الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 18 ] اعلم أنه تعالى لما بين أن محبته لا تتم إلا بمتابعة الرسل بين علو درجات الرسل وشرف مناصبهم فقال : ( إن الله اصطفى آدم ) وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اعلم أن المخلوقات على قسمين : المكلف وغير المكلف واتفقوا على أن المكلف أفضل من غير المكلف ، واتفقوا على أن أصناف المكلف أربعة : الملائكة ، والإنس والجن ، والشياطين ، أما الملائكة ، فقد روي في الأخبار أن الله تعالى خلقهم من الريح ومنهم من احتج بوجوه عقلية على صحة ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            فالأول : أنهم لهذا السبب قدروا على الطيران على أسرع الوجوه .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : لهذا السبب قدروا على حمل العرش ، لأن الريح تقوم بحمل الأشياء .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : لهذا السبب سموا روحانيين ، وجاء في رواية أخرى أنهم خلقوا من النور ، ولهذا صفت وأخلصت لله تعالى ، والأولى أن يجمع بين القولين فنقول : أبدانهم من الريح وأرواحهم من النور ، فهؤلاء هم سكان عالم السماوات ، أما الشياطين فهم كفرة أما إبليس فكفره ظاهر لقوله تعالى : ( وكان من الكافرين ) [البقرة : 34 ] وأما سائر الشياطين فهم أيضا كفرة بدليل قوله تعالى : ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) [الأنعام : 121 ] ومن خواص الشياطين أنهم بأسرها أعداء للبشر قال تعالى : ( ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ) [الكهف : 50 ] وقال : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ) [الأنعام : 112 ] ومن خواص الشياطين كونهم مخلوقين من النار قال الله تعالى حكاية عن إبليس : ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) [الأعراف : 12 ] وقال : ( والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) [الحجر : 27 ] فأما الجن فمنهم كافر ومنهم مؤمن ، قال تعالى : ( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) [الجن : 14 ] أما الإنس فلا شك أن لهم والدا هو والدهم الأول ، وإلا لذهب إلى ما لا نهاية ، والقرآن دل على أن ذلك الأول هو آدم - صلى الله عليه وسلم - على ما قال تعالى في هذه السورة : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) [آل عمران : 59 ] وقال : ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ) [النساء : 1 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : اتفق العلماء على أن البشر أفضل من الجن والشياطين ، واختلفوا في أن البشر أفضل أم الملائكة ، وقد استقصينا هذه

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية