الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 261 ] المقصد السادس : الدفع إلى المزدلفة ، وفي ( الكتاب ) : أكره لمن انصرف من عرفة المرور في غير طريق المأزمين ، والسنة : الدفع مع الإمام وقبله يجزئ ، ومن لم يكن له عذر ولا بدابته علة فلا يصلي المغرب والعشاء إلا بمزدلفة ، فإن صلى قبلها أعاد إذا أتاها لقوله عليه السلام : ( الصلاة أمامك ) . ومن لم يستطع المضي مع الناس جمع بين الصلاتين عند مغيب الشفق حيث كان ، وأجزأه ، قال سند : إذا غربت الشمس دفع الإمام بالسكينة والوقار ، فإذا وجد فجوة أسرع لما في الصحاح ، كان - عليه السلام - حين دفع يسير العنق فإذا وجد فرجة نص .

                                                                                                                والعنق : السير الرفيق ، والنص ، رفع السير من قولك : نصصت الحديث إذا رفعته إلى قائله ، ونصصت العروس إذا رفعته فوق المنصة ، والفجوة : الفرجة بين المكانين ، ففعل ذلك الراكب والماشي ويكثر من ذكر الله تعالى وتحميده وتمجيده وتهليله في السير لمزدلفة ومقامه بمنى ; لقوله تعالى : ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) [ البقرة : 198 ] وقوله : ( فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ) [ البقرة : 200 ] ( واذكروا الله في أيام معدودات ) [ البقرة : 203 ] وهي أيام منى ، والمأزمان : جبلان يمر الناس بينهما ، ومنهما عبر عليه السلام .

                                                                                                                فائدة : من التنبيهات : المأزمان تثنية مأزم ، والمأزم والمأزن : المضيق ، وهما مضيق جبلين بمنى ، وهو مهموز مكسور الزاي مفتوح الميم ، قال سند : قال مالك : من دفع لا ينزل ببعض تلك المياه لعشاء أو استراحة ، ويجمع بين العشائين [ ص: 262 ] بمزدلفة ، قال ابن حبيب : من شاء في رحله أو مع الإمام ، وهو أفضل ، والكلام فيه كالجمع بعرفة ، وكذلك تكرر الأذان ، قال مالك : يجمع إذا وصل قبل حط الرواحل . وقال أشهب : يحط رحله أولا ، ويقدم العشاء ، ومن صلى المغرب عند الغروب والعشاء عند مغيب الشفق ، وهو يسير مع الناس قال ابن القاسم : يعيد بمزدلفة استحسانا ، وقال أشهب : و ( ش ) وابن حنبل : أساء ولا يعيد ، وقال ابن حبيب : هو كمن صلى قبل الوقوف ، فعلى هذا يعيد أبدا ، وهو قول ( ح ) نظرا لاتباعه عليه السلام ، فلو وقف بعد دفع الناس وهو يطمع بلحوق الإمام إذا أسرع أخر الصلاة ليصليها مع الإمام ، وإلا لم يجمع قاله محمد وقال ابن قاسم : إن طمع في وصول مزدلفة ثلث الليل أخر الصلاة ، وإلا صلى كل صلاة في وقتها ، قال ابن القاسم في ( الكتاب ) : إذا أدرك الإمام المزدلفة قبل الشفق فلا يجمع حتى يغيب الشفق مع أنه يعيد ، أما التأخير فلأن العشاء لا تقدم على وقتها ، والسنة إنما وردت بالجمع بينهما وقت الآخرة . وأما الاستيعاد فليعد ما بين عرفة ومزدلفة ، ولا يكبر عقيب المغرب والعشاء والصبح بالمشعر الحرام ; لأن افتتاح التكبير عند مالك من الظهر ، وعند ( ح ) من الصبح يوم عرفة . و ( ش ) ثلاثة أقوال : الظهر يوم النحر ، والصبح يوم عرفة ، وصلاة المغرب ليلة النحر ، وقد تقدم توجيه ذلك في صلاة العيد قال مالك في ( الكتاب ) : ومن بات بالمشعر الحرام فلا يتخلف عن الإمام ; لأن الإمام يقيم بها حتى يصبح ، فإن أدركه قبل الصبح أو بعده وقف معه ، قال اللخمي قال ابن القاسم و ( ح ) : لا دم عليه لترك المبيت ، وقال أشهب : عليه ، قياسا على من دفع مع الإمام وترك المبيت ، وفي ( الكتاب ) : الوقوف بالمشعر بعد صلاة الصبح فمن وقف بعد الفجر وقبل الصلاة فهو كمن لم يقف ; لسقوط الوجوب بالفجر كفوات الوقوف مع الإمام بعرفة ، ولأنه في [ ص: 263 ] حديث جابر المتقدم . والمشعر الحرام : جبل المزدلفة يقال له : ( قزح ) ومن أتي به المزدلفة مغمى عليه أجزأه ، ومن مر بها ولم ينزل فعليه دم ، وإن نزل ودفع آخر الليل أو وسطه أو أوله ولم يدفع مع الإمام أجزأه . ويستحب الدفع مع الإمام ، ولا يتعجل قبله وواسع للنساء والصبيان التقديم والتأخير ، ولا يقف أحد بالمشعر الحرام إلى الإسفار . بل يدفعوا قبل ذلك ، وإذا أسفر ولم يدفع الإمام دفع الناس وتركوه ، ومن لم يدفع حتى طلعت الشمس أساء ، ولا شيء عليه ، قال سند : الوقوف بالمشعر الحرام مستحب ; لقوله تعالى : ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) [ البقرة : 198 ] ومزدلفة كلها موقف ، ومن فاته الوقوف به فلا دم عليه عند مالك و ( ح ) و ( ش ) لأنه إنما أحل بدعاء في تربص ، ووافق أشهب ابن القاسم ههنا في المغمى عليه يمر به بمزدلفة ، وخالفه في عرفة ; لأنها ركن ، وأما النزول بالمزدلفة : فالمشهور وجوبه ، ومن تركه من غير عذر فعليه دم ، وقاله الأئمة خلافا لعبد الملك ، والفرق بينه وبين المبيت : أن المبيت للاستراحة غير نسك ، والنزول الواجب يحصل بحط الرحل ، والتمكن من المبيت ، ولا يشترط استغراق النصف الأول من الليل خلافا ل ( ش ) لما في مسلم : أن سودة استأذنته - عليه السلام - ليلة المزدلفة أن تدفع قبل حط الناس فأذن لها ، ولم يبين لها وقتا مخصوصا . وقال ( ح ) : يقف بالمشعر حتى يسفر ؛ لأنه في حديث جابر ، لنا ما في البخاري : كان أهل الجاهلية لا يفيضون حتى يروا الشمس على ( ثبير ) فخالفهم النبي - عليه السلام - فدفع قبل طلوع الشمس ، وكانوا يقولون : أشرق ثبير ، كيما نغير ، قال ابن حبيب : ويفعل في الدفع من المشعر من السكينة والوقار مثل الدفع من عرفة ، ويهرول في بطن ( محسر ) قدر رمية الحجر ؛ لأنه في حديث جابر .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية