الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الجملة الرابعة

[ في أحكام المطلقات ]

وهذه الجملة فيها بابان :

الأول : في العدة .

والثاني : في المتعة .

الباب الأول

في العدة .

- والنظر في هذا الباب في فصلين :

الفصل الأول : في عدة الزوجات .

[ ص: 466 ] الفصل الثاني : في عدة ملك اليمين .

الفصل الأول

في عدة الزوجات

والنظر في عدة الزوجات ينقسم إلى نوعين :

أحدهما : في معرفة العدة .

والثاني : في معرفة أحكام العدة .

النوع الأول

[ في معرفة العدة ]

وكل زوجة فهي : إما حرة ، وإما أمة . وكل واحدة من هاتين إذا طلقت فلا يخلو أن تكون : مدخولا بها أو غير مدخول بها .

فأما غير المدخول بها : فلا عدة عليها بإجماع ، لقوله تعالى : ( فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) .

وأما المدخول بها : فلا يخلو أن تكون : من ذوات الحيض ، أو من غير ذوات الحيض .

وغير ذوات الحيض : إما صغار وإما يائسات .

وذوات الحيض : إما حوامل ، وإما جاريات على عاداتهن في الحيض ، وإما مرتفعات الحيض ، وإما مستحاضات .

والمرتفعات الحيض في سن الحيض : إما مرتابات بالحمل ( أي : بحس في البطن ) ، وإما غير مرتابات .

وغير مرتابات : إما معروفات سبب انقطاع الحيض من رضاع أو مرض ، وإما غير معروفات .

فأما ذوات الحيض الأحرار الجاريات في حيضهن على المعتاد : فعدتهن ثلاثة قروء ، والحوامل منهن عدتهن وضع حملهن ، واليائسات منهن عدتهن ثلاثة أشهر ، ولا خلاف في هذا لأنه منصوص عليه في قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) الآية ، وفي قوله تعالى : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) الآية .

واختلفوا من هذه الآية في الأقراء ما هي ؟ فقال قوم : هي الأطهار ( أعني : الأزمنة التي بين الدمين ) . وقال قوم : هي الدم نفسه . وممن قال : إن الأقراء هي الأطهار : أما من فقهاء الأمصار فمالك والشافعي وجمهور أهل المدينة ، وأبو ثور وجماعة ، وأما من الصحابة فابن عمر وزيد بن ثابت وعائشة .

وممن قال : إن الأقراء هي الحيض : أما من فقهاء الأمصار فأبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى وجماعة ، وأما من الصحابة فعلي وعمر بن الخطاب وابن مسعود ، وأبو موسى الأشعري .

وحكى الأثرم عن أحمد أنه قال : الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : الأقراء هي الحيض . وحكى أيضا عن الشعبي أنه قول أحد عشر أو اثني عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما أحمد بن حنبل : فاختلفت الرواية عنه : فروي عنه أنه كان يقول : إنها الأطهار ، على قول زيد بن ثابت ، وابن عمر وعائشة ، ثم توقفت الآن من أجل قول ابن مسعود وعلي هو أنها الحيض .

[ ص: 467 ] والفرق بين المذهبين هو أن من رأى أنها الأطهار رأى أنها إذا دخلت الرجعية عنده في الحيضة الثالثة لم يكن للزوج عليها رجعة وحلت للأزواج . ومن رأى أنها الحيض لم تحل عنده حتى تنقضي الحيضة الثالثة .

وسبب الخلاف : اشتراك اسم القرء ، فإنه يقال في كلام العرب على حد سواء : على الدم وعلى الأطهار . وقد رام كلا الفريقين أن يدل على أن اسم القرء في الآية ظاهر في المعنى الذي يراه :

فالذين قالوا : إنها الأطهار قالوا : إن هذا الجمع خاص بالقرء الذي هو الطهر ، وذلك أن القرء الذي هو الحيض يجمع على أقراء ، لا على قروء ، وحكوا ذلك عن ابن الأنباري ، وأيضا فإنهم قالوا : إن الحيضة مؤنثة ، والطهر مذكر ، فلو كان القرء الذي يراد به الحيض لما ثبت في جمعه الهاء ، لأن الهاء لا تثبت في جمع المؤنث فيما دون العشرة . وقالوا أيضا : إن الاشتقاق يدل على ذلك ، لأن القرء مشتق من قرأت الماء في الحوض ( أي : جمعته ) ، فزمان اجتماع الدم هو زمان الطهر ، فهذا هو أقوى ما تمسك به الفريق الأول من ظاهر الآية .

وأما ما تمسك به الفريق الثاني من ظاهر الآية : فإنهم قالوا : إن قوله تعالى : ( ثلاثة قروء ) ظاهر في تمام كل قرء منها ، لأنه ليس ينطلق اسم القرء على بعضه إلا تجوزا ، وإذا وصفت الأقراء بأنها هي الأطهار أمكن أن تكون العدة عندهم بقرءين وبعض قرء ، لأنها عندهم تعتد بالطهر الذي تطلق فيه وإن مضى أكثره ، وإذا كان ذلك كذلك فلا ينطلق عليها اسم الثلاثة إلا تجوزا ، واسم الثلاثة ظاهر في كمال كل قرء منها ، وذلك لا يتفق إلا بأن تكون الأقراء هي الحيض لأن الإجماع منعقد على أنها إن طلقت في حيضة أنها لا تعتد بها .

ولكل واحد من الفريقين احتجاجات متساوية من جهة لفظ القرء ، والذي رضيه الحذاق أن الآية مجملة في ذلك ، وأن الدليل ينبغي أن يطلب من جهة أخرى .

فمن أقوى ما تمسك به من رأى أن الأقراء هي الأطهار حديث ابن عمر المتقدم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " مره فليراجعها حتى تحيض ثم تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم يطلقها إن شاء قبل أن يمسها ، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " . قالوا : وإجماعهم على أن طلاق السنة لا يكون إلا في طهر لم تمس فيه . وقوله عليه الصلاة والسلام : " فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " دليل واضح على أن العدة هي الأطهار ، لكي يكون الطلاق متصلا بالعدة . ويمكن أن يتأول قوله : فتلك العدة أي فتلك مدة استقبال العدة ، لئلا يتبعض القرء بالطلاق في الحيض .

وأقوى ما تمسك به الفريق الثاني أن العدة إنما شرعت لبراءة الرحم ، وبراءتها إنما تكون بالحيض لا بالأطهار ، ولذلك كان عدة من ارتفع الحيض عنها بالأيام ، فالحيض هو سبب العدة بالأقراء ، فوجب أن تكون الأقراء هي الحيض . واحتج من قال : الأقراء هي الأطهار : بأن المعتبر في براءة الرحم هو النقلة من الطهر إلى الحيض ، لا انقضاء الحيض ، فلا معنى لاعتبار الحيضة الأخيرة ، وإذا كان ذلك فالثلاث المعتبر فيهن التمام ( أعني : المشترط ) هي الأطهار التي بين الحيضتين ، ولكلا الفريقين احتجاجات طويلة .

ومذهب الحنفية أظهر من جهة المعنى ، وحجتهم من جهة المسموع متساوية أو قريب من متساوية .

[ ص: 468 ] ولم يختلف القائلون : أن العدة هي الأطهار أنها تنقضي بدخولها في الحيضة الثالثة . واختلف الذين قالوا : إنها الحيض . فقيل : تنقضي بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة ، وبه قال الأوزاعي . وقيل : حين تغتسل من الحيضة الثالثة ، وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود ، ومن الفقهاء الثوري وإسحاق بن عبيد . وقيل : حتى يمضي وقت الصلاة التي طهرت في وقتها . وقيل : إن للزوج عليها الرجعة ، وإن فرطت في الغسل عشرين سنة ، حكي هذا عن شريك . وقد قيل : تنقضي بدخولها في الحيضة الثالثة ، وهو أيضا شاذ ، فهذه هي حال الحائض التي تحيض .

وأما التي تطلق فلا تحيض وهي في سن الحيض وليس هناك ريبة حمل ولا سبب من رضاع ولا مرض : فإنها تنتظر عند مالك تسعة أشهر فإن لم تحض فيهن اعتدت بثلاثة أشهر ، فإن حاضت قبل أن تستكمل الثلاثة أشهر اعتبرت الحيض ، واستقبلت انتظاره ، فإن مر بها تسعة أشهر قبل أن تحيض الثانية اعتدت ثلاثة أشهر ، فإن حاضت قبل أن تستكمل الثلاثة أشهر من العام الثاني انتظرت الحيضة الثالثة ، فإن مر بها تسعة أشهر قبل أن تحيض اعتدت ثلاثة أشهر ، فإن حاضت الثالثة في الثلاثة الأشهر كانت قد استكملت عدة الحيض وتمت عدتها ، ولزوجها عليها الرجعة ما لم تحل .

واختلف عن مالك متى تعتد بالتسعة أشهر ؟ فقيل : من يوم طلقت ، وهو قوله في الموطأ . وروى ابن القاسم عنه : من يوم رفعها حيضتها . وقال أبو حنيفة ، والشافعي والجمهور في التي ترتفع حيضتها وهي لا تيأس منها في المستأنف : إنها تبقى أبدا تنتظر حتى تدخل في السن الذي تيأس فيه من المحيض ، وحينئذ تعتد بالأشهر وتحيض قبل ذلك .

وقول مالك مروي عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وقول الجمهور قول ابن مسعود وزيد .

وعمدة مالك من طريق المعنى هو أن المقصود بالعدة إنما هو ما يقع به براءة الرحم ظنا غالبا بدليل أنه قد تحيض الحامل ، وإذا كان ذلك كذلك فعدة الحمل كافية في العلم ببراءة الرحم ، بل هي قاطعة على ذلك ، ثم تعتد بثلاثة أشهر عدة اليائسة ، فإن حاضت قبل تمام السنة حكم لها بحكم ذوات الحيض ، واحتسبت بذلك القرء ، ثم تنتظر القرء الثاني أو السنة إلى أن تمضي لها ثلاثة قروء .

وأما الجمهور فصاروا إلى ظاهر قوله تعالى : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ) والتي هي من أهل الحيض ليست بيائسة ، وهذا الرأي فيه عسر وحرج ، ولو قيل : إنها تعتد بثلاثة أشهر لكان جيدا إذا فهم من اليائسة التي لا يقطع بانقطاع حيضتها ، وكان قوله : ( إن ارتبتم ) راجعا إلى الحكم ، لا إلى الحيض على ما تأوله مالك عليه ، فكأن مالكا لم يطابق مذهبه تأويله الآية ، فإنه فهم من اليائسة هنا من تقطع على أنها ليست من أهل الحيض ، وهذا لا يكون إلا من قبل السن ، ولذلك جعل قوله : ( إن ارتبتم ) راجعا إلى الحكم لا إلى الحيض ( أي : إن شككتم في حكمهن ) ، ثم قال في التي تبقى تسعة أشهر لا تحيض وهي في سن من تحيض إنها تعتد بالأشهر .

وأما إسماعيل وابن بكير من أصحابه ، فذهبوا إلى أن الريبة هاهنا في الحيض ، وأن اليائس في كلام العرب هو ما لم يحكم عليه بما يئس منه بالقطع ، فطابقوا تأويل الآية مذهبهم الذي هو مذهب مالك ، ونعم ما فعلوا لأنه إن فهم هاهنا من اليائس القطع فقد يجب أن تنتظر الدم وتعتد به حتى تكون في هذا [ ص: 469 ] السن ( أعني : سن اليائس ) . وإن من فهم من اليائس ما لا يقطع بذلك فقد يجب أن تعتد التي انقطع دمها عن العادة وهي في سن من تحيض بالأشهر ، وهو قياس قول أهل الظاهر ، لأن اليائسة في الطرفين ليس هي عندهم من أهل العدة لا بالأقراء ولا بالشهور . وأما الفرق في ذلك بين ما قبل التسعة وما بعدها فاستحسان .

وأما التي ارتفعت حيضتها لسبب معلوم مثل رضاع أو مرض ، فإن المشهور عند مالك أنها تنتظر الحيض ، قصر الزمان أم طال . وقد قيل : إن المريضة مثل التي ترتفع حيضتها لغير سبب .

وأما المستحاضة : فعدتها عند مالك سنة إذا لم تميز بين الدمين ، فإن ميزت بين الدمين فعنه روايتان : إحداهما أن عدتها السنة . والأخرى : أنها تعمل على التمييز فتعتد بالأقراء . وقال أبو حنيفة عدتها الأقراء إن تميزت لها ، وإن لم تتميز لها فثلاثة أشهر . وقال الشافعي : عدتها بالتمييز إذا انفصل عنها الدم ، فيكون الأحمر القاني من الحيضة ، ويكون الأصفر من أيام الطهر ، فإن طبق عليها الدم اعتدت بعدد أيام حيضتها في صحتها .

وإنما ذهب مالك إلى بقاء السنة لأنه جعلها مثل التي لا تحيض وهي من أهل الحيض .

والشافعي إنما ذهب في العارفة أيامها أنها تعمل على معرفتها قياسا على الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة : " اتركي الصلاة أيام أقرائك ، فإذا ذهب عنك قدرها فاغسلي الدم " .

وإنما اعتبر التمييز من اعتبره لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت حبيش : " إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة ، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق " خرجه أبو داود .

وإنما ذهب من ذهب إلى عدتها بالشهور إذا اختلط عليها الدم ، لأنه معلوم في الأغلب أنها في كل شهر تحيض ، وقد جعل الله العدة بالشهور عند ارتفاع الحيض وخفاؤه كارتفاعه .

وأما المسترابة ( أعني : التي تجد حسا في بطنها تظن به أنه حمل ) : فإنها تمكث أكثر مدة حمل ، وقد اختلف فيه : فقيل في المذهب : أربع سنين . وقيل : خمس سنين . وقال أهل الظاهر : تسعة أشهر . ولا خلاف أن انقضاء عدة الحوامل لوضع حملهن ( أعني : المطلقات ) لقوله تعالى : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) .

وأما الزوجات غير الحرائر : فإنهن ينقسمن أيضا بتلك الأقسام بعينها ( أعني : حيضا ويائسات ومستحاضات ومرتفعات الحيض من غير يائسات ) .

فأما الحيض اللاتي يأتيهن حيضهن : فالجمهور على أن عدتهن حيضتان . وذهب داود وأهل الظاهر : إلى أن عدتهن ثلاث حيض كالحرة ، وبه قال ابن سيرين .

فأهل الظاهر اعتمدوا عموم قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) . وهي ممن ينطلق عليها اسم المطلقة . واعتمد الجمهور تخصيص هذا العموم بقياس الشبه ، وذلك أنهم شبهوا الحيض بالطلاق والحد ( أعني : كونه متنصفا مع الرق ) ، وإنما جعلوها حيضتين لأن الحيضة الواحدة لا تتبعض .

وأما الأمة المطلقة اليائسة من المحيض أو الصغيرة : فإن مالكا وأكثر أهل المدينة قالوا : عدتها ثلاثة أشهر . وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، وأبو ثور وجماعة : عدتها شهر ونصف شهر نصف عدة الحرة ، [ ص: 470 ] وهو القياس إذا قلنا بتخصيص العموم ، فكأن مالكا اضطرب قوله ، فمرة أخذ بالعموم ، وذلك في اليائسات ، ومرة أخذ بالقياس ، وذلك في ذوات الحيض ، والقياس في ذلك واحد .

وأما التي ترتفع حيضتها من غير سبب : فالقول فيها هو القول في الحرة ، والخلاف في ذلك ، وكذلك المستحاضة .

واتفقوا على أن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها .

واختلفوا فيمن راجع امرأته في العدة من الطلاق الرجعي ، ثم فارقها قبل أن يمسها ; هل تستأنف عدة أم لا ؟ فقال جمهور فقهاء الأمصار : تستأنف . وقالت فرقة : تبقى في عدتها من طلاقها الأول وهو أحد قولي الشافعي . وقال داود : ليس عليها أن تتم عدتها ولا عدة مستأنفة .

وبالجملة فعند مالك أن كل رجعة تهدم العدة وإن لم يكن مسيس ، ما خلا رجعة المولي . وقال الشافعي : إذا طلقها بعد الرجعة وقبل الوطء ثبتت على عدتها الأولى ، وقول الشافعي أظهر .

وكذلك عند مالك رجعة المعسر بالنفقة تقف صحتها عنده على الإنفاق : فإن أنفق صحت الرجعة وهدمت العدة إن كان طلاقا ، وإن لم ينفق بقيت على عدتها الأولى . وإذا تزوجت ثانيا في العدة : فعن مالك في ذلك روايتان : إحداهما : تداخل العدتين . والأخرى نفيه .

فوجه الأولى : اعتبار براءة الرحم ، لأن ذلك حاصل مع التداخل . ووجه الثانية : كون العدة عبادة ، فوجب أن تتعدد بتعدد الوطء الذي له حرمة .

وإذا عتقت الأمة في عدة الطلاق مضت على عدة الأمة عند مالك ، ولم تنتقل إلى عدة الحرة . وقال أبو حنيفة : تنتقل في الطلاق الرجعي دون البائن . وقال الشافعي : تنتقل في الوجهين معا .

وسبب الخلاف : هل العدة من أحكام الزوجية أم من أحكام انفصالها ؟ فمن قال من أحكام الزوجية قال : لا تنتقل عدتها . ومن قال من أحكام انفصال الزوجية قال : تنتقل ، كما لو أعتقت وهي زوجة ثم طلقت . وأما من فرق بين البائن والرجعي فبين ، وذلك أن الرجعي فيه شبه من أحكام العصمة ، ولذلك وقع فيه الميراث باتفاق إذا مات وهي في عدة من طلاق رجعي ، وأنها تنتقل إلى عدة الموت . فهذا هو القسم الأول من قسمي النظر في العدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية