الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فقه التوسط (مقاربة لتقعيد وضبط الوسطية)

الدكتور / نوار بن الشلي

ذروة الإفتاء حمل الناس على المعهود الوسط

هذه القاعـدة بمعنى سـابقتها إلا أن تلك عامة في الأمور كلها وهذه خاصة بالفتوى.. ومن أصـولها ما رواه ابن بطة بسـنده إلى " علي رضي الله عنه ، قال: ألا أخبركم بالفقـيه؟ كل الفقـيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره " [1] .

إن المفتي ناظر في تحقيق مصالح الخلق، على ما عهده وتحققه من أسلوب الشريعة في جلبها للمصالح ودرئها للمفاسد، ولا شك أن الفتوى على الطرفين الخارجين عن العدل لا تقوم بها مصلحة، بل الفساد فيها محقق: «لأن المستفتي إذا ذهب به مذهب العنت والحرج بغض إليه الدين، وأدى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة -وهو مشاهد- وأما إذا ذهب به مذهب الانحلال كان مظنة للمشي مع الهوى والشهوة، والشرع إنما جاء بالنهي عن الهوى؛ واتباع الهوى مهلك» [2] .

فالشأن إذا الأخذ بالوسط وعدم الالتفات إلى الأطراف. وانظر إلى تعليق مالك ، رحمه الله، حين أراد أن يجمع «الموطأ» [ ص: 73 ] فقال له الخليفة: اترك تشديد ابن عمر ورخص ابن عباس وألف بعد ذلك ما شئت، فإنه قال: «فخرجت من عنده فقيها» [3] ، كيف جعل الفقه متحققا في الوسط وكأنها درجة زائدة على مجرد العلم وتحصيل الآراء وأقاويل أهل العلم.

ولهذا قال الشـاطبي ، رحمه الله، إن: «المفتي البالغ ذروة الدرجـة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال...» [4] .

ومن هذا المعنى قول الغزالي ، رحمه الله: «إن تخير أطيب المذاهب وأسهل المطالب بالتقاط الأخف والأهون من مذهب كل ذي مذهب محال لأمرين: أحدهما أن ذلك قريب من التمييز والتشهي فيتسع الخرق على فاعله وينسل عن معظم مضائق الشرع بآحاد التوسعات التي اتفقت أئمة الشرع في آحاد القواعد على ردها، والآخر أن اتباع الأفضل متحتم، وتخير المذاهب يجر لا محالة إلى اتباع الأفضل تارة والمفضول أخرى» [5] . [ ص: 74 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية