الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3030 (4) باب

                                                                                              ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

                                                                                              [ 1718 ] عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر".

                                                                                              وفي رواية: " اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر".


                                                                                              رواه أحمد ( 1 \ 292 )، والبخاري (6746)، ومسلم (1615) (2 و 3)، والترمذي (2098)، والنسائي في الكبرى (6331)، وابن ماجه (2740).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (4) ومن باب: ألحقوا الفرائض بأهلها

                                                                                              الفرائض: جمع فريضة. وأصل الفرض: القطع. والألف واللام في " الفرائض " للعهد؛ لأنه يعني بها الفرائض الواقعة في كتاب الله تعالى، وهي ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.

                                                                                              فالنصف فرض خمسة: ابنة الصلب، وابنة الابن، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والزوج - وكل ذلك إذا انفردوا عمن يحجبهم عنه.

                                                                                              والربع: فرض الزوج مع الحاجب، وفرض الزوجة أو الزوجات مع عدمه.

                                                                                              والثمن: فرض الزوجة أو الزوجات مع الحاجب.

                                                                                              والثلثان فرض أربع: الاثنتين فصاعدا من بنات الصلب أو بنات الابن أو الأخوات الأشقاء، أو للأب - وكل هؤلاء إذا انفردن عمن يحجبهن عنه.

                                                                                              والثلث فرض صنفين: الأم مع عدم الولد وولد الابن وعدم الاثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات، وفرض الاثنين فصاعدا من ولد الأم - وهذا هو ثلث كل المال.

                                                                                              فأما ثلث ما يبقى فذلك للأم في مسألة زوج أو زوجة وأبوين؛ فللأم فيها ثلث ما يبقى، وفي مسائل الجد مع الإخوة إذا كان معهم ذو سهم وكان ثلث ما يبقى له أحظى له.

                                                                                              [ ص: 565 ] والسدس فرض سبعة: فرض كل واحد من الأبوين والجد مع الولد وولد الابن، وفرض الجدة والجدات إذا اجتمعن، وفرض بنات الابن مع بنت الصلب، وفرض الأخوات للأب مع الأخت الشقيقة، وفرض الواحد من ولد الأم ذكرا كان أو أنثى.

                                                                                              وهذه الفروض كلها مأخوذة من كتاب الله تعالى، إلا فرض الجدات فإنه مأخوذ من السنة.

                                                                                              فهؤلاء أهل الفرائض الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم المال عليهم لما قال: " اقسموا المال بين أهل الفرائض "، وهو معنى قوله: " ألحقوا الفرائض بأهلها ".

                                                                                              وقوله: " فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر "، وفي غير مسلم " لأولى عصبة ذكر " تقييد " أولى " بفتح الهمزة وواو ساكنة بعدها ياء تأنيث " أول "، هذه الرواية المشهورة، وقد رواها ابن الحذاء عن ابن ماهان " لأدنى "، وهو تفسير ل " أولى "، ويعني به الأقرب للميت.

                                                                                              وقد اختلفوا في وصف الرجل بالذكورية هنا هل له فائدة أو لا؛ فقال بعضهم: لا فائدة له غير التأكيد اللفظي، فإن العرب قد تعيد اللفظ الأول بحاله وقد تأتي في كلامها متبعة على جهة التأكيد، كما قالوا: حسن بسن، وقبيح شقيح. وكذلك قالوا هنا: رجل ذكر، وابن لبون ذكر، ويطير بجناحيه، وعشرة كاملة - فهذا كلام العرب، وأجيبوا بأن العرب [ ص: 566 ] لا تؤكد إلا حيث تفيد به فائدة؛ إما تمكين المعنى في النفس، أو رفع المجاز المتوهم - وكل ذلك معدوم فيما نحن فيه. وقيل: أفاد بقوله: " ذكر " هنا وفي قوله: " ابن لبون ذكر " التحرز من الخناثى، فلا تؤخذ الخنثى في فريضة الزكاة ولا يحوز المال إذا انفرد، وإنما له نصف الميراثين. وقيل: في اللبون: إنما وصف بالذكورية ليتحرز من إطلاق " ابن " على الأنثى كما قد أطلق " ولد " على الذكر والأنثى. وقيل: إنما نبه بالذكورية في المحلين لينبه على معنى مشعر بتعليل، وذلك أن ابن اللبون أفضل من بنت المخاض من حيث السن، وقد نزله الشارع بمنزلتها في الأخذ، فقد يخفى على من بعد فهمه ويقول: كيف يجعل بدلها وهو أفضل؟ فوصفه ب " ذكر " ليشعر بنقصه عنها بالذكورية وإن زاد عليها بالسن. وكذلك وصف الرجل بالذكورية مشعرا بأن الذي استحق به التعصيب هو كمال الذكورية التي بها قوام الأمور ومقاومة الأعداء، والله تعالى أعلم.

                                                                                              و " العصبة " كل رجل بينه وبين الميت نسب يحوز المال إذا انفرد، ويرث ما فضل عن ذوي السهام.

                                                                                              والعصبات ثلاثة أصناف: الأبناء وبنوهم، والآباء وبنوهم، والأجداد وبنوهم - وتفصيل هذه الجملة في كتب الفقه.

                                                                                              ويستفاد من هذا الحديث أن النساء لا يكن عصبة، وقد أطلق الفقهاء على الأخت مع البنت أنها عصبة، وذلك تجوز؛ لأن الأخت لا تحوز المال إذا انفردت، لكنها لما كانت في هذه المسألة تأخذ ما فضل عن البنت أشبهت العاصب فأطلق عليها اسمه.




                                                                                              الخدمات العلمية