الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ( 29 ) أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ( 30 ) قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ( 31 ) أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون ( 32 ) أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون ( 33 ) فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ( 34 ) ) [ ص: 436 ] يقول تعالى آمرا رسوله صلوات الله وسلامه عليه ، بأن يبلغ رسالته إلى عباده ، وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه . ثم نفى عنه ما يرميه به أهل البهتان والفجور فقال : ( فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ) أي : لست بحمد الله بكاهن كما تقوله الجهلة من كفار قريش . والكاهن : الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من خبر السماء ، ( ولا مجنون ) : وهو الذي يتخبطه الشيطان من المس .

ثم قال تعالى منكرا عليهم في قولهم في الرسول صلوات الله وسلامه عليه : ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) أي : قوارع الدهر . والمنون : الموت : يقولون : ننظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومن شأنه ، قال الله تعالى : ( قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ) أي : انتظروا فإني منتظر معكم ، وستعلمون لمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة .

قال محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قائل منهم : احتبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك ، كما هلك من هلك قبله من الشعراء : زهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم . فأنزل الله في ذلك من قولهم : ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) .

ثم قال تعالى : ( أم تأمرهم أحلامهم بهذا ) أي : عقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من الأقوال الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور ؟ ( أم هم قوم طاغون ) أي : ولكن هم قوم ضلال معاندون ، فهذا هو الذي يحملهم على ما قالوه فيك .

وقوله : ( أم يقولون تقوله ) أي : اختلقه وافتراه من عند نفسه ، يعنون القرآن : قال الله : ( بل لا يؤمنون ) أي : كفرهم هو الذي يحملهم على هذه المقالة . ( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ) أي : إن كانوا صادقين في قولهم : " تقوله وافتراه " فليأتوا بمثل ما جاء به محمد [ - صلى الله عليه وسلم - ] من هذا القرآن ، فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض من الجن والإنس ، ما جاءوا بمثله ، ولا بعشر سور [ من ] مثله ، ولا بسورة من مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية