الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        987 [ ص: 97 ] ( 6 ) باب جامع النفل في الغزو

                                                                                                                        943 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد . فغنموا إبلا كثيرة ، فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا ، أو أحد عشر بعيرا . ونفلوا بعيرا بعيرا .

                                                                                                                        [ ص: 98 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 98 ] 19534 - هكذا رواه مالك على الشك : أحد عشر بعيرا ، أو اثني عشر بعيرا وسائر رواة نافع : أيوب ، وعبيد الله ، إسماعيل بن أمية ، والليث بن سعد ، وشعيب بن أبي حمزة ، وابن إسحاق ، يروونه : اثني عشر بعيرا ، بغير شك .

                                                                                                                        19535 - وكذلك رواه الوليد بن مسلم ، عن مالك بغير شك ، ولم يتابع عليه عن مالك ، والصحيح عن مالك ما في الموطأ .

                                                                                                                        19536 - وقد ذكرنا في " التمهيد " رواية الوليد ، وذكرنا أصحاب نافع في ألفاظ هذا الحديث ، مستقصاة بما فيها من المعاني والوجوه ، والحمد لله .

                                                                                                                        19537 - واختصار ذلك أن رواية مالك وغيره ممن ذكرنا حاشا محمد بن إسحاق تدل على أن السرية المذكورة في هذا الحديث لم تنفل البعير الزائد على السهمان إلا بعد القسمة ، وهذا يوجب أن يكون النفل من الخمس كما قال سعيد بن [ ص: 99 ] المسيب ، وفقهاء الحجاز .

                                                                                                                        19538 - وأما رواية محمد بن إسحاق لهذا الحديث ، فإنه جعل النفل من القسمة ، ثم جعل القسمة بعد .

                                                                                                                        19539 - وهذا مذهب أهل الشام وطائفة من أهل العراق ، وسنبين ذلك كله في ما بعد - إن شاء الله .

                                                                                                                        19540 - وكذلك اتفق الرواة المذكورون لهذا الحديث عن نافع على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث السرية المذكورة ، وأن سهمان أهل السرية هي السهمان المذكورة في هذا الحديث : اثني عشر بعيرا ، اثني عشر بعيرا ، ثم نفلوا بعيرا بعيرا ، حاشا شعيب بن أبي حمزة ، فإنه انفرد عن نافع بأن قال في هذا الحديث : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشا قبل نجد ، فانبعث منه هذه السرية ، فجعل السرية خارجة من العسكر ، ويبين ذلك في روايته عنه : الوليد بن مسلم ، قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد أربعة آلاف ، فانبعث منهم هذه السرية .

                                                                                                                        19541 - وقال شعيب أيضا : إن سهمان ذلك الجيش كان اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية خاصة بعيرا بعيرا .

                                                                                                                        [ ص: 100 ] 19542 - وهذا لم يقله غيره ، وإن كان المعنى فيه صحيحا ؛ لأن العلماء لم يختلفوا أن السرية إذا خرجت من العسكر فغنمت أن أهل العسكر شركاؤهم فيما غنموا ، إلا أن هذا الحكم والمعنى في السنة لم يذكره في هذا الحديث عن نافع إلا شعيب بن أبي حمزة ، وليس هو في نافع كعبيد الله وأيوب ومالك وغيرهم .

                                                                                                                        [ ص: 101 ] 19543 - وفي رواية هؤلاء عن نافع لهذا الحديث ما يدل على أن النفل لم يكن من رأس الغنيمة ، وإنما كان من الخمس .

                                                                                                                        19544 - وفي راوية ابن إسحاق : أن ذلك : كان من رأس الغنيمة .

                                                                                                                        19545 - وابن إسحاق ليس كهؤلاء في نافع .

                                                                                                                        19545 م - قال أبو عمر : النفل يكون على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                        19546 - ( أحدها ) : أن يريد الإمام تفضيل بعض الجيش بشيء يراه من غنائه وبأسه وبلائه ، أو لمكروه ، تحمله دون سائر الجيش ، فينفله من الخمس لا من رأس الغنيمة ، بل من خمس الخمس من سهام النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجعل له سلب قتيله ، وسيأتي القول في سلب القتيل في موضعه من هذا الكتاب .

                                                                                                                        19547 - ( والوجه الآخر ) : أن الإمام إذا دفع سرية من العسكر ، فأراد أن [ ص: 102 ] ينفلها مما غنمت دون أهل العسكر ، فحقه أن يخمس ما غنمت ، ثم يعطي السرية مما بقي بعد الخمس ما شاء ربعا أو ثلثا ، ولا يزيد على الثلث ؛ لأنه أقصى ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفله ، ويقسم الباقي بين جميع أهل العسكر والسرية على السواء : للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهم .

                                                                                                                        19548 - ( والوجه الثالث ) : أن يحرض الإمام أو أمير الجيش أهل العسكر على القتال قبل لقاء العدو ، وينفل من شاء منهم أو جميعهم ما عسى أن يصير بأيديهم ويفتحه الله عليهم : الربع ، أو الثلث قبل القسم ، تحريضا منه على القتال .

                                                                                                                        19549 - وهذا الوجه كان مالك يكرهه ، ولا يراه وكان يقول : قتالهم على هذا الوجه ، إنما يكون للدنيا وكان يكره ذلك ولا يجيزه .

                                                                                                                        19550 - وأجازه جماعة من أهل العلم غيره .

                                                                                                                        19551 - وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن العاص ، : " لعلي أن أبعثك في جيش ، فيسلمك الله ، ويغنمك ، ويرغب إليك من المال رغبة صالحة " .

                                                                                                                        19552 - وذهب قوم إلى أن الإمام لو نفل السرية كل ما غنمت جاز .

                                                                                                                        19553 - وأكثر الفقهاء على خلاف ذلك .

                                                                                                                        19554 - ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، عن عمران القطان ، عن علي بن ثابت : قال : سألت مكحولا وعطاء عن الإمام ينفل قوما ما أصابوا ؟ قال : ذلك لهم .

                                                                                                                        19555 - قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن المنصور ، قال : سألت [ ص: 103 ] إبراهيم عن الإمام يبعث السرية ، فتغنم ، قال : إن شاء نفلهم إياه كله ، وإن شاء خمسه .

                                                                                                                        19556 - قال أبو عمر : من ذهب إلى هذا تأول قول الله تعالى : 30 يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول 30 [ الأنفال : 1 ] أن ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث شاء ، ولم ير هذه الآية منسوخة بقوله - عز وجل - : 30 واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه . . . . 30 الآية [ الأنفال : 41 ]

                                                                                                                        19557 - وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب ، فإن جملة قول مالك وأصحابه ألا نفل إلا بعد إحراز الغنيمة ، ولا نفل إلا من الخمس .

                                                                                                                        19558 - والنفل عندهم أن يقول الإمام : " من قتل قتيلا فله سلبه " .

                                                                                                                        19559 - قال مالك : ولم يقلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد أن برد القتال ، وكره مالك أن يقاتل أحد على أن له كذا ، واحتج له بعض أصحابه بحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : لا نفل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ يرد قوي المسلمين على ضعيفهم .

                                                                                                                        19560 - وإنما جعل مالك النفل من الخمس ، لا من رأس الغنيمة ؛ لأن الخمس مردود قسمته إلى اجتهاد الإمام ، وأهله غير معينين ، ولم ير النفل من رأس الغنيمة ؛ لأن أهلها معينون ، وهم المخوفون ، وهم الموجفون .

                                                                                                                        [ ص: 104 ] 19561 - وقال الشافعي : جائز للإمام أن ينفل قبل إحرازه الغنيمة أو بعدها على وجه الاجتهاد .

                                                                                                                        19562 - قال الشافعي : وليس في النفل حد .

                                                                                                                        19563 - وقد روى بعض الشاميين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفل في البداءة والرجعة .

                                                                                                                        19564 - قال أبو عمر : الحديث بهذا مشهور عن الشاميين .

                                                                                                                        19565 - ومن أحسن طرقه ما رواه علي بن المديني ، وأبو بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب ، عن رجاء بن أبي سلمة ، قال : سمعت سليمان بن موسى يقول : سمعت مكحولا يقول عن زياد بن جارية ، عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفل في البداءة الربع ، وحين قفل الثلث .

                                                                                                                        19566 - قال أبو بكر : وحدثنا حفص بن غياث ، عن أبي عميش ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، قال القاسم : النفل ما لم يلتق الزحفان ، فإذا التقى الزحفان فإنما هي الغنيمة .

                                                                                                                        [ ص: 105 ] 19567 - قال الشافعي : وفي رواية ابن عمر ما يدل على أنه نفل نصف السدس .

                                                                                                                        19568 - قال : فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يتجاوزه الإمام .

                                                                                                                        19569 - قال : وأكثر مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فيها أنفال .

                                                                                                                        19570 - قال : وحديث ابن عمر يدل على أنهم أعطوا في سهمانهم ما يجب لهم مما أصابوا ، ثم نفلوا بعيرا بعيرا والنفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم .

                                                                                                                        19571 - وقول سعيد بن المسيب : كان الناس يعطون النفل من الخمس كما قال .

                                                                                                                        19572 - والذي أراه أن يكون من خمس الخمس سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        19573 - قال أبو عمر : كان أعدل الأقاويل عندي ، والله أعلم ، في هذا الباب : أن يكون النفل من خمس الخمس سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولولا أن في حديث ابن عمر هذا ما يدل على أنه لا يكون ذلك من خمس الخمس ، وذلك أن تنزل تلك السرية على أنهم كانوا عشرة مثالا .

                                                                                                                        19574 - ومعلوم أنه إذا عرفت ما للعشرة علمت ما للمائة وللألف ، فمثال ذلك : أن تكون السرية عشرة أصابوا في غنيمتهم مائة وخمسين بعيرا ، خرج منها [ ص: 106 ] خمسها بثلاثين ، وصار لهم مائة وعشرين ، قسمت على عشرة ، وجب لكل واحد اثنا عشر بعيرا ثم أعطي القوم من الخمس بعيرا بعيرا .

                                                                                                                        19575 - فهذا صحيح على من جعل النفل من جملة الخمس ؛ لأن خمس الثلاثين لا يكون فيه عشرة أبعرة .

                                                                                                                        19576 - وقد يحتج أن يكون محتمل أن يكون من خمس الخمس ، بأن يكون هناك ثياب وخرثي متاع غير الإبل ، فأعطى من لم يبلغه البعير قيمة البعير من غير ذلك من العروض .

                                                                                                                        19577 - وكان أبو عبيد القاسم بن سلام يقول في حديث ابن عمر : هذا النفل الذي ذكره بعد الإسهام ليس له وجه إلا أن يكون من الخمس .

                                                                                                                        19578 - وقال غيره : النفل الذي في خبر ابن عمر إنما هو نفل السرايا ، كان النبي - عليه السلام - ينفل في البداءة والرجوع .

                                                                                                                        19580 - وذكر حديث ابن عمر هذا ، ثم قال : وهذا يدل على أن النفل قبل الخمس .

                                                                                                                        19581 - وقال الأوزاعي وأحمد بن حنبل : جائز للإمام أن ينفل في البداءة الربع بعد الخمس ، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس .

                                                                                                                        19582 - وهو قول الحسن البصري وجماعة .

                                                                                                                        [ ص: 107 ] 19583 - وقال النخعي : كان الإمام ينفل السرية الثلث والربع ، يضريهم ويحرضهم على القتال .

                                                                                                                        19584 - وقال مكحول ، والأوزاعي : لا نفل بأكثر من الثلث وهو قول جمهور العلماء .

                                                                                                                        19585 - وقال الأوزاعي في أمير أغار فقال : من أخذ شيئا ، فهو له . كما قال : ولا بأس أن يقول الإمام : من جاء برأس فله كذا ، ومن جاء بأسير فله كذا يحرضهم .

                                                                                                                        19586 - وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لجرير بن عبد الله البجلي لما قدم عليه في قومه ، وهو يريد الشام : هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض أو شيء .

                                                                                                                        19587 - ولما أتي عمر بن الخطاب بسيف النعمان بن المنذر أعطاه جبير بن مطعم .

                                                                                                                        19588 - وقال جماعة فقهاء الشام منهم : رجاء بن حيوة ، وعبادة بن نسي ، وعدي بن عدي ومكحول ، والقاسم بن عبد الرحمن ، ويزيد بن أبي مالك ، وسليمان بن موسى ، والأوزاعي ، وسعيد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز : الخمس من جملة القيمة ، والنفل من بعد الخمس ، ثم الغنيمة بين أهل العسكر بعد ذلك .

                                                                                                                        [ ص: 108 ] 19589 - وهو قول إسحاق بن راهويه ، وأحمد بن حنبل ، وأبي عبيد .

                                                                                                                        19590 - قال أبو عبيد : قال : والناس اليوم على ألا نفل من جملة الغنيمة حتى يخمس .

                                                                                                                        19591 - وكان سعيد بن المسيب يقول : لا تكون الأنفال إلا في الخمس .

                                                                                                                        19592 - قال أبو عمر : من حجة الشاميين ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا مطلب بن شعيب ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن العلاء عن مكحول ، عن زياد بن جارية ، عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نفل الربع بعد الخمس في البداءة ونفل الثلث بعد الخمس في الرجعة .




                                                                                                                        الخدمات العلمية