الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نزل

                                                          نزل : النزول : الحلول ، وقد نزلهم ونزل عليهم ونزل بهم ينزل نزولا ومنزلا ومنزلا ، بالكسر شاذ ، أنشد ثعلب :


                                                          أإن ذكرتك الدار منزلها

                                                          جمل أراد : أإن ذكرتك نزول جمل إياها ; الرفع في قوله منزلها صحيح ، وأنث النزول حين أضافه إلى مؤنث ، قال ابن بري : تقديره أإن ذكرتك الدار نزولها جمل ، فجمل فاعل بالنزول ، والنزول مفعول ثان بذكرتك . وتنزله وأنزله ونزله بمعنى ، قال سيبويه : وكان أبو عمرو يفرق بين نزلت وأنزلت ولم يذكر وجه الفرق ، قال أبو الحسن : لا فرق عندي بين نزلت وأنزلت إلا صيغة التكثير في نزلت في قراءة ابن مسعود : وأنزل الملائكة تنزيلا ، أنزل : كنزل ، وقول ابن جني : المضاف والمضاف إليه عندهم وفي كثير من تنزيلاتهم كالاسم الواحد ; إنما جمع تنزيلا هنا لأنه أراد للمضاف والمضاف إليه تنزيلات في وجوه كثيرة منزلة الاسم الواحد ، فكنى بالتنزيلات عن الوجوه المختلفة ; ألا ترى أن المصدر لا وجه له إلا تشعب الأنواع وكثرتها ؟ مع أن ابن جني تسمح بهذا تسمح تحضر وتحذق ، فأما على مذهب العرب فلا وجه له إلا ما قلنا . والنزل : المنزل ; عن الزجاج ، وبذلك فسر قوله تعالى : وجعلنا جهنم للكافرين نزلا ، وقال في قوله - عز وجل - : جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله ، قال : نزلا مصدر مؤكد لقوله خالدين فيها لأن خلودهم فيها إنزالهم فيها . وقال الجوهري : جنات الفردوس نزلا ، قال الأخفش : هو من نزول الناس بعضهم على بعض . يقال : ما وجدنا عندكم نزلا . والمنزل ، بفتح الميم والزاي : النزول وهو الحلال ، تقول : نزلت نزولا ومنزلا ، وأنشد أيضا :


                                                          أإن ذكرتك الدار منزلها جمل     بكيت ، فدمع العين منحدر سجل

                                                          ؟ نصب المنزل لأنه مصدر . وأنزله غيره واستنزله بمعنى ، ونزله تنزيلا ، والتنزيل أيضا : الترتيب . والتنزل : النزول في مهلة . وفي الحديث : " إن الله - تعالى وتقدس - ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا " ، النزول والصعود والحركة والسكون من صفات الأجسام ، والله - عز وجل - يتعالى عن ذلك ويتقدس ، والمراد به نزول الرحمة والألطاف الإلهية وقربها من العباد ، وتخصيصها بالليل وبالثلث الأخير منه لأنه وقت التهجد وغفلة الناس عمن يتعرض لنفحات رحمة الله ، وعند ذلك تكون النية خالصة والرغبة إلى الله - عز وجل - وافرة ، وذلك مظنة القبول والإجابة . وفي حديث الجهاد : لا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك ، أي إذا طلب العدو منك الأمان والذمام على حكم الله فلا تعطهم ، وأعطهم على حكمك ، فإنك ربما تخطئ في حكم الله تعالى أو لا تفي به فتأثم . يقال : نزلت عن الأمر إذا تركته كأنك كنت مستعليا عليه مستوليا . ومكان نزل : ينزل فيه كثيرا ; عن اللحياني . ونزل من علو إلى سفل : انحدر . والنزال في الحرب : أن يتنازل الفريقان ، وفي المحكم : أن ينزل الفريقان عن إبلهما إلى خيلهما فيتضاربوا ، وقد تنازلوا . ونزال نزال أي انزل ، وكذا الاثنان والجمع والمؤنث بلفظ واحد ، واحتاج الشماخ إليه فثقله فقال :


                                                          لقد علمت خيل بموقان     أنني أنا الفارس الحامي

                                                          ، إذا قيل : نزال الجوهري : ونزال مثل قطام بمعنى انزل ، وهو معدول عن المنازلة ، ولهذا أنثه الشاعر بقوله :


                                                          ولنعم حشو الدرع أنت     إذا دعيت نزال ، ولج في الذعر

                                                          قال ابن بري : ومثله لزيد الخيل :


                                                          وقد علمت سلامة أن سيفي     كريه ، كلما دعيت نزال

                                                          وقال حريبة الفقعسي :


                                                          عرضنا نزال ، فلم ينزلوا     وكانت نزال عليهم أطم

                                                          قال : وقول الجوهري نزال معدول من المنازلة ، يدل على أن نزال بمعنى المنازلة لا بمعنى النزول إلى الأرض ، قال : ويقوي ذلك قول الشاعر أيضا :


                                                          ولقد شهدت الخيل ، يوم طرادها     بسليم أوظفة القوائم هيكل

                                                          فدعوا : نزال ! فكنت أول نازل ، وعلام أركبه إذا لم أنزل ؟ وصف فرسه بحسن الطراد فقال : وعلام أركبه إذا لم أنازل الأبطال عليه ؟ وكذلك قول الآخر :

                                                          فلم أذخر الدهماء عند الإغارة ، إذا أنا لم أنزل إذا الخيل جالت ؟ فهذا بمعنى المنازلة في الحرب والطراد لا غير ، قال : ويدلك على أن نزال في قوله : فدعوا نزال بمعنى المنازلة دون النزول إلى الأرض قوله :

                                                          وعلام أركبه إذا لم أنزل ؟ أي ولم أركبه إذا لم أقاتل عليه أي في حين عدم قتالي عليه ، وإذا جعلت نزال بمعنى النزول إلى الأرض صار المعنى : وعلام أركبه حين لم أنزل إلى الأرض ، قال : ومعلوم أنه حين لم ينزل هو راكب فكأنه قال : وعلام أركبه في حين أنا راكب ، قال ومما يقوي ذلك قول زهير :


                                                          ولنعم حشو الدرع أنت ، إذا دعيت نزال

                                                          ، ولج في الذعر ألا ترى أنه لم يمدحه بنزوله إلى الأرض خاصة بل في كل حال ؟ ولا تمدح الملوك بمثل هذا ، ومع هذا فإنه في صفة الفرس من الصفات الجليلة وليس نزوله إلى الأرض مما تمدح به الفرس ، وأيضا فليس النزول إلى الأرض هو العلة في الركوب . وفي الحديث : نازلت ربي في كذا أي راجعته وسألته مرة بعد مرة ، وهو مفاعلة من النزول عن الأمر ، أو من النزال في الحرب . والنزيل : الضيف ، وقال :


                                                          نزيل القوم أعظمهم حقوقا     وحق الله في حق النزيل

                                                          سيبويه : ورجل نزيل نازل . وأنزال القوم : أرزاقهم . والنزل والنزل : ما هيئ للضيف إذا نزل عليه . ويقال : إن فلانا لحسن النزل والنزل أي الضيافة ، وقال ابن السكيت في قوله :

                                                          [ ص: 238 ] فجاءت بيتن للنزالة أرشما قال : أراد لضيافة الناس ، يقول : هو يخف لذلك ، وقال الزجاج في قوله : أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ، يقول : أذلك خير في باب الأنزال التي يتقوت بها وتمكن معها الإقامة أم نزل أهل النار ، قال : ومعنى أقمت لهم نزلهم أي أقمت لهم غذاءهم وما يصلح معه أن ينزلوا عليه . الجوهري : والنزل ما يهيأ للنزيل ، والجمع الأنزال . وفي الحديث : " اللهم إني أسألك نزل الشهداء " ، النزل في الأصل : قرى الضيف وتضم زايه ; يريد ما للشهداء عند الله من الأجر والثواب ، ومنه حديث الدعاء للميت : " وأكرم نزله " . والمنزل : الإنزال ، تقول : أنزلني منزلا مباركا . ونزل القوم : أنزلهم المنازل . ونزل فلان عيره : قدر لها المنازل . وقوم نزل : نازلون . والمنزل والمنزلة : موضع النزول . قال ابن سيده : وحكى اللحياني منزلنا بموضع كذا ، قال : أراه يعني موضع نزولنا ، قال : ولست منه على ثقة ، وقوله :

                                                          درس المنا بمتالع فأبان إنما أراد المنازل فحذف ، وكذلك قول الأخطل :


                                                          أمست مناها بأرض ما يبلغها     بصاحب الهم ، إلا الجسرة الأجد

                                                          أراد : أمست منازلها فحذف ، قال : ويجوز أن يكون أراد بمناها قصدها ; فإذا كان كذلك فلا حذف . الجوهري : والمنزل المنهل ، والدار والمنزلة مثله ، قال ذو الرمة :


                                                          أمنزلتي مي ، سلام عليكما !     هل الأزمن اللائي مضين رواجع

                                                          ؟ والمنزلة : الرتبة ، لا تجمع . واستنزل فلان أي حط عن مرتبته . والمنزل : الدرجة . قال سيبويه : وقالوا هو مني منزلة الشغاف أي هو بتلك المنزلة ، ولكنه حذف كما قالوا دخلت البيت وذهبت الشام لأنه بمنزلة المكان وإن لم يكن مكانا ، يعني بمنزلة الشغاف ، وهذا من الظروف المختصة التي أجريت مجرى غير المختصة . وفي حديث ميراث الجد : أن أبا بكر أنزله أبا أي جعل الجد في منزلة الأب وأعطاه نصيبه من الميراث . والنزالة : ما ينزل الفحل من الماء ، وخص الجوهري فقال : النزالة ، بالضم ، ماء الرجل . وقد أنزل الرجل ماءه إذا جامع ، والمرأة تستنزل ذلك . والنزلة : المرة الواحدة من النزول . والنازلة : الشديدة تنزل بالقوم ، وجمعها النوازل . المحكم : والنازلة الشدة من شدائد الدهر تنزل بالناس ، نسأل الله العافية . التهذيب : يقال تنزلت الرحمة . المحكم : نزلت عليهم الرحمة نزل عليهم العذاب ، كلاهما على المثل . نزل به الأمر : حل ، وقوله أنشده ثعلب :


                                                          أعزز علي بأن تكون عليلا !     أو أن يكون بك السقام نزيلا

                                                          ! جعله كالتنزيل من الناس أي وأن يكون بك السقام نازلا . ونزل القوم : أتوا منى ، قال ابن أحمر :


                                                          وافيت لما أتاني أنها نزلت     إن المنازل مما تجمع العجبا

                                                          أي أتت منى ، وقال عامر بن الطفيل :


                                                          أنازلة أسماء أم غير نازله ؟     أبيني لنا ، يا أسم ، ما أنت فاعله

                                                          والنزل : الريع والفضل ، وكذلك النزل . المحكم : النزل والنزل ، بالتحريك ، ريع ما يزرع أي زكاؤه وبركته ، والجمع أنزال ، وقد نزل نزلا . وطعام نزل : ذو نزل ، ونزيل : مبارك ; الأخيرة عن ابن الأعرابي . وطعام قليل النزل والنزل ، بالتحريك ، أي قليل الريع ، وكثير النزل والنزل ، بالتحريك . وأرض نزلة : زاكية الزرع والكلإ . وثوب نزيل : كامل . ورجل ذو نزل : كثير الفضل والعطاء والبركة ، قال لبيد :


                                                          ولن تعدموا في الحرب ليثا مجربا     وذا نزل ، عند الرزية ، باذلا

                                                          والنزلة : كالزكام ، يقال : به نزلة ، وقد نزل . وقوله - عز وجل - : ولقد رآه نزلة أخرى ، قالوا : مرة أخرى . والنزل : المكان الصلب السريع السيل . وأرض نزلة : تسيل من أدنى مطر . ومكان نزل : سريع السيل . أبو حنيفة : واد نزل يسيله القليل الهين من الماء . والنزل : المطر . ومكان نزل : صلب شديد . وقال أبو عمرو : مكان نزل واسع بعيد ، وأنشد :

                                                          وإن هدى منها انتقال النقل ، في متن ضحاك الثنايا نزل وقال ابن الأعرابي : مكان نزل إذا كان مجالا مرتا ، وقيل : النزل من الأودية الضيق منها . الجوهري : أرض نزلة ومكان نزل بين النزالة إذا كانت تسيل من أدنى مطر لصلابتها ، وقد نزل ، بالكسر . وحظ نزل أي مجتمع . ووجدت القوم على نزلاتهم أي منازلهم . وتركت القوم على نزلاتهم ونزلاتهم أي على استقامة أحوالهم مثل سكناتهم ; زاد ابن سيده : لا يكون إلا في حسن الحال . ومنازل بن فرعان : من شعرائهم ، وكان منازل عق أباه فقال فيه :


                                                          جزت رحم ، بيني وبين منازل     جزاء كما يستخبر الكلب طالبه

                                                          فعق منازلا ابنه خليج فقال فيه :


                                                          تظلمني مالي خليج ، وعقني     على حين كانت كالحني عظامي

                                                          .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية