(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا ) .
اعلم أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17ويوم يحشرهم ) راجع إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3واتخذوا من دونه آلهة ) [الفرقان : 3] ثم ههنا مسائل :
المسألة الأولى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17يحشرهم ) فنقول : كلاهما بالنون والياء ، وقرئ : " نحشرهم " بكسر الشين .
المسألة الثانية : ظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17وما يعبدون ) أنها الأصنام ، وظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17فيقول أأنتم أضللتم عبادي ) أنه من عبد من الأحياء كالملائكة
والمسيح وغيرهما ; لأن الإضلال وخلافه منهم يصح ، فلأجل هذا اختلفوا ،
[ ص: 54 ] فمن الناس من حمله على الأوثان ، فإن قيل لهم : الوثن جماد فكيف خاطبه الله تعالى ، وكيف قدر على الجواب ؟ فعند ذلك ذكروا وجهين :
أحدهما : أن الله تعالى يخلق فيهم الحياة ، فعند ذلك يخاطبهم فيردون الجواب .
وثانيها : أن يكون ذلك الكلام لا بالقول اللساني ، بل على سبيل لسان الحال كما ذكر بعضهم في تسبيح الموات وكلام الأيدي والأرجل ، وكما قيل : سل الأرض من شق أنهارك ، وغرس أشجارك ؟ فإن لم تجبك حوارا ، أجابتك اعتبارا . وأما الأكثرون فزعموا أن المراد هو الملائكة
وعيسى وعزير عليهم السلام ، قالوا : ويتأكد هذا القول بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=40ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ) [سبأ : 40] ، وإذا قيل لهم : لفظة " ما " لا تستعمل في العقلاء أجابوا عنه من وجهين :
الأول : لا نسلم أن كلمة " ما " لما لا يعقل ، بدليل أنهم قالوا " من " لما لا يعقل .
والثاني : أريد به الوصف ، كأنه قيل : " ومعبودهم " . وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5والسماء وما بناها ) [الشمس : 5] (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد ) [الكافرون : 3] لا يستقيم إلا على أحد هذين الوجهين ، وكيف كان فالسؤال ساقط .
المسألة الثالثة : حاصل الكلام أن
nindex.php?page=treesubj&link=30353_30360الله تعالى يحشر المعبودين ، ثم يقول لهم : أأنتم أوقعتم عبادي في الضلال عن طريق الحق ، أم هم ضلوا عنه بأنفسهم ؟ قالت
المعتزلة : وفيه كسر بين لقول من يقول : إن الله يضل عباده في الحقيقة لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الجواب الصحيح أن يقولوا : إلهنا ههنا قسم ثالث غيرهما هو الحق ، وهو أنك أنت أضللتهم ، فلما لم يقولوا ذلك بل نسبوا إضلالهم إلى أنفسهم ، علمنا أن الله تعالى لا يضل أحدا من عباده . فإن قيل : لا نسلم أن المعبودين ما تعرضوا لهذا القسم بل ذكروه ، فإنهم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر ) وهذا تصريح بأن ضلالهم إنما حصل لأجل ما فعل الله بهم ، وهو أنه سبحانه وتعالى متعهم وآباءهم بنعيم الدنيا . قلنا : لو كان الأمر كذلك لكان يلزمهم أن يصير الله محجوبا في يد أولئك المعبودين ، ومعلوم أنه ليس الغرض ذلك ، بل الغرض أن يصير الكافر محجوجا مفحما ملزما . هذا تمام تقرير
المعتزلة في الآية ، أجاب أصحابنا بأن القدرة على الضلال إن لم تصلح للاهتداء فالإضلال من الله تعالى ، وإن صلحت له لم تترجح مصدريتها للإضلال على مصدريتها للاهتداء إلا لمرجح من الله تعالى ، وعند ذلك يعود السؤال ، وأما ظاهر هذه الآية فهو وإن كان لهم لكنه معارض بسائر الظواهر المطابقة لقولنا .
المسألة الرابعة : ظاهر الآية يدل على أن هذا السؤال من الله تعالى ، وإن احتمل أن يكون ذلك من الملائكة بأمر الله تعالى . بقي على الآية سؤالات :
الأول : ما فائدة أنتم وهم ؟ وهلا قيل : أأضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل ؟ الجواب : ليس السؤال عن الفعل ووجوده ؛ لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب ، وإنما هو عن فاعله ، فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام حتى يعلم أنه المسئول عنه .
السؤال الثاني : أنه سبحانه كان عالما في الأزل بحال المسئول عنه ، فما فائدة هذا السؤال ؟ الجواب : هذا استفهام على سبيل التقريع للمشركين كما قال
لعيسى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) [المائدة : 116] ولأن أولئك المعبودين لما برءوا أنفسهم ، وأحالوا ذلك الضلال عليهم صار تبرؤ
[ ص: 55 ] المعبودين عنهم أشد في حسرتهم وحيرتهم .
السؤال الثالث : قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17أم هم ضلوا السبيل ) والقياس أن يقال : ضل عن السبيل . الجواب : الأصل ذلك ، إلا أن الإنسان إذا كان متناهيا في التفريط وقلة الاحتياط ، يقال : ضل السبيل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ) .
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ) رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ) [الْفُرْقَانِ : 3] ثُمَّ هَهُنَا مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17يَحْشُرُهُمْ ) فَنَقُولُ : كِلَاهُمَا بِالنُّونِ وَالْيَاءِ ، وَقُرِئَ : " نَحْشِرُهُمْ " بِكَسْرِ الشِّينِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : ظَاهِرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17وَمَا يَعْبُدُونَ ) أَنَّهَا الْأَصْنَامُ ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي ) أَنَّهُ مَنْ عُبِدَ مِنَ الْأَحْيَاءِ كَالْمَلَائِكَةِ
وَالْمَسِيحِ وَغَيْرِهِمَا ; لِأَنَّ الْإِضْلَالَ وَخِلَافَهُ مِنْهُمْ يَصِحُّ ، فَلِأَجْلِ هَذَا اخْتَلَفُوا ،
[ ص: 54 ] فَمِنَ النَّاسِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَوْثَانِ ، فَإِنْ قِيلَ لَهُمُ : الْوَثَنُ جَمَادٌ فَكَيْفَ خَاطَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَكَيْفَ قَدَرَ عَلَى الْجَوَابِ ؟ فَعِنْدَ ذَلِكَ ذَكَرُوا وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهِمُ الْحَيَاةَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُخَاطِبُهُمْ فَيَرُدُّونَ الْجَوَابَ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْكَلَامُ لَا بِالْقَوْلِ اللِّسَانِيِّ ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ لِسَانِ الْحَالِ كَمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي تَسْبِيحِ الْمَوَاتِ وَكَلَامِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ ، وَكَمَا قِيلَ : سَلِ الْأَرْضَ مَنْ شَقَّ أَنْهَارَكِ ، وَغَرَسَ أَشْجَارَكِ ؟ فَإِنْ لَمْ تُجِبْكَ حِوَارًا ، أَجَابَتْكَ اعْتِبَارًا . وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ فَزَعَمُوا أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْمَلَائِكَةُ
وَعِيسَى وَعُزَيْرٌ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، قَالُوا : وَيَتَأَكَّدُ هَذَا الْقَوْلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=40وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ) [سَبَأٍ : 40] ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ : لَفْظَةُ " مَا " لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْعُقَلَاءِ أَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَلِمَةَ " مَا " لِمَا لَا يَعْقِلُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا " مَنْ " لِمَا لَا يَعْقِلُ .
وَالثَّانِي : أُرِيدَ بِهِ الْوَصْفُ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : " وَمَعْبُودَهُمْ " . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ) [الشَّمْسِ : 5] (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) [الْكَافِرُونَ : 3] لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ، وَكَيْفَ كَانَ فَالسُّؤَالُ سَاقِطٌ .
المسألة الثَّالِثَةُ : حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30353_30360اللَّهَ تَعَالَى يَحْشُرُ الْمَعْبُودِينَ ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُمْ : أَأَنْتُمْ أَوْقَعْتُمْ عِبَادِي فِي الضَّلَالِ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، أَمْ هُمْ ضَلُّوا عَنْهُ بِأَنْفُسِهِمْ ؟ قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : وَفِيهِ كَسْرٌ بَيِّنٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ عِبَادَهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يَقُولُوا : إِلَهُنَا هَهُنَا قِسْمٌ ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا هُوَ الْحَقُّ ، وَهُوَ أَنَّكَ أَنْتَ أَضْلَلْتَهُمْ ، فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ بَلْ نَسَبُوا إِضْلَالَهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ ، عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُضِلُّ أَحَدًا مِنْ عِبَادِهِ . فَإِنْ قِيلَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْبُودِينَ مَا تَعَرَّضُوا لِهَذَا الْقِسْمِ بَلْ ذَكَرُوهُ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ ) وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ضَلَالَهُمْ إِنَّمَا حَصَلَ لِأَجْلِ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ ، وَهُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَتَّعَهُمْ وَآبَاءَهُمْ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا . قُلْنَا : لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَصِيرَ اللَّهُ مَحْجُوبًا فِي يَدِ أُولَئِكَ الْمَعْبُودِينَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ ذَلِكَ ، بَلِ الْغَرَضُ أَنْ يَصِيرَ الْكَافِرُ مَحْجُوجًا مُفْحَمًا مُلْزَمًا . هَذَا تَمَامُ تَقْرِيرِ
الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْآيَةِ ، أَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الضَّلَالِ إِنْ لَمْ تَصْلُحْ لِلِاهْتِدَاءِ فَالْإِضْلَالُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ صَلَحَتْ لَهُ لَمْ تَتَرَجَّحْ مَصْدَرِيَّتُهَا لِلْإِضْلَالِ عَلَى مَصْدَرِيَّتِهَا لِلِاهْتِدَاءِ إِلَّا لِمُرَجِّحٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَعُودُ السُّؤَالُ ، وَأَمَّا ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِسَائِرِ الظَّوَاهِرِ الْمُطَابِقَةِ لِقَوْلِنَا .
المسألة الرَّابِعَةُ : ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى . بَقِيَ عَلَى الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ :
الْأَوَّلُ : مَا فَائِدَةُ أَنْتُمْ وَهُمْ ؟ وَهَلَّا قِيلَ : أَأَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ؟ الْجَوَابُ : لَيْسَ السُّؤَالُ عَنِ الْفِعْلِ وَوُجُودِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا وُجُودُهُ لَمَا تَوَجَّهَ هَذَا الْعِتَابُ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ فَاعِلِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَإِيلَائِهِ حَرْفَ الِاسْتِفْهَامِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَانَ عَالِمًا فِي الْأَزَلِ بِحَالِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ ، فَمَا فَائِدَةُ هَذَا السُّؤَالِ ؟ الْجَوَابُ : هَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ لِلْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ
لِعِيسَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) [الْمَائِدَةِ : 116] وَلِأَنَّ أُولَئِكَ الْمَعْبُودِينَ لَمَّا بَرَّءُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَأَحَالُوا ذَلِكَ الضَّلَالَ عَلَيْهِمْ صَارَ تَبَرُّؤُ
[ ص: 55 ] الْمَعْبُودِينَ عَنْهُمْ أَشَدَّ فِي حَسْرَتِهِمْ وَحَيْرَتِهِمْ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ : ضَلَّ عَنِ السَّبِيلِ . الْجَوَابُ : الْأَصْلُ ذَلِكَ ، إِلَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ مُتَنَاهِيًا فِي التَّفْرِيطِ وَقِلَّةِ الِاحْتِيَاطِ ، يُقَالُ : ضَلَّ السَّبِيلَ .