الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          السادس : قتل صيد البر واصطياده وهو ما كان وحشيا مأكولا ، أو متولدا منه ومن غيره ، فمن أتلف أو أتلف في يده ، أو أتلف جزءا منه ، فعليه جزاؤه ويضمن ما دل عليه ، أو أشار إليه ، أو أعان على ذبحه أو كان له أثر في ذبحه مثل أن يعيره سكينا إلا أن يكون القاتل محرما ، فيكون جزاؤه بينهما ويحرم عليه الأكل من ذلك كله ، وأكل ما صيد لأجله ولا يحرم عليه الأكل من غير ذلك وإن أتلف بيض صيد ، أو نقله إلى موضع آخر ، ففسد ، فعليه ضمانه بقيمته ، ولا يملك الصيد بغير الإرث وقيل : لا يملكه به أيضا ، وإن أمسك صيدا حتى تحلل ، ثم تلف أو ذبحه ، ضمنه ، وكان ميتة . وقال أبو الخطاب : له أكله ، وإن أحرم ، وفي يده صيد ، أو دخل الحرم بصيد ، لزمه إزالة يده المشاهدة عنه ، دون الحكمية وإن لم يفعل ، فتلف ، فعليه وإن أرسله إنسان من يده قهرا ، فلا ضمان على المرسل . وإن قتل صيدا صائلا عليه دفعا عن نفسه ، أو بتخليصه من سبع أو شبكة ليطلقه لم يضمنه ، وقيل : يضمنه فيهما ، ولا تأثير للحرم ولا للإحرام في تحريم حيوان إنسي ، ولا محرم الأكل إلا القمل في رواية ، وأي شيء تصدق به كان خيرا منه ولا يحرم صيد البحر على المحرم ، وفي إباحته في الحرم روايتان . ويضمن الجراد بقيمته ، فإن انفرش في طريقه ، فقتله بالمشي عليه ، ففي الجزاء وجهان ، وعنه : لا ضمان في الجراد . ومن اضطر إلى أكل الصيد ، أو احتاج إلى شيء من هذه المحظورات ، فله فعله ، وعليه الفدية .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل ( السادس : قتل صيد البر ) إجماعا وسنده قوله - تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم [ المائدة : 98 ] [ ص: 149 ] ( واصطياده ) لقوله - تعالى - وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما [ المائدة : 100 ] ( وهو ) أي : الصيد المحرم على المحرم ما جمع ثلاثة أشياء ( ما كان وحشيا ) ; لأن ما ليس بوحشي لا يحرم كبهيمة الأنعام والخيل والدجاج إجماعا ، والاعتبار في ذلك الأصل ، فلو استأنس الوحشي ، وجب فيه الجزاء ، وعكسه لو توحش الأهلي لم يجب ، ونص عليه ، في بقرة صارت وحشية ; لأن الأصل فيها الإنسية ، وحمام وبط وحشي ( مأكولا ) ; لأن ما ليس بمأكول كسباع البهائم ، والمستخبث من الحشرات والطير يباح قتله لقوله - عليه السلام - : خمس فواسق يقتلن في الحل ، والحرم : الحدأة ، والغراب ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور . متفق عليه . ويقاس عليه ما لم يقم دليل على تحريم قتله فأما ما اختلف فيه كالثعلب ، والسنور الوحشي ، والهدهد ، والصرد ففيه روايتان ، والأشهر : أنه يجب في الثعلب ، واختار القاضي : أنه لا شيء في السنور الوحشي ; لأنه سبع ، والصحيح أنه لا شي في الأهلي ; لأنه ليس بوحشي ، ولا مأكول ، وقال بعض أصحابنا : يفدي أم حبين بجدي ، وهي دابة منتفخة البطن ، وهذا خلاف القياس ; لأنها مستخبثة عند العرب لا تؤكل حكي أن رجلا قال : كل ما دب ودرج ، إلا أم حبين .

                                                                                                                          ( أو متولدا منه ومن غيره ) كالمتولد من الوحشي ، والأهلي ، والمتولد من المأكول وغيره كالسمع ، ففيه الجزاء ، في قول أكثر العلماء تغليبا لتحريم قتله كما غلبوا التحريم في أكله .

                                                                                                                          وقيل : لا يجب فيما تولد من مأكول وغيره قدمه في " الرعاية " ; لأن الله إنما حرم صيد البر ، وهذا يحرم أكله ( فمن أتلفه أو تلف في يده أو أتلف جزءا منه فعليه جزاؤه ) .

                                                                                                                          [ ص: 150 ] فيه مسائل :

                                                                                                                          الأولى : إذا أتلفه ، فعليه جزاؤه إجماعا ، وسنده قوله - تعالى - ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 99 ] .

                                                                                                                          الثانية : إذا تلف في يده ، فعليه جزاؤه ; لأنه تلف تحت يد عادية ، أشبه ما لو أتلفه ، إذ الواجب إما إرساله ، أو رده على مالكه .

                                                                                                                          الثالثة : إذا أتلف جزءا منه ; لأن جملته مضمونة ، فيضمن أبعاضه ، كالآدمي والمال ، ويأتي حكم الخطأ والعمد ، لكن لو نصب شبكة ، ثم أحرم ، أو أحرم ثم حفر بئرا بحق ، فتلف به صيد لم يضمنه ، وإلا ضمن كالآدمي فيهما ، والمراد : إذا لم يتحيل ( ويضمن ) مع التحريم ( ما دل عليه ) نقله ابن الحارث سواء كان المدلول عليه ظاهرا أو خفيا لا يعلمه إلا بدلالته عليه ، وقال أبو الفرج في " المبهج " إن كانت الدلالة ملجئة لزم المحرم الجزاء كقوله : دخل في هذه المغارة ، وإلا لم يلزمه كقوله : ذهب في هذه البرية ; لأنه لا يضمن بالسبب مع المباشرة إذا لم يكن ملجئا لوجوب الضمان على العامل ، والدافع دون الممسك والحافر . وأجاب القاضي بأن الممسك غير ملجئ ، ويضمن بها المودع ، ويستثنى منه ما لو دله فكذبه فلا ضمان عليه ، فلو دل حلال حلالا على صيد في الحرم فكدلالة محرم محرما عليه ( أو أشار إليه ) نقله عبد الله ، لكن لو رأى الصيد قبل الدلالة ، والإشارة فلا شيء على دال ومشير ; لأنها ليست سببا في تلفه ، كما لو وجد من المحرم عند رؤية الصيد ضحك ، أو استشراف ففطن له غيره فصاده ( أو أعان على ذبحه ) نقله أبو طالب بمناولته سلاحه أو سوطه أو أمره باصطياده ، وقال القاضي وغيره : أو بدفعه إليه فرسا لا يقدر عليه إلا به .

                                                                                                                          [ ص: 151 ] ( أو كان له أثر في ذبحه مثل أن يعيره سكينا ) أو نحوها ليقتله به سواء كان معه ما يقتله به أو لا ، لما روى أبو قتادة أنه لما صاد الحمار الوحشي وأصحابه محرمون قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء قالوا لا ، وفيه أبصروا حمارا وحشيا فلم يؤذنوني ، وأحبوا لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته ، ثم ركبت ، ونسيت السوط ، والرمح فقلت : لهم ناولوني فقالوا : والله لا نعينك عليه بشيء إنا محرمون فتناولته فأخذته ، ثم أتيت الحمار من ورائه فعقرته ، فأتيت به أصحابي فقال بعضهم كلوا : وقال بعضهم لا تأكلوا فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته فقال : كلوه هو حلال . متفق عليه . ولفظه للبخاري ، ولأنه وسيلة إلى الحرام فكان حراما كسائر الحيوانات .

                                                                                                                          ( إلا أن يكون القاتل محرما فيكون جزاؤه بينهما ) هذا هو المجزوم به عند الأكثر لأنهما اشتركا في التحريم فكذا في الجزاء ، ولأنه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه ، ويحتمل التبعيض ، فكان واحدا كقيم العبيد وعنه : على كل واحد جزاء ، اختاره أبو بكر ككفارة قتل الآدمي ، وعنه : جزاء واحد إلا أن يكون صوما فعلى كل واحد صوم تام ، ومن أهدى فبحصته ، وعلى الآخر صوم تام ، نقله الجماعة ; لأن الجزاء بدل ، لا كفارة ; لأن الله عطف عليه الكفارة ، والصوم كفارته ككفارة قتل الآدمي ، وقيل : لا جزاء على محرم ممسك مع محرم قاتل ، ولا يلزم متسببا مع مباشر ، وقيل : القرار عليه ; لأنه هو الذي جعل فعل الممسك علة . وظاهره أنه إذا كان القاتل حلالا لا شيء عليه لحله له ما لم يكن الاشتراك في الحرم فيشتركان فيه كالأول ، فلو كان الدال والشريك لا ضمان عليه كالمحل في الحل فالجزاء جميعه على المحرم في الأشهر [ ص: 152 ] وأطلق أحمد القول فيحتمل ما قلنا ، ويحتمل يلزمه بحصته ; لأنه اجتمع موجب ، وسقط فغلب الإيجاب كمتولد بين مأكول وغيره ، وكذا الخلاف إن كان الشريك سبعا ، فإن سبق حلال وسبع بجرحه فعلى المحرم جزاؤه مجروحا ، وإن سبق هو فعليه أرش جرحه ، فلو كانا محرمين ضمن الجارح نقصه ، والقاتل تتمة الجزاء .

                                                                                                                          ( ويحرم عليه الأكل من ذلك كله ) لما روى أبو قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه أو أشار إليه ؛ قالوا : لا ، قال : كلوا ما بقي من لحمها . متفق عليه . وأكل ما ذبحه ، و ما صيد لأجله نقله الجماعة لما في " الصحيحين " من حديث الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا ، فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ، وروى الشافعي ، وأحمد من حديث جابر مرفوعا : لحم الصيد للمرء حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم فيه المطلب بن حنطب قال الترمذي : لا يعرف له سماع من جابر ، وعن عثمان أنه أتى بلحم صيد فقال لأصحابه : كلوا ، فقالوا : ألا تأكل أنت ، فقال : إني لست كهيئتكم إنما صيد لأجلي . رواه مالك والشافعي ، وفي " الانتصار " احتمال بجوازه . وظاهره أن ما حرم على المحرم لكونه دل عليه أو أشار إليه أو صيد من أجله ، لا يحرم على الحلال أكله ، صرح به غير واحد لحديث الصعب ، ولا يحرم على محرم آخر في الأشهر ، ( ولا يحرم عليه الأكل من غير ذلك ) ، نص عليه ، لحديث أبي قتادة كلوه هو حلال ، وأفتى به أبو هريرة ، وقال عمر له : لو أفتيتهم بغيره لأوجعتك . [ ص: 153 ] رواه مالك . وعن علي ، وابن عباس : يحرم لخبر الصعب ، وكما لو دل عليه ، والفرق ظاهر ، وما سبق أخص ، والجمع أولى ; لأنه - عليه السلام - إنما ترك الأكل من حديث الصعب ; لعلمه أو ظنه أنه صيد من أجله .



                                                                                                                          ( وإن أتلف بيض صيد أو نقله إلى موضع آخر ففسد فعليه ضمانه ) لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في بيض النعام ثمنه . رواه ابن ماجه ، ولأنه تسبب إلى إتلافه بالنقل فوجب ضمانه كالمباشرة . وظاهره أنه إذا صح ، وخرج لا ضمان فيه ، لكن لو باض على فراشه ، فنقله برفق ففسد ، فوجهان بناء على الجراد إذا انفرش في طريقه . وظاهره وجوب الضمان ( بقيمته ) نص عليه ، فكأنه لقول ابن عباس : في بيض النعام قيمته ، ولأنه إذا ، وجب في بيض النعام قيمته مع أنه من ذوات الأمثال فغيره أولى ; لأن البيض لا مثل له فتجب فيه القيمة كصغار الطير ، وإطلاق الثمن في الخبر يدل على ذلك ، إذ غالب الأشياء تعدل ثمنها ، وهذا إذا كان له قيمة ، فإن كان هدرا ، فلا شيء فيه .

                                                                                                                          قال الأصحاب : إلا بيض النعام فإن لقشره قيمة ، وصحح في " المغني " و " الشرح " أنه لا شيء فيه إذا لم يكن فيه حيوان حالا أو مآلا ; لأنه بمنزلة سائر الأحجار ، ويستثنى منه ما لو كسرها بعد أن ثبتت ، وخرج منها دم أو خرج منها فرخ حي ، فلا شيء عليه ، وقال ابن عقيل : يحتمل أن يضمنه إلا أن يحفظه إلى أن ينهض ويطير ، ويحتمل عدمه ; لأنه لم يجعله غير ممتنع كما لو أمسك طائرا أعرج ، ثم تركه ، وإن مات بعد خروجه ، ففيه ما في صغار أولاد المتلف بيضه ، ( ولا يملك الصيد ) ابتداء ( بغير الإرث ) وفاقا لخبر الصعب السابق فليس محلا للتمليك ; لأن الله حرمه عليه كالخمر ، فلو قبضه مشتر ، ثم تلف [ ص: 154 ] فعليه جزاؤه وقيمته لمالكه ، وفي " الرعاية " لا شيء لواهب ، وإن قبضه رضا فعليه جزاؤه فقط ، وعليه رده ، وإن أرسله ، ضمنه لمالكه ، ولا جزاء ، ويرد المبيع ، وقيل : يرسله لئلا يثبت مدة المشاهدة عليه ، ومثله متهبه ، وصريحه أنه يملكه بالإرث ، وهو المذهب ; لأنه أقوى من غيره ، ولا فعل منه بدليل أنه يدخل في ملك الصبي والمجنون ، ويملك به الكافر فجرى مجرى الاستدامة ، ( وقيل : لا يملكه به ) أيضا لما قلناه فهو كغيره فعلى هذا هو : أحق به فيملكه إذا حل ، وفي " الرعاية " يملكه بشراء ، واتهاب .

                                                                                                                          ( وإن أمسك صيدا حتى تحلل ، ثم تلف أو ذبحه ضمنه ) ; لأنه تلف بسبب كان في إحرامه فضمنه كما لو جرحه ، فمات بعد حله . ولم يتكرر الضمان بأكله إذا ذبحه ، نص عليه ; لأنه وجب لقتله لا لأكله لكونه مضمونا بالجزاء ، فلا يتكرر كإتلافه بغير أكله ، ولهذا لا يضمنه محرم آخر ، ( وكان ميتة ) نص عليه ; لأنه صيد يلزمه فلم يبح بذبحه كحالة الإحرام ( وقال أبو الخطاب : له أكله ) وعليه ضمانه ; لأنه ذبحه ، وهو من أهله أشبه ما لو صاده بعد حله فأبيح له كغيره ، وفيه نظر ; لأن هذا يلزمه بخلاف المقيس عليه ، ( وإن أحرم ، وفي يده ) أي : ملكه ( صيد أو دخل الحرم بصيد لزمه إزالة يده المشاهدة عنه ) كما لو كان في رحله أو خيمته أو قفصه ، ويلزمه إرساله ; لأن في عدم إزالة يده المشاهدة إمساكا للصيد ، فلم يجز كحالة الابتداء بدليل اليمين ، وملكه باق عليه فرده من أخذه ، ويضمنه من قتله ، ولا يصح نقل الملك فيه ( دون الحكمية ) كما لو كان في بيته أو في يد نائب له مكانه ; لأنه لا يلزم إمساك الصيد فلم يلزم بإزالتها كما لو لم يكن محرما .

                                                                                                                          [ ص: 155 ] فعلى هذا لا يضمنه ، وله نقل الملك فيه بكل نوع ، ومن غصبه لزمه رده ( فإن لم يفعل ) أي : لم يزل يده المشاهدة ( فتلف فعليه ضمانه ) ; لأنه تلف تحت يده العادية فلزمه الضمان كمال الآدمي ، وجزم المؤلف : وقدمه في " الفصول " إن أمكنه ، وإلا فلا لعدم تفريطه ، ( وإن أرسله إنسان من يده قهرا فلا ضمان على المرسل ) ذكره الأصحاب ; لأنه فعل ما يتعين على المحرم فعله في هذه العين خاصة كالمغصوب ، ولأن اليد قد زال حكمها وحرمتها ، فلو أمسكه حتى تحلل فملكه باق عليه ، واعتبره في " المغني " و " الشرح " بعصير تخمر ، ثم تخلل قبل إراقته ، وفي " الكافي " وجزم به في " الرعاية " يرسله بعد حله كما لو صاده .

                                                                                                                          تنبيه : إذا ملك صيدا في الحل ، وأدخله الحرم لزمه رفع يده ، وإرساله فإن أتلفه أو تلف في يده ضمنه كصيد الحل في حق المحرم ذكره الأصحاب .

                                                                                                                          قال في " الفروع " : ويتوجه لا يلزمه إرساله ، وله ذبحه ، ونقل الملك فيه ; لأن الشارع إنما نهى عن تنفير صيد مكة ، ولم يبين فعل هذا الحكم الخفي مع كثرة ، وقوعه ، والصحابة مختلفون ، وقياسه على الإحرام فيه نظر ; لأنه آكد ، وكذا إن أمسك صيد حرم ، وخرج به إلى الحل فإنه يلزمه إرساله ، ولو تلف ضمنه ، كالمحرم إذا أمسكه حتى تحلل .



                                                                                                                          ( وإن قتل صيدا صائلا عليه دفعا عن نفسه ) لم يضمنه في ظاهر كلام أحمد ، وقاله الأصحاب ; لأنه قتله لدفع شره فلم يضمنه كآدمي ، وكجمل صائل مع أن الشارع أذن في قتل الفواسق لدفع أذى متوهم فالمتحقق أولى ، وسواء خشي منه تلفا أو مضرة أو على بعض ما له ( أو بتخليصه من سبع أو شبكة ) أو أخذه ليخلص من رجله خيطا ونحوه ( ليطلقه ) فتلف [ ص: 156 ] قبل إرساله ( لم يضمنه ) على الأشهر ; لأنه فعل أبيح لحاجة الحيوان ، فلم يضمنه كمداواة الولي موليه ، ( وقيل : يضمنه فيهما ) أما أولا فهو قول أبي بكر ; لأنه قتله لحاجة نفسه فهو كقتله لحاجة أكله في الأصح خلافا للأوزاعي ، والفرق ظاهر ، وأما ثانيا فلعموم الآية ، وغايته أنه عدم فيه القصد أشبه قتل الخطأ .

                                                                                                                          مسألة : إذا أخذه ليداويه ، فوديعة ، فلو تأكلت يده ، فله إزالتها ، وإن أزمنه فجزاؤه ، ولأنه كتالف ، وكجرح تيقن به موته ، وقيل : ما نقص ( ولا تأثير للمحرم ، ولا للإحرام في تحريم حيوان إنسي ) أي : أهلي مباح إجماعا كبهيمة الأنعام ; لأنه ليس بصيد ، والمحرم إنما هو الصيد بدليل أنه - عليه السلام - كان يتقرب إلى الله بذبح ذلك في إحرامه ، ولهذا قال : " أفضل الحج العج والثج " ( ولا محرم الأكل ) إلا المتولد كالخمس الفواسق التي أباح الشارع قتلها مطلقا ، وصرح في " المستوعب " وغيره بأنه يستحب قتل كل مؤذ من حيوان وطير ، وهو مراد من أباحه ، والمراد بالغراب غراب البين ; لأنه محرم الأكل ، ويعدو على أموال الناس . وظاهر " المستوعب " لا ، فإنه مثل بالغراب الأبقع فقط للخبر الخاص فيه ، ورد بأن غيره أكثر وأصح ويدخل في الإباحة البازي والصقر والذباب والبعوض والبق ، ذكره جماعة ، فأما ما لا يؤذي بطبعه كالرخم ، فكذلك ، ولإحرامه ويجوز قتله ، وقيل : يكره ، وجزم به في " المحرر " وغيره ، وقيل : يحرم ، ولأصحابنا في النمل وجهان نقل حنبل : لا بأس بقتل الذر ، ونقل مهنا : يقتل النملة إذا عضته قال ابن عقيل : فيها لقمة أو تمرة إذا لم تؤذه قال في [ ص: 157 ] " الشرح " : ويتخرج في النحلة كذلك ، ولا شيء في ضفدع ، وجعل فيه ابن أبي موسى حكومة ، ولكن يستثنى منه ما أباحه الشارع فإنه يحرم قتله كما أن الأسود البهيم مباح قتله ذكره الأصحاب ( إلا القمل ) على المحرم ( في رواية ) فإنه يحرم قتله ، وهو ظاهر الخرقي ; لأنه يترفه بإزالته فحرم كقطع الشعر ، ( وأي شيء تصدق به كان خيرا منه ) ; لأنه لم يرد به أثر ، وعنه : لا شيء فيه ، لخبر كعب ، ولأنه لا قيمة له كسائر المحرم المؤذي . والثانية : لا يحرم قتله ; لأنه يحرم أكله ، ويؤذي أشبه البراغيث . وظهر منه أنه يباح في الحرم لغير المحرم قتله ، وهو بغير خلاف ; لأنه إنما حرم في حق المحرم لما فيه من الترفه فأبيح فيه لغيره .

                                                                                                                          تكملة : الصئبان كالقمل ; لأنه بيضه ، ولا فرق بين قتله ، ورميه لحصول الرفه به . وقال القاضي وابن عقيل : الروايتان فيما أزاله من شعره وبدنه ، وباطن ثوبه ، ويجوز في ظاهره ، وفي " المغني " و " الشرح " أنهما فيما أزاله من شعره ، وذكر جماعة أن البراغيث كالقمل ، وله قتل القراد عن بعيره ، روي عن ابن عمر ، وابن عباس كسائر المؤذي ، ( ولا يحرم صيد البحر على المحرم ) إجماعا لقوله - تعالى - أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة [ المائدة : 96 ] والبحر الملح ، والعذب ، والأنهار ، والعيون سواء ، وصيده ما يعيش فيه كالسمك فإن كان يعيش فيهما كسلحفاة ، وسرطان فكذلك نقل عبد الله فيه الجزاء قال في " الفروع " : ولعل المراد ما يعيش في البر له حكمه ، وما يعيش في البحر له حكمه كالبقر أهلي ووحشي ، فأما طير الماء فبري ; لأنه يفرخ ، ويبيض فيه ، ( وفي إباحته في الحرم ) كصيده من آبار [ ص: 158 ] الحرم ( روايتان ) إحداهما : المنع صححه في " الشرح " وغيره ; لأنه حرمي أشبه صيد الحرم ، ولأن حرمة الصيد للمكان فلا فرق ، والثانية ، وهي ظاهر " الوجيز " وقدمها في " المحرر " : يحل لإطلاق حله في الآية ، ولأن الإحرام لا يحرمه كحيوان أهلي وسبع ( ويضمن الجراد ) في قول أكثر العلماء ; لأنه طير في البر يتلفه الماء كالعصافير ( بقيمته ) ; لأنه متلف غير مثلي ، وعنه : يتصدق بتمرة عن جرادة روي عن ابن عمر ( فإن انفرش في طريقه فقتله ) أو أتلف بيض طير ( بالمشي عليه ففي الجزاء وجهان ) أحدهما : فيه الجزاء ، وهو ظاهر " الوجيز " ; لأنه أتلفه لمنفعته أشبه ما لو اضطر إلى أكله ، والثاني : لا ; لأنه اضطره إلى إتلافه كصائل ، ( وعنه : لا ضمان في الجراد ) روي عن أبي سعيد ; لأن كعبا أفتى بأخذه وأكله ، فقال له عمر : ما حملك أن تفتيهم به ؛ قال : هو من صيد البحر قال : وما يدريك ؛ قال : والذي نفسي بيده إن هو إلا نثرة حوت تنثر في كل عام مرتين . رواه مالك وقال ابن المنذر قال ابن عباس : هو من صيد البحر ، ورواه أبو داود من رواية أبي هريرة مرفوعا ، ومن طريق أخرى ، وقال : الحديثان وهم .

                                                                                                                          ( ومن اضطر إلى أكل الصيد ) أبيح له بغير خلاف نعلمه ، وسنده قوله - تعالى - ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [ البقرة : 195 ] فإذا ذبحه كان ميتة ، ذكره القاضي ، واحتج بقول أحمد : كل ما صاده المحرم أو قتله فإنما هو قتل قتله . قال في " الفروع " : ويتوجه حله لحل فعله ( أو احتاج إلى شيء من هذه المحظورات فله فعله وعليه الفدية ) ; لأن كعبا لما احتاج إلى الحلق أباحه الشارع له ، وأوجب [ ص: 159 ] عليه الفدية ، والباقي في معناه ، ولأن أكل الصيد إتلاف فوجب ضمانه ، كما لو اضطر إلى طعام غيره .




                                                                                                                          الخدمات العلمية