الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7276 ) مسألة : قال : ( وابتداء قطع السارق ، أن تقطع يده اليمنى من مفصل الكف ، ويحسم ، فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب ، وحسمت ) [ ص: 106 ] لا خلاف بين أهل العلم في أن السارق أول ما يقطع منه ، يده اليمنى ، من مفصل الكف ، وهو الكوع . وفي قراءة عبد الله بن مسعود : " فاقطعوا أيمانهما " . وهذا إن كان قراءة وإلا فهو تفسير . وقد روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما ، أنهما قالا : إذا سرق السارق ، فاقطعوا يمينه من الكوع . ولا مخالف لهما في الصحابة ; ولأن البطش بها أقوى ، فكانت البداية بها أردع ; ولأنها آلة السرقة ، فناسب عقوبته بإعدام آلتها .

                                                                                                                                            وإذا سرق ثانيا ، قطعت رجله اليسرى . وبذلك قال الجماعة إلا عطاء ، حكي عنه أنه تقطع يده اليسرى ; لقوله سبحانه : { فاقطعوا أيديهما } . ولأنها آلة السرقة والبطش ، فكانت العقوبة بقطعها أولى . وروي ذلك عن ربيعة ، وداود . وهذا شذوذ ، يخالف قول جماعة فقهاء الأمصار من أهل الفقه والأثر ، من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم ، وهو قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وقد روى أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في السارق { إذا سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله } . ولأنه في المحاربة الموجبة قطع عضوين ، إنما تقطع يده ورجله ، ولا تقطع يداه ، فنقول : جناية أوجبت قطع عضوين ، فكانا رجلا ويدا ، كالمحاربة ; ولأن قطع يديه يفوت منفعة الجنس ، فلا تبقى له يد يأكل بها ، ولا يتوضأ ، ولا يستطيب ، ولا يدفع عن نفسه ، فيصير كالهالك ، فكان قطع الرجل الذي لا يشتمل على هذه المفسدة أولى .

                                                                                                                                            وأما الآية : فالمراد بها قطع يد كل واحد منهما ; بدليل أنه لا تقطع اليدان في المرة الأولى . وفي قراءة عبد الله : ( فاقطعوا أيمانهما ) . وإنما ذكر بلفظ الجمع ، لأن المثنى إذا أضيف إلى المثنى ذكر بلفظ الجمع كقوله تعالى : { فقد صغت قلوبكما } . إذا ثبت هذا ، فإنه تقطع رجله اليسرى ; لقول الله تعالى : { أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف } . ولأن قطع اليسرى أرفق به ; لأنه يمكنه المشي على خشبة ، ولو قطعت رجله اليمنى لم يمكنه المشي بحال . وتقطع الرجل من مفصل الكعب في قول أكثر أهل العلم ، وفعل ذلك عمر رضي الله عنه .

                                                                                                                                            وكان علي رضي الله عنه يقطع من نصف القدم من معقد الشراك ، ويدع له عقبا يمشي عليها . وهو قول أبي ثور . ولنا أنه أحد العضوين المقطوعين في السرقة ، فيقطع من المفصل كاليد . وإذا قطع حسم ، وهو أن يغلى الزيت ، فإذا قطع غمس عضوه في الزيت ; لتنسد أفواه العروق ; لئلا ينزف الدم فيموت . وقد روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق سرق شملة ، فقال اقطعوه واحسموه } . وهو حديث فيه مقال . قاله ابن المنذر . وممن استحب ذلك الشافعي ، وأبو ثور ، وغيرهما من أهل العلم . ويكون الزيت من بيت المال ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به القاطع ، وذلك يقتضي أن يكون من بيت المال ، فإن لم يحسم ، فذكر القاضي أنه لا شيء عليه ; لأن عليه القطع ، لا مداواة المحدود . ويستحب للمقطوع حسم نفسه ، فإن لم يفعل لم يأثم ; لأنه ترك التداوي في المرض . وهذا مذهب الشافعي

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية