الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثامن : في العفو عنه ، قال الله تعالى : ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) ( البقرة : 237 ) ، أي : لهن ، ثم قال : ( إلا أن يعفون ) ، أي : يعفو النساء الرشيدات عن النصف فيسقط ، وهو متفق عليه ، ثم قال : ( أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ) ، قال مالك : هو الأب في ابنته والسيد في أمته ، وقال الأئمة : وهو الزوج ; لأنه مروي عنه - عليه السلام - ولأن إسقاط الولي مال المولية خلاف الأصل ، والجواب عن الأول : أنه ضعيف سلمنا صحته لكن لا نسلم أنه تفسير للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق .

                                                                                                                وعن الثاني : أن حكم الولاية بتصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه ، وقد يكون العفو أحسن لاطلاع الولي على ذلك يرغب فيها من في وصلته غبطة عظيمة ، ثم الآية تدل لنا من عشرة أوجه : أحدها : أن الاستثناء من النفي إثبات ، ومن الإثبات نفي ، والمتقدم قبل [ ص: 372 ] إلا إثبات للنصف فعلى رأينا ينتفي فتطرد القاعدة ، وعلى رأيهم يعفو الزوج فيكمل الصداق فيكون الاستثناء من الإثبات ، وهو خلاف القاعدة ، وثانيها : الأصل في العطف بأو : التشريك في المعنى لقوله تعالى : ( إلا أن يعفون ) معناه : الإسقاط ، وقوله تعالى : ( أو يعفو الذي ) على رأينا للإسقاط ، فيحصل التشريك ، وعلى رأيهم فيكون قولنا أرجح ، وثالثها : أن المفهوم من قولنا إلا أن يكون كذا وكذا تنويع ذلك الكائن إلى شيئين ، والتنويع فرع الاشتراك في المعنى ، ولا مشترك بين الإسقاط والإعطاء فحسن تنويعه ، وعلى رأينا المتنوع الإسقاط إلى إسقاط المرأة أو الولي ، ورابعها : أن العفو ظاهر في الإسقاط ، وهو ما ذكرناه ، وعلى رأيهم يكون التزام ما سقط بالطلاق ، والتزام ما لم يجب لا يسمى عفوا .

                                                                                                                وخامسها : أن إقامة الظاهر مقام المضمر خلاف الأصل ، فلو كان المراد الزوج لقيل : إلا أن يعفون أو تعفون عما استحق لكم ، فلما عدل إلى الظاهر دل على أن المراد غيرهم ، وسادسها : أن المفهوم من قولنا بيده كذا ، أي : يتصرف فيه ، والزوج لا يتصرف في عقد النكاح ، بل كان يتصرف في الحل ، والولي الآن هو المتصرف في العقد فتناوله اللفظ دون الزوج .

                                                                                                                وسابعها : سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح لكن باعتبار ما كان ومضى فهو مجاز ، والولي بيده الآن فهو حقيقة فتقدم على المجاز ، وثامنها : أن المراد بقوله : ( إلا أن يعفون ) : الرشيدات اتفاقا ; إذ المحجور عليها لا ينفذ الشرع تصرفها ، فالذي يحسن مقابلتهن بهن : المحجورات على أيدي أوليائهن أما بالأزواج فلا مناسبة ، وتاسعها : أن الخطاب كان مع الأزواج بقوله : ( وقد فرضتم ) ، وهو خطاب مشافهة فلو كانوا مرادين في قوله تعالى : ( الذي بيده عقدة النكاح ) ، وهو خطاب غيبة للزم تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة ، وهو خلاف الأصل ، وعاشرها : أن وجوب الصداق أو بعضه قبل المسيس خلاف الأصل ; لأن استحقاق تسليم العوض [ ص: 373 ] يقتضي بقاء المعوض قابلا للتسليم أما مع تعذره فلا ، فالاستشهاد بشهادة البيع ، والإجارة بإسقاط الأولياء للنصف على وفق الأصل ، وتكميل الزوج على خلافه ، وموافقة الأصول أولى .

                                                                                                                تفريع : في الكتاب : قال مالك : ولا يجوز ذلك للأب قبل الطلاق ، قال ابن القاسم : إلا بوجه نظر من عسر الزوج أو غيره ، ولا يلحق الوصي بالأب ، وفي الجلاب : لا عفو ولا تصرف لولي الثيب معها ، ولولي البكر المطالبة دون الإسقاط إلا بإذنها ، وللأب أن يعفو إذا طلقت قبل البناء ; لأنه مورد النص دون قبل الطلاق أو بعد الدخول ، والفرق أن استحقاقه بعد الطلاق قبل الدخول على خلاف الأصل فسلط الأب عليه إذا رآه نظرا بخلاف الدخول أو قبل الطلاق لتعيين الاستحقاق فغلب حق الزوجة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية