الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فصل في شروط القصر وتوابعها وهي ثمانية : أحدها سفر طويل و ( طويل السفر ثمانية وأربعون ميلا ) ذهابا فقط تحديدا لا تقريبا ، ويكفي الظن عملا بقولهم لو شك في المسافة اجتهد ، وفارقت المسافة بين الإمام والمأموم بأن القصر وقع على خلاف الأصل فأشبه الاحتياط والقلتين بأنه لم يرد بيان للمنصوص عليه فيهما من الصحابة بخلاف ما هنا ( هاشمية ) ; لأن ابني عمر وعباس رضي الله عنهم كانا يقصران ويفطران في أربعة برد ولا يعرف مخالف لهما ، ومثله لا يكون إلا عن توقيف ، والبريد : أربع فراسخ ، والفرسخ : ثلاثة أميال ، والميل : أربعة آلاف خطوة ، والخطوة : ثلاثة أقدام ، فهو اثنا عشر ألف قدم ، وبالذراع ستة آلاف ذراع ، والذراع : أربع وعشرون أصبعا معترضات ، والأصبع : ست شعيرات معتدلات معترضات ، والشعيرة : ست شعرات من شعر البرذون ، فمسافة القصر بالأقدام خمسمائة ألف وستة وسبعون ألفا ، وبالأذرع مائتا ألف وثمانية وثمانون ألفا ، وبالأصابع ستة آلاف ألف وتسعمائة ألف واثنا عشر ألفا ، وبالشعيرات أحد وأربعون ألف ألف وأربعمائة ألف واثنان وسبعون ألفا ، وبالشعرات مائتا [ ص: 258 ] ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وثمانمائة ألف واثنان وثلاثون ألفا .

                                                                                                                            والهاشمية نسبة لبني هاشم لتقديرهم لها وقت خلافتهم بعد تقدير بني أمية لها لا إلى هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم ، وخرج بالهاشمية الأموية ، وهي المنسوبة لبني أمية ، فالمسافة عندهم أربعون ميلا ، إذ كل خمسة منها قدر ستة هاشمية ، وما ذكره من كونها ثمانية وأربعين ميلا هو المشهور ، والمنصوص وما نص عليه أيضا من كونها ستة وأربعين ، ومن كونها أربعين غير مناف لذلك لإرادته بالأول الجميع وبالثاني غير الأول وبالآخر وبالثالث الأموية .

                                                                                                                            قلت : كما قال الرافعي في الشرح ومراد الشارح حيث قال ذلك إفادة الواقف عليه أنه ليس مما انفرد به النووي ، وأن الرافعي موافق له عليه أيضا ( وهو ) أي السفر الطويل ( مرحلتان ) وهما سير يومين من غير ليلة على الاعتدال أو ليلتين بلا يوم كذلك أو يوم وليلة مع النزول المعتاد لنحو استراحة وأكل وصلاة ( بسير الأثقال ) أي الحيوانات المثقلة بالأحمال ودبيب الأقدام على الحكم المار ( والبحر كالبر ) في اشتراط المسافة المذكورة ( فلو قطع الأميال فيه في ساعة مثلا ) لشدة [ ص: 259 ] جري السفينة بالهواء ونحوه ( قصر ) فيها لوجود المسافة الصالحة له ، ولا يضر قطعها في زمن يسير ( والله أعلم ) كما لو قطعها في البر في بعض يوم على مركوب جواد ، ولعل وجه هذا التفريع بيان أن اعتبار قطع هذه المسافة في البحر في زمن يسير غير مؤثر في لحوقه بالبر في اعتبارها مطلقا ، فاندفع ما قد يقال قطع المسافة غير معتبر حتى يحتاج لذكر ذلك بل العبرة بقصد موضع عليها بدليل قصره بمجرد ذلك قبل قطع شيء منها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            فصل في شروط القصر وتوابعها .

                                                                                                                            ( قوله : سفر طويل ) أي ولم ينبه عليه المتن لتقدم التصريح به في قوله السفر الطويل المباح إلخ ( قوله : ويكفي الظن عملا ) أي الناشئ عن قرينة قوية كما أشعر به قوله عملا بقولهم لو شك إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : وفارقت المسافة بين الإمام والمأموم ) أي حيث قالوا فيها تقريبا .

                                                                                                                            ( قوله : بيان للمنصوص عليه فيهما ) أي القلتين ، وكذا لم يرد بيان المسافة بين الإمام والمأموم وإن أوهمت عبارته خلافه . نعم ورد التقدير بالقلتين عن الشارع ولم يرد في مقدار القلة شيء عنه ولا عن الصحابة ، بخلاف المسافة فإنه لم يرد فيها شيء عن الشارع صريحا ، وإن ورد ما يقتضيه لكون ابن عمر وابن عباس كانا يقصران ويفطران في أربعة برد إلى آخر ما يأتي ، ولعل هذا هو السر في التفرقة في كلامه بين المسافة والقلتين وبإفراد الأولى بفرق ، إلا أنه يعارضه ما يأتي عن ابن خزيمة .

                                                                                                                            ( قوله : هاشمية ) هو بالرفع والنصب .

                                                                                                                            ( قوله : في أربعة برد ) علقه البخاري بصيغة الجزم ، وأسنده البيهقي بسند صحيح ، ومثله إنما يفعل عن توقيف ا هـ شرح الروض . وقال الشيخ عميرة : زاد غيره أن القاضي أبا الطيب نقل أن ابن خزيمة رواه في صحيحه مرفوعا ا هـ ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            ( قوله : والبريد أربع فراسخ ) الأولى أربعة ; لأن الفرسخ مذكر .

                                                                                                                            ( قوله : أربعة آلاف خطوة ) بضم الخاء اسم لما بين القدمين .

                                                                                                                            ونقل عن مرآة الزمان لابن الجوزي ما نصه : والخطوة ثلاثة أقدام : أي بقدم البعير ا هـ . أقول : وفيه نظر ; لأن البعير لا قدم له ، فإن كان خفه يسمى قدما فلم أره لغيره ، والمتبادر من صريح كلامهم هنا أن المراد قدم الآدمي حيث قدروه بالأصابع ثم الشعيرات ثم الشعرات ثم رأيت عن مرآة الزمان ما نصه : فائدة عرض الدنيا ثلثمائة وستون درجة ، والدرجة خمسة وعشرون فرسخا ، والفرسخ اثنا عشر ألف ذراع [ ص: 258 ] وهو أربعة آلاف خطوة بخطوة البعير ، وهي ثلاثة أقدام ; إلى أن قال : وهذا الذراع قدره المأمون بمحضر من المهندسين ، وهو بين الطويل والقصير دون ذراع النجار والذراع الهاشمي ا هـ . وليس فيها تقدير القدم بكونه قدم البعير .

                                                                                                                            ( قوله : لبني هاشم ) وهم العباسيون ا هـ حج .

                                                                                                                            ( قوله : لا إلى هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم ) أي كما وقع للرافعي ا هـ حج .

                                                                                                                            ( قوله : الأموية ) هو بضم الهمزة . قال السيوطي في الأنساب : الأموي بالفتح إلى أمة بن بجالة ابن زمان بن ثعلبة ، والأموي بالضم إلى بني أمية انتهى . قال في جامع الأصول بعد ذكر الفتح والضم : والفتح قليل انتهى . ولعل مراده أن المنسوبين إلى أمة قليل والكثير هم المنسوبون إلى بني أمية ، لا أن في هذه النسبة لغتين مطلقا فما هنا بالضم لا غير .

                                                                                                                            ( قوله : وبالثاني ) أي كونها ستة وأربعين ، وقوله غير الأول : أي الميل الأول إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : قال ذلك ) أي قال كما قال إلخ ، وقوله بالثالث هو كونها ثمانية وأربعين .

                                                                                                                            ( قوله : مع النزول المعتاد ) ووصف اليومين والليلتين بالاعتدال ، وأطلق في اليوم والليلة ; لأنه أراد يوما وليلة متصلتين انتهى سم على منهج . وهما قدر اليومين أو الليلتين المعتدلتين وقدر ذلك ثلثمائة وستون درجة انتهى حج .

                                                                                                                            ( قوله : أي الحيوانات ) ظاهره سواء الجمال والبغال والحمير ، ولكن ببعض الهوامش أن المراد بالأثقال الجمال ويلحق بها البغال انتهى .

                                                                                                                            ( قوله : ودبيب الأقدام ) عطف على قول المصنف بسير الأثقال ، وقوله على الحكم المار الظاهر أن مراده به ما تقدم في قوله مع النزول المعتاد ، لكنه حينئذ لا حاجة إلى ذكره ; لأنه قيد به أصل المسألة . وفي كلام حج ما يؤخذ منه أنه يعتبر في السير كونه على العادة : يعني في صفته بحيث لا يكون بالتأني ولا الإسراع وهو غير وقت النزول للاستراحة فهما قيدان مختلفان .

                                                                                                                            ( قوله : فلو قطع الأميال فيه في ساعة إلخ ) فإن قلت : إذا قطع المسافة في لحظة صار مقيما ، فكيف يتصور ترخصه فيها ، قلنا : لا يلزم من وصول المقصد انتهاء الرخصة لكونه نوى فيه إقامة لا تقطع السفر ، أو أن المراد باللحظة القطعة من الزمن التي تسع الترخص ا هـ شيخنا الزيادي . أقول : والجواب الأول أظهر ; لأن الثاني يقتضي أن القصر بعد قطع المسافة ، ومعلوم أنه بعد قطعها لا يتأتى ترخص ، ومع ذلك فهو صحيح ; لأنه بتقدير أنه يحرم في ابتداء سير السفينة ويتم صلاته ثم يصل إلى مقصده في زمن قليل ، فلو اعتبرنا قطع المسافة بالفعل في يومين لزم أنه بهذه الإقامة يتبين [ ص: 259 ] قصر سفره فتبطل صلاته ، لكنا لا نقول بذلك لحكمنا بأن السفر طويل ولا نظر لقطعه في الزمن اليسير ( قوله : لشدة جري السفينة بالهواء ونحوه ) ومن النحو ما لو كان وليا



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 257 ] فصل في شروط القصر [ ص: 258 ] قوله : وأن الرافعي موافق له عليه ) أي فيكون مما اتفق عليه الشيخان ، فيقدم على ما انفرد به أحدهما عند التعارض ( قوله : على ذلك ) أي على الاعتدال ( قوله : ودبيب الأقدام ) معطوف على قول المصنف بسير [ ص: 259 ] قوله : فاندفع ما قد يقال إلخ ) في اندفاعه بما ذكر نظر ظاهر ، إذ حاصله الاعتراض على المصنف بأن عبارته في هذا التفريع توهم أنه لا يقصر في البحر إلا إذا قطع المسافة بالفعل وليس كذلك فلا حاجة لما ذكره ، وهو لا يندفع بما ذكر وإنما يندفع به ما قد يقال : لا وجه لإلحاق البحر بالبر ; لأن العادة قطع المسافة فيه في ساعة ، فينبغي في تقديره بمسافة أوسع من مسافة البر ، ففرع عليه المصنف ما ذكره للإشارة إلى أنه لا أثر لذلك فتأمل .




                                                                                                                            الخدمات العلمية