الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فقه التوسط (مقاربة لتقعيد وضبط الوسطية)

الدكتور / نوار بن الشلي

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل الدين وخلافة المسلمين

هذه القاعدة تؤسس لحراسة الوسطية داخل المجتمع الإسلامي، ذلك أن الالتزام بالسير على الخط الوسط تعترضه عوائق وتحدق به أخطار وفتن، ومتى لم يكن في مجتمع المسلمين من يدفع عنهم ما يحيق بهم من الأخطار استؤصلت شأفتهم، فسنة الله في المجتمعات والحضارات أن الهزائم تبدأ من الداخل.

قال الله تعالى: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) (آل عمران: 104) ،

وقـال الله تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ) (التوبة: 71) ،

فقد نعت الـمؤمنين بأنهم يأمرون بالمعـروف. وقـال الله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) (آل عمران: 110) .

ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضرار الخطيرة التي تصيب الأمة بسبب إهمال القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( بقوله: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من [ ص: 196 ] الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ) [1] . ( وقال صلى الله عليه وسلم : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) [2] .

قال ابن العربي ، رحمه الله: «الأمـر بالمعروف والنـهي عن المنكر الذي هو أصل الدين وخلافة المسلمين» [3] .

وقد بين الحافظ ابن رجب ، الحامل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأوسع مما قررناه في هذا المقام فقال: «واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يحمل على رجاء ثوابه، وتارة خوف العقاب في تركه، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه، وتارة النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم، مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لعقوبة الله وغضبه في الدنيا والآخرة، وتارة يحمل عليه إجلال الله وإعظامه ومحبته، وأنه أهل أن يطاع ويذكر فلا ينسي ويشكر فلا يكفر، وأنه يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال، كما قال بعض السلف: وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله وأن لحمي قرض بالمقاريض. وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز يقول لأبيه: وددت أني غلت بي وبك القدور في الله عز وجل » [4] . [ ص: 197 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية