الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ( 38 ) فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون ( 39 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم ( 40 ) وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ( 41 ) ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ( 42 ) وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ( 43 ) فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ( 44 ) فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين ( 45 ) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين ( 46 ) )

يقول تعالى : ( وفي موسى ) [ آية ] ( إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ) أي : بدليل باهر وحجة قاطعة ، ( فتولى بركنه ) أي : فأعرض فرعون عما جاءه به موسى من الحق المبين ، استكبارا [ ص: 423 ] وعنادا .

وقال مجاهد : تعزز بأصحابه . وقال قتادة : غلب عدو الله على قومه . وقال ابن زيد : ( فتولى بركنه ) أي : بجموعه التي معه ، ثم قرأ : ( لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ) [ هود : 80 ] .

والمعنى الأول قوي كقوله : ( ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله ) [ الحج : 9 ] أي : معرض عن الحق مستكبر ، ( وقال ساحر أو مجنون ) أي : لا يخلو أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحرا ، أو مجنونا .

قال الله تعالى : ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم ) أي : ألقيناهم في اليم ، وهو البحر ، ( وهو مليم ) أي : وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند .

ثم قال : ( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ) أي : المفسدة التي لا تنتج شيئا . قاله الضحاك ، وقتادة ، وغيرهما .

ولهذا قال : ( ما تذر من شيء أتت عليه ) أي : مما تفسده الريح ( إلا جعلته كالرميم ) أي : كالشيء الهالك البالي .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، حدثني عبد الله - يعني : ابن عياش - القتباني ، حدثني عبد الله بن سليمان ، عن دراج ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الريح مسخرة من الثانية - يعني من الأرض الثانية - فلما أراد الله أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا ، قال : أي رب ، أرسل عليهم [ من ] الريح قدر منخر الثور ؟ قال له الجبار : لا إذا تكفأ الأرض ومن عليها ، ولكن أرسل [ عليهم ] بقدر خاتم . فهي التي يقول الله في كتابه : ( ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم )

هذا الحديث رفعه منكر ، والأقرب أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو ، من زاملتيه اللتين أصابهما يوم اليرموك ، والله أعلم .

قال سعيد بن المسيب وغيره في قوله : ( إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ) قالوا : هي الجنوب . وقد ثبت في الصحيح من رواية شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " .

( وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ) قال ابن جرير : يعني إلى وقت فناء آجالكم .

[ ص: 424 ] .

والظاهر أن هذه كقوله : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ) [ فصلت : 17 ] .

وهكذا قال هاهنا : ( وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ) ، وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام وجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار ( فما استطاعوا من قيام ) أي : من هرب ولا نهوض ، ( وما كانوا منتصرين ) أي : ولا يقدرون على أن ينتصروا مما هم فيه .

وقوله : ( وقوم نوح من قبل ) أي : وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلاء ( إنهم كانوا قوما فاسقين ) وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة في أماكن كثيرة ، من سور متعددة .

التالي السابق


الخدمات العلمية