الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 274 ] ذكر خبر النمارق

فسار أبو عبيد الثقفي ، وسعد بن عبيد وسليط بن قيس الأنصاريان ، والمثنى بن حارثة الشيباني أحد بني هند من المدينة ، وأمر عمر المثنى بالتقدم إلى أن يقدم عليه أصحابه ، وأمرهم باستنفار من حسن إسلامه من أهل الردة . ففعلوا ذلك ، وسار المثنى فقدم الحيرة ، وكانت الفرس تشاغلت عن المسلمين بموت شهريران حتى اصطلحوا على سابور بن شهريار بن أردشير ، فثارت به آزرميدخت ، فقتلته وقتلت الفرخزاد ، وملكت بوران ، وكانت عدلا بين الناس حتى يصطلحوا ، فأرسلت إلى رستم بن الفرخزاد بالخبر وتحثه على السير ، وكان على فرج خراسان ، فأقبل لا يلقى جيشا لآزرميدخت إلا هزمه ، حتى دخل المدائن ، فاقتتلوا ، وهزم سياوخش وحصره وآزرميدخت بالمدائن . ثم افتتحها رستم وقتل سياوخش وفقأ عين آزرميدخت ، ونصب بوران على أن تملكه عشر سنين ، ثم يكون الملك في آل كسرى إن وجدوا من غلمانهم أحدا ، وإلا ففي نسائهم ، ودعت مرازبة فارس وأمرتهم أن يسمعوا له ويطيعوا ، وتوجته ، فدانت له فارس قبل قدوم أبي عبيد . وكان منجما حسن المعرفة به وبالحوادث ، فقال له بعضهم : ما حملك على هذا الأمر وأنت ترى ما ترى ؟ قال : حب الشرف والطمع .

ثم قدم المثنى إلى الحيرة في عشر ، وقدم أبو عبيد بعده بشهر . فكتب رستم إلى الدهاقين أن يثوروا بالمسلمين ، وبعث في كل رستاق رجلا يثور بأهله ، فبعث جابان إلى فرات بادقلى ، وبعث نرسي إلى كسكر ووعدهم يوما ، وبعث جندا لمصادمة المثنى ، وبلغ المثنى الخبر فحذر ، وعجل جابان ونزل النمارق ، وثاروا وتوالوا على الخروج ، وخرج أهل الرساتيق من أعلى الفرات إلى أسفله ، وخرج المثنى من الحيرة ، فنزل خفان لئلا يؤتى من خلفه بشيء يكرهه ، وأقام حتى قدم عليه أبو عبيد . فلما قدم لبث أياما يستريح هو وأصحابه ، واجتمع إلى جابان بشر كثير ، فنزل النمارق ، وسار إليه [ ص: 275 ] أبو عبيد فجعل المثنى على الخيل ، وكان على مجنبتي جابان جشنس ماه ومردانشاه ، فاقتتلوا بالنمارق قتالا شديدا ، فهزم الله أهل فارس وأسر جابان ، أسره مطر بن فضة التيمي ، وأسر مردانشاه ، أسره أكتل بن شماخ العكلي فقتله .

وأما جابان فإنه خدع مطرا وقال له : هل لك أن تؤمنني وأعطيك غلامين أمردين خفيفين في عملك ، وكذا وكذا ؟ ففعل ، فخلى عنه ، فأخذه المسلمون وأتوا به أبا عبيد وأخبروه أنه جابان ، وأشاروا عليه بقتله . فقال : إني أخاف الله أن أقتله وقد آمنه رجل مسلم ، والمسلمون كالجسد الواحد ، ما لزم بعضهم فقد لزم كلهم ، وتركوه . وأرسل في طلب المنهزمين حتى أدخلوهم عسكر نرسي ، وقتلوا منهم .

( أكتل بفتح الهمزة ، وسكون الكاف ، وفتح التاء المثناة باثنتين من فوقها ، وفي آخره لام ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية