الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب جلوس الخصمين بين يدي الحاكم والتسوية بينهما

                                                                                                                                            3904 - ( عن عبد الله بن الزبير قال : { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم . } رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            3905 - ( وعن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يا علي إذا جلس [ ص: 316 ] إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء } رواه أحمد وأبو داود والترمذي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عبد الله بن الزبير أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وفي إسناده مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وهو ضعيف كما قال ابن معين وابن حبان " وبين الذهبي ذلك الضعف فقال : فيه لين لغلطه .

                                                                                                                                            وقال أبو حاتم : صدوق كثير الغلط . وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال المنذري : لا يحتج بحديثه ، وقد صحح الحديث الحاكم كما حكاه الحافظ في بلوغ المرام .

                                                                                                                                            وحديث أمير المؤمنين علي عليه السلام أخرجه أيضا ابن حبان وصححه وحسنه الترمذي ، وله طرق منها عند البزار وفيها عمرو بن أبي المقدام ، وفيها أيضا اختلاف على عمرو بن مرة ، ففي رواية أبي يعلى أنه رواه عنه شعبة عن أبي البختري قال : حدثني من سمع أمير المؤمنين عليا ومنهم من أخرجه عن أبي البختري عن أمير المؤمنين علي عليه السلام .

                                                                                                                                            ومنهم من رواه عن حارثة بن مضرب عن أمير المؤمنين علي . ومنهم من رواه عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر عن أمير المؤمنين علي عليه السلام . ومنهم من رواه من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن أمير المؤمنين علي ورواه أبو يعلى والدارقطني في الكبير من حديث أم سلمة بلفظ { من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ومجلسه . ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفع على الآخر }

                                                                                                                                            وفي إسناده عبادة بن كثير وهو ضعيف .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه جلس بجنب شريح في خصومة له مع يهودي فقال : " لو كان خصمي مسلما جلست معه بين يديك ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تساووهم في المجالس } أخرجه أحمد أبو الحاكم في الكنى في ترجمة أبي سمية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي قال : " عرف علي درعا مع يهودي " فذكره مطولا .

                                                                                                                                            وقال : منكر وأورده ابن الجوزي في العلل من هذا الوجه وقال : لا يصح تفرد به أبو سمية . ورواه البيهقي من وجه آخر من طريق جابر عن الشعبي قال : " خرج أمير المؤمنين علي السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعا ، فعرف أمير المؤمنين علي عليه السلام الدرع " وذكر الحديث ، وفي إسناده عمرو بن سمرة عن جابر الجعفي وهما ضعيفان قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط : لم أجد له إسنادا يثبت قوله : ( أن الخصمين يقعدان . . . إلخ ) هذا فيه دليل لمشروعية قعود الخصمين بين يدي الحاكم ، ولعل هذه الهيئة مشروعة لذاتها لا لمجرد التسوية بين الخصمين فإنها ممكنة بدون القعود بين يدي الحاكم بأن يقعد أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله أو أحدهما في جانب المجلس والآخر في جانب يقابله ويساويه أو نحو ذلك . والوجه في مشروعية هذه الهيئة أن ذلك هو مقعد الإهانة والإصغار وموقف من لا يعتد بشأنه من [ ص: 317 ] الخدم ونحوهم لقصد الإعزاز للشريعة المطهرة والرفع من منارها وتواضع المتكبرين لها ، وكثيرا ما ترى من كان متمسكا بأذيال الكبر يعظم عليه قعوده في ذلك المقعد ، فلعل هذه هي الحكمة والله أعلم

                                                                                                                                            ويؤخذ من الحديث أيضا مشروعية التسوية بين الخصمين لأنهما لما أمرا بالقعود جميعا على تلك الصفة كان الاستواء في الموقف لازما لها ، وأوضح من ذلك حديث أم سلمة وقصة أمير المؤمنين علي عليه السلام مع خصمه عند شريح كما تقدم .

                                                                                                                                            وفيها تخصيص المسلم إذا كان خصمه كافرا فلا يساويه في الموقف بل يرفع على موقف الكافر لأن الإسلام يعلو . ويستفاد من الحديث أن الخصمين لا يتنازعان قائمين أو مضطجعين أو أحدهما قوله : ( حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ) فيه دليل على أنه يحرم على الحاكم أن يحكم قبل سماع حجة كل واحد من الخصمين واستفصال ما لديه والإحاطة بجميعه ، والنهي يدل على قبح المنهي عنه ، والقبح يستلزم الفساد ، فإذا قضى قبل السماع من أحد الخصمين كان حكمه باطلا فلا يلزم قبوله بل يتوجه عليه نقضه ويعيده على وجه الصحة أو يعيده حاكم آخر ، فإن امتنع أحد الخصمين من الإجابة لخصمه جاز القضاء عليه لتمرده ، ولكن بعد التثبت المسوغ للحكم كما في الغائب على خلاف فيه معروف . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية