الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 299 ] فصل : ما استدل به من ذهب إلى نجاسة المستعمل

                                                                                                                                            وأما من ذهب إلى نجاسته فاستدل برواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ثم يتوضأ منه ولا يغتسل منه من جنابته " فجمع بين البول في الماء والاغتسال فيه ، ثم كان البول سببا لتنجسه فكذا الاغتسال به ، قالوا : ولأن للماء صفتين الطهارة والتطهير ، فلما زال بالاستعمال له في التطهير ، وجب أن يزول به الطهارة ، وتحريره أنه أحد صفتي الماء فوجب أن يزول عنه بالاستعمال كالتطهير ، قالوا : ولأنه ماء مستعمل في فرض طهارة فوجب أن يكون نجسا كالمزال به النجاسة .

                                                                                                                                            والدليل على طهارته رواية شعبة عن الحكم عن أبي جحيفة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فدعا بماء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به فصلى الظهر ركعتين ، والعصر ركعتين " ولو كان نجسا لنهاهم عنه .

                                                                                                                                            وروى محمد بن المنكدر قال سمعت جابرا يقول : اشتكيت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني هو وأبو بكر وهما ماشيان وجاءا وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب علي من وضوئه فأفقت فقلت : يا رسول الله كيف أوصي في مالي ؟ كيف أصنع في مالي ؟ فلم يجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت آية المواريث " .

                                                                                                                                            فلو كان المستعمل في الطهارة نجسا لما نجس به جابرا ، وما اعتمد عليه الشافعي رضي الله عنه ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وأصحابه ولا شك إلا أنه قد أصاب ثوبه وثيابهم من بلله ولم يرو عنه ، ولا عن أحدهم أنه غسله ولو كان ذلك نجسا لغسله وأمره بغسله وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل حين ذكر الجنابة في الصلاة ثم عاد إلى المسجد والماء يقطر من جمته ولو كان نجسا لصان المسجد عنه ولأنه طاهر لاقاه طاهر ، فوجب أن يكون طاهرا ، كما لو جرى على أعضائه تبردا أو تنظفا ، ولأن الطاهر لا يصير نجسا إلا أن يلاقي نجسا أو ينتقل عن صفة فيصير نجسا كالعصير الذي يصير خمرا ، والبيض الذي يصير مذرة ، والحيوان يموت [ ص: 300 ] فيصير نجسا ، والماء المستعمل لم يلاق نجسا ولا يتغير عن صفته فلم يجز أن يصير نجسا ، فإن قيل : فإذا جاز عندكم أن يلتقي النجسان فيطهرا جاز أن يلتقي الطاهران فينجسا ، قيل : ولم صارا كذلك ؟ وما العلة الموجبة لذلك على أنه لما كان التقاء النجسين موجبا للطهارة ، كان التقاء الطاهرين أولى أن يوجب الطهارة ، وأما الجواب عن استدلالهم بحديث أبي هريرة فهو أن قوله : " ولا يغتسل فيه من جنابة " زيادة تفرد بها بعض الرواة من طريق ، وليس بثابت ، ولو صحت لكانت محمولة على أنه لا يتوضأ منه ، ولا يغتسل منه بعد التبول فيه على أن المنع منه لأنه بالاستعمال قد صار مسلوب التطهير دون الطهارة وأما الجواب عن استدلالهم بأنه لما سلبه الاستعمال إحدى صفتيه وجب أن يسلبه الصفة الأخرى وهو أنه منتقض بالماء إذا خالطه مائع ، فإنه يسلبه التطهير ، ولا يسلبه الطهارة ثم المعنى في التطهير أنه لما تعد إلى غيره جاز أن تزول عنه الطهارة ، لما لم يتعد إلى غيره لم يجز أن يزول عنه .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسهم على المزال به النجاسة قلنا : فيه كلام نذكره وعندنا على الظاهر من المذهب أنه طاهر ، ثم المعنى فيه لو كان نجسا أنه لاقى نجسا والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية