعد إلزامها بواحدة ما التزمته للثلاث .

                                                                                                                                                                        السادسة : قالت : طلقني نصف طلقة بألف ، أو طلق نصفي ، أو يدي ، أو رجلي بألف ، فأجابها بذلك ، أو قال ابتداء : طلقتك نصف طلقة ، أو طلقت نصفك بألف ، فقبلت ، فلا يخفى أن الطلاق يقع مكملا ، وكذا لو كان ذلك بلفظ الخلع وجعلناه طلاقا .

                                                                                                                                                                        ثم الواجب في هذه الصور ، مهر المثل على الصحيح لفساد صيغة المعاوضة .

                                                                                                                                                                        ولهذا لو قال : بعتك هذا نصف بيعة ، أو بعته لنصفك أو ليدك ، لم يصح البيع . وإذا فسدت الصيغة ، تعين مهر المثل ، وإنما يجيء الخلاف في الرجوع إلى مهر المثل وبدل المسمى إذا كان الفساد في المسمى . وحكى الإمام وجها واختاره : أنه يجب المسمى ؛ لأن الشرع كمل ذلك المبعض فصار كتكميلها .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية