الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                السبب الثاني : في خلافة الأبوة ، وهو الوصي ، وهو عندنا كالأب ، وقاله ابن حنبل إن عين الزوج ، ومنع ( ش ) ، و ( ح ) ولايته في البضع مطلقا ; لأن المعنى الذي أثبت الشرع ولاية القرابة منفي عنه ، وهو الشفقة الجلية ، والغيرة الطبيعية ، ولأنه لو كان للأب أن يستخلف فيما له من الولاية حال حياته بعد وفاته لكان له ذلك في الثيب وليس فليس ، والجواب عن الأول : أن شفقة الأب تمنع من استخلاف من لا يوفي بمقاصد إشفاقه ، وإذا حصلت مقاصد الإشقاق فهو كمباشرة المشفق ، وعن الثاني أن الأب في الثيب كسائر الأولياء في عدم الجبر ، والتحكم عليها في مصالحها غايته أنه مقدم على غيره كتقدمة الأخ على العم فكما أن تقدمة الأخ لا توجب له نفوذ وصيته ، فكذلك الأب في الثيب بخلاف الصغيرة حقه فيها متمكن بدليل الخبر فكان الاستخلاف فيه ( فظهر [ ص: 224 ] الفرق ، ويؤكده أنه حق للأب في حياته فيكون له الاستخلاف فيه بعد وفاته كالمال .

                                                                                                                وفي الكتاب : للوصي تزويج البكر البالغ برضاها ، وإن كره الولي ، فإن عقد وليها برضاها لم يجز إلا أن يرضى الوصي ، فإن اختلفوا نظر السلطان ، ووصي الوصي كالوصي ، وإن بعد في البكر ، وقال يحيى بن سعيد : الوصي أولى من الولي ، ويشاور الولي ، قال مالك : والوصي في الثيب كالولي لاستقلالها بنفسها وليس لأحد تزويجها قبل البلوغ إلا الأب دون الوصي وغيره ، وللأب والوصي تزويج الصغير ، ويوكلا في ذلك بخلاف غيرهما ، والمرأة الوصي لا تلي العقد لنقصها عن مرتبة ذلك لكن توكل رجلا بعد بلوغ الصبية ورضاها ، وقبل ذلك فلا ، قال اللخمي : الإجبار للآباء ولمن أقاموه في حياتهم أو بعد وفاتهم إذا عين الأب الزوج ، فإن فوضه إليه فله الإجبار ممن يراه قبل البلوغ وبعده على المعروف من قول مالك ، ومنع عبد الوهاب إجباره لاختصاص الأب بمعنى لا يوجد في غيره من مزيد الشفقة ، وإذا زوج الوصي صغيرة من غير حاجة فسخ ، فإن بلغت قبل النظر ، قيل : فاسد ، وإن رضيت به لوقوعه على خلاف المشروع ، ويفرق بينهما إلا أن يطول بعد الدخول ، ( وقيل : جائز يتعلق به حقها إن أسقطته سقط ، وإن ردته بطل إلا أن يطول بعد الدخول ) أو يدخل بها عالمة بالخيار ، قال ابن القاسم : ولم يبلغ مالك بهما قطع الميراث ، وأرى أن يتوارثا لإجازة أكثر الناس له ، وفي الجواهر : قال عبد الملك : لا يزوج وصي إلا أن يكون وليا إنما هو وكيل في المال ; لأن المعنى الذي لأجله أثبت الشرع ولاية القرابة مفقود فيه ، وهي الشفقة الجلية .

                                                                                                                قال صاحب التلخيص : إن أوصي من غير بيان فلا يزوج الإناث قبل البلوغ ولا بعده .

                                                                                                                [ ص: 225 ] دون استئمار على المشهور ، وله تزويج الذكور قبل البلوغ وبعده دون إذن ، كانت الوصية مطلقة أو مفسرة ، قال صاحب البيان : قال مالك : إذا قال : فلان وصي فقط أو وصي على بضع بناتي أبكارا كن أو ثيبا ، فهو بمنزلته في تزويجهن قبل البلوغ وبعده ، وإن قال : على مالي فالقياس أنه معزول على الأبضاع ، قال ابن يونس : قال مالك : إذا قال الأب للوصي : زوجها من فلان ، أو ممن ترضاه ، أو زوجها فله ذلك قبل البلوغ كالأب ، فإن قال : فلان وصي فقط ، أو على بضع بناتي ، أو على تزويجهن امتنع قبل البلوغ وقبل رضاهن ، قال أصبغ : ولو وصاه بزواج فاسق لم يجز ; لأنه ليس للأب حتى ينتقل للوصي ، ولو قال : زوجها من فلان بعد مدة ، وفرض صداق مثلها ، فذلك لازم إذا طلبه المعين ، ويحكم به ولو كره الوصي إلا أن يتغير حاله من الجودة إلى الدناءة فله مقال ، وليس لها مقال ، بسبب أنه صار له زوجات أو سراري .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : للوصي إنكاح إماء اليتامى ، وعبيدهم على وجه النظر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إذا قال : إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي من ابن أخي ، قال سحنون : إن قيل : ابن الأخ بالقرب جاز ، ومنعه ابن القاسم ; لأنه نكاح إلى أجل كما لو قال إذا مضت سنة فقد زوجتك [ ص: 226 ] ابنتي فلانة ، وأجازه أشهب ، قال صاحب البيان : ولا يجري هذا الخلاف في قول الرجل في جاريته المعتقة : أشهدكم أني قد تزوجتها على صداق كذا وهي غائبة ، ولا يفرق فيه بين القرب والبعد ; لأنه نكاح انعقد على خيار من أصله لاتحاد الولي ، والزوج كما لو زوج ابنته الثيب الغائبة ، وأعلم الزوج بعدم الإذن بل لا يجوز هذا ، وإن رضيت بعد ذلك ، وقد قال ابن القاسم : إن تطاول لا يفسخ مراعاة للخلاف ، فإن مات بعد ولادة الأولاد ، ورثته عند ابن القاسم ، وكذلك لو مات بعد الأيام ، بعد يمينها أنها رضيت قبل الموت .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب البيان : قال ابن القاسم : الذي يكون في حجره اليتيم له مال يزوجه لابنته إن كان سدادا لليتيم جاز وإلا فلا ، وهو محمول على غير السداد حتى يعلم السداد ; لأنه متهم ، قال مالك : لا أحب للوصي أن يزوج يتيمته من نفسه ولا من ابنه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية