الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب ميراث القاتل

( قال رضي الله عنه ) : اعلم بأن القاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئا عندنا سواء قتله [ ص: 47 ] عمدا أو خطأ وقال مالك إن قتله خطأ فله الميراث لا من الدية .

وأما في العمد لا ميراث له لما روي أن { النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن لا ميراث للقاتل } ، وعن عمر رضي الله عنه قال : لا ميراث لقاتل ، وعن عبيدة السلماني رضي الله عنه لا ميراث لقاتل بعد صاحب البقرة يعني بقرة بني إسرائيل ، وهو الإشارة إلى المعنى فذلك القاتل قصد استعجال الميراث فصار أصلا أن كل قاتل قصد استعجال الميراث ولو توهم في القتل العمد ذلك منه فإنه يحرم الميراث عقوبة له أورد لقصده عليه فهذا المعنى موجود في القتل العمد ، فأما في الخطأ قال مالك لم يوجد منه القصد إلى قتل مورثه واستعجال الميراث ينبني على ذلك ، ثم الخاطئ معذور فلا يستحق العقوبة والخطأ موضوع رحمة من الشرع فلا يثبت به حرمان الميراث إلا أنه لا يرث من الدية ; لأن عاقلته يتحملون عنه الدية فلو ورث من ذلك لتحملوا عنه وذلك لا يجوز وحجتنا في ذلك أن الحرمان جزاء القتل المحظور شرعا والقتل من الخاطئ محظور ; لأن ضد المحظور المباح والمحل غير قابل للقتل المباح إلا جزاء على جريمة وكما لا يتصور الفعل في غير محل لا يتصور المباح في غير محل الإباحة فقلنا إن هذا القتل محظور ، ولهذا تتعلق به الكفارة وهي ساترة للذنب ومع كونه موضوعا شرعا لما جاز أن يؤاخذ بالكفارة فكذلك جاز أن يؤاخذ بحرمان الميراث ، وهذا لأن تهمة القصد إلى الاستعجال قائمة فمن الجائز أنه كان قاصدا إلى ذلك وأظهر الخطأ من نفسه فيجعل هذا التوهم كالمتحقق في حرمان الميراث .

وكذلك كل قاتل هو في معنى الخاطئ كالنائم إذا انقلب على مورثه لتوهم أنه كان يتناوم وقصد استعجال الميراث .

وكذلك إن سقط من سطح على مورثه فقتله أو وطئ بدابته مورثه ، وهو راكبها ; لأنه مباشر للقتل فإنما مات المقتول بفعله ويتوهم قصده إلى الاستعجال فكان القاضي الجليل رحمه الله يقول الدابة في يد راكبها يسيرها كيف يشاء فهي بمنزلة حجر في يده وخرجه على مورثه فقتله

التالي السابق


الخدمات العلمية