الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 372 ] باب الغسل للجمعة والأعياد

                                                                                                                                            قال الشافعي : " والاختيار في السنة لكل من أراد صلاة الجمعة الاغتسال لها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الغسل واجب على كل محتلم " يريد وجوب الاختيار أنه قال صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ، وقال عمر لعثمان رضي الله عنهما حين راح : " والوضوء أيضا : وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : غسل الجمعة سنة وليس بواجب ، وقال داود بن علي غسل الجمعة واجب وليس بسنة ، وروى قوله عن مالك استدلالا برواية مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : غسل الجمعة واجب على كل محتلم " وبرواية بكير عن نافع عن ابن عمر عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال على كل محتلم راح إلى الجمعة ، ومن راح إلى الجمعة الغسل ، وبرواية الزهري عن سالم عن أبيه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من جاء إلى الجمعة فليغتسل " ودليلنا رواية همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فهو فضل " وروى يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : " كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم وقيل لهم لو اغتسلتم " .

                                                                                                                                            وروى عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة أن ناسا من العراق جاءوا فقالوا : يا ابن عباس : أترى الغسل يوم الجمعة واجبا فقال : لا : ولكنه طهر وخير لمن اغتسل ، ومن لم يغتسل فليس بواجب ، وسأخبركم كيف بدأ الغسل كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويحملون [ ص: 373 ] على ظهورهم ، وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما هو عريش فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار ، وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضا ، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح ، فقال أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه ، قاله ابن عباس ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع مسجدهم وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق ذكره أبو داود .

                                                                                                                                            وروى معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : دخل عثمان بن عفان يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر : أي ساعة هذه ؟ فقال : يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت وأقبلت فقال عمر : الوضوء أيضا ، وقد علمت أن رسول الله عليه كان يأمر بالغسل .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو علما وجوبه لرجع عثمان وما تركه عمر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : ولأنه غسل لسبب مستقبل فاقتضى أن يكون سنة كالغسل لدخول مكة ، والوقوف بعرفة ، وعكسه غسل الجنابة .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن أخبارهم فهو : أنها محمولة على وجوب الاختيار والاستحباب بدليل ما ذكرنا من الأخبار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية