الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الموضع الثالث

[ في أصناف الأولياء وترتيبهم في الولاية ]

وأما أصناف الولاية عند القائلين بها فهي : نسب ، وسلطان ، ومولى أعلى وأسفل ، ومجرد الإسلام عند مالك صفة تقتضي الولاية على الدنية .

واختلفوا في الوصي : فقال مالك : يكون الوصي وليا ، ومنع ذلك الشافعي .

وسبب اختلافهم : هل صفة الولاية مما يمكن أن يستناب فيها ، أم ليس يمكن ذلك ؟ .

ولهذا السبب بعينه اختلفوا في الوكالة في النكاح ، لكن الجمهور على جوازها إلا أبا ثور ، ولا فرق بين الوكالة والإيصاء ، لأن الوصي وكيل بعد الموت ، والوكالة تنقطع بالموت .

واختلفوا في ترتيب الولاية من النسب : فعند مالك أن الولاية معتبرة بالتعصيب إلا الابن ، فمن كان أقرب عصبة كان أحق بالولاية ، والأبناء عنده أولى وإن سفلوا ، ثم الآباء ، ثم الإخوة للأب والأم ، ثم للأب ، ثم بنو الإخوة للأب والأم ، ثم للأب فقط ، ثم الأجداد للأب وإن علوا . وقال المغيرة : الجد وأبوه أولى من الأخ وابنه ليس من أصل ، ثم العمومة على ترتيب الإخوة وإن سفلوا ، ثم المولى ، ثم السلطان . والمولى الأعلى عنده أحق من الأسفل ، والوصي عنده أولى من ولي النسب ( أعني : وصي الأب ) .

واختلف أصحابه فيمن هو أولى : وصي الأب ، أو ولي النسب ؟ فقال ابن القاسم : الوصي أولى ، مثل قول مالك . وقال ابن الماجشون ، وابن عبد الحكم : الولي أولى . وخالف الشافعي مالكا في ولاية البنوة فلم يجزها أصلا ; وفي تقديم الإخوة على الجد ، فقال : لا ولاية للابن . وروي عن مالك أن الأب أولى من الابن وهو أحسن ، وقال أيضا : الجد أولى من الأخ ، وبه قال المغيرة . والشافعي اعتبر التعصيب ( أعني : أن الولد ليس من عصبتها ) لحديث عمر : " لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها ، أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان " ولم يعتبره مالك في الابن لحديث أم سلمة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابنها أن ينكحها إياه " . ولأنهم اتفقوا ( أعني : مالكا والشافعي ) على أن الابن يرث الولاء الواجب للأم ، والولاء عندهم للعصبة .

وسبب اختلافهم في الجد هو اختلافهم فيمن هو أقرب هل الجد أو الأخ ؟ .

ويتعلق بالترتيب ثلاث مسائل مشهورة :

أحدها : إذا زوج الأبعد مع حضور الأقرب .

والثانية : إذا غاب الأقرب هل تنتقل الولاية إلى الأبعد أو إلى السلطان ؟ .

[ ص: 403 ] والثالثة : إذا غاب الأب عن ابنته البكر هل تنتقل الولاية أو لا تنتقل ؟ .

[ المسألة الأولى ]

[ تزويج الأبعد مع وجود الأقارب ]

- فأما المسألة الأولى : فاختلف فيها قول مالك ، فمرة قال : إن زوج الأبعد مع حضور الأقرب فالنكاح مفسوخ ، ومرة قال : النكاح جائز ، ومرة قال : للأقرب أن يجيز أو يفسخ ، وهذا الخلاف كله عنده فيما عدا الأب في ابنته البكر ، والوصي في محجورته ، فإنه لا يختلف قوله إن النكاح في هذين مفسوخ ، ( أعني : تزويج غير الأب البنت البكر مع حضور الأب أو غير الوصي المحجورة مع حضور الوصي ) . وقال الشافعي : لا يعقد أحد مع حضور الأب لا في بكر ولا في ثيب .

وسبب هذا الاختلاف هو : هل الترتيب حكم شرعي ( أعني : ثابتا بالشرع في الولاية ) ، أم ليس بحكم شرعي ؟ وإن كان حكما فهل ذلك حق من حقوق الولي الأقرب ، أم ذلك حق من حقوق الله ؟

فمن لم ير الترتيب حكما شرعيا قال : يجوز نكاح الأبعد مع حضور الأقرب . ومن رأى أنه حكم شرعي ورأى أنه حق للولي ، قال : النكاح منعقد ، فإن أجازه الولي جاز ، وإن لم يجزه انفسخ . ومن رأى أنه حق لله قال : النكاح غير منعقد ، وقد أنكر قوم هذا المعنى في المذهب ( أعنى : أن يكون النكاح منفسخا غير منعقد ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية