الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نفي

                                                          نفي : نفى الشيء ينفي نفيا : تنحى ، ونفيته أنا نفيا ، قال الأزهري : ومن هذا يقال نفى شعر فلان ينفي : إذا ثار واشعان ، ومنه قول محمد بن كعب القرظي لعمر بن عبد العزيز حين استخلف فرآه شعثا فأدام النظر إليه ، فقال له عمر : ما لك تديم النظر إلي ؟ فقال : أنظر إلى ما نفى من شعرك وحال من لونك . ومعنى نفى هاهنا أي ثار وذهب وشعث وتساقط ، وكان رآه قبل ذلك ناعما فينان الشعر فرآه متغيرا عما كان عهده فتعجب منه وأدام النظر إليه ، وكان عمر قبل الخلافة منعما مترفا فلما استخلف تشعث وتقشف . وانتفى شعر الإنسان ونفى : إذا تساقط . والسيل ينفي الغثاء : يحمله ويدفعه ، قال أبو ذؤيب يصف يراعا :


                                                          سبي من أباءته نفاه أتي مده صحر ولوب



                                                          ونفيان السيل : ما فاض من مجتمعه كأنه يجتمع في الأنهار الإخاذات ثم يفيض إذا ملأها ، فذلك نفيانه . ونفى الرجل عن الأرض ونفيته عنها : طردته فانتفى ، قال القطامي :


                                                          فأصبح جاراكم قتيلا ونافيا     أصم فزادوا في مسامعه وقرا



                                                          أي منتفيا . ونفوته : لغة في نفيته . يقال : نفيت الرجل وغيره أنفيه نفيا إذا طردته . قال الله تعالى : أو ينفوا من الأرض قال بعضهم : معناه من قتله فدمه هدر أي لا يطالب قاتله بدمه ، وقيل : أو ينفوا من الأرض يقاتلون حيثما توجهوا منها ؛ لأنه كون ، وقيل : نفيهم إذا لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا أن يخلدوا في السجن إلا أن يتوبوا قبل أن يقدر عليهم . ونفي الزاني الذي لم يحصن : أن ينفى من بلده الذي هو به إلى بلد آخر سنة ، وهو التغريب الذي جاء في الحديث . ونفي المخنث : أن لا يقر في مدن المسلمين ، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفي هيت وماتع وهما مخنثان كانا بالمدينة ، وقال بعضهم : اسمه هنب بالنون ، وإنما سمي هنبا لحمقه . وانتفى منه : تبرأ . ونفى الشيء نفيا : جحده . ونفى ابنه : جحده ، وهو نفي منه فعيل بمعنى مفعول . يقال : انتفى فلان من ولده إذا نفاه عن أن يكون له ولدا . وانتفى فلان من فلان ، وانتفل منه إذا رغب عنه أنفا واستنكافا . ويقال : هذا ينافي ذلك ، وهما يتنافيان . ونفت الريح التراب نفيا ونفيانا : أطارته . والنفي : ما نفته . وفي الحديث : المدينة كالكير تنفي خبثها أي تخرجه عنها ، وهو من النفي الإبعاد عن البلد . يقال : نفيته أنفيه نفيا إذا أخرجته من البلد وطردته . ونفي القدر : ما جفأت به عند الغلي . الليث : نفي الريح ما نفى من التراب من أصول الحيطان ونحوه ، وكذلك نفي المطر ونفي القدر . الجوهري : نفي الريح ما تنفي في أصول الشجر من التراب ونحوه ، والنفيان مثله ويشبه به ما يتطرف من معظم الجيش ، وقالت العامرية :


                                                          وحرب يضج القوم من نفيانها     ضجيج الجمال الجلة الدبرات



                                                          ونفت السحابة الماء : مجته وهو النفيان ، قال سيبويه : هو السحاب ينفي أول شيء رشا أو بردا ، وقال : إنما دعاهم للتحريك أن [ ص: 330 ] بعدها ساكنا فحركوا كما قالوا رميا وغزوا ، وكرهوا الحذف مخافة الالتباس ، فيصير كأنه فعال من غير بنات الواو والياء ، وهذا مطرد إلا ما شذ . الأزهري : ونفيان السحاب ما نفته السحابة من مائها فأسالته ، وقال ساعدة الهذلي :


                                                          يقرو به نفيان كل عشية     فالماء فوق متونه يتصبب



                                                          والنفوة : الخرجة من بلد إلى بلد . والطائر ينفي بجناحيه نفيانا كما تنفي السحابة الرش والبرد . والنفيان والنفي والنثي : ما وقع عن الرشاء من الماء على ظهر المستقي لأن الرشاء ينفيه ، وقيل : هو تطاير الماء عن الرشاء عند الاستقاء ، وكذلك هو من الطين . الجوهري : ونفي المطر على فعيل ما تنفيه وترشه وكذلك ما تطاير من الرشاء على ظهر الماتح ، قال الأخيل :


                                                          كأن متنيه من النفي     من طول إشرافي على الطوي
                                                          مواقع الطير على الصفي



                                                          قال ابن سيده : كذا أنشده أبو علي ، وأنشده ابن دريد في الجمهرة : كأن متني ، قال : وهو الصحيح ، لقوله بعده :


                                                          من طول إشرافي على الطوي



                                                          وفسره ثعلب فقال : شبه الماء وقد وقع على متن المستقي بذرق الطائر على الصفي ، قال الأزهري : هذا ساق كان أسود الجلدة واستقى من بئر ملح ، وكان يبيض نفي الماء على ظهره إذا ترشش ؛ لأنه كان ملحا . ونفي الماء : ما انتضح منه إذا نزع من البئر . والنفي : ما نفته الحوافر من الحصى وغيره في السير ، وأتاني نفيكم أي وعيدكم الذي توعدونني . ونفاية الشيء : بقيته وأردؤه . وكذلك نفاوته ونفاته ونفايته ونفوته ونفيته ونفيه ، وخص ابن الأعرابي به رديء الطعام . قال ابن سيده : وذكرنا النفوة والنفاوة هاهنا ؛ لأنها معاقبة إذ ليس في الكلام " ن ف و " وضعا . والنفاية : المنفي القليل مثل البراية والنحاتة . أبو زيد : النفية والنفوة وهما الاسم لنفي الشيء إذا نفيته . الجوهري : والنفوة ، بالكسر ، والنفية أيضا كل ما نفيت . والنفاية ، بالضم : ما نفيته من الشيء لرداءته . ابن شميل : يقال للدائرة التي في قصاص الشعر النافية ، وقصاص الشعر مقدمه . ويقال : نفيت الشعر أنفيه نفيا ونفاية إذا رددته . والنفية : شبه طبق من خوص ينفى به الطعام . والنفية والنفيه : سفرة مدورة تتخذ من خوص ، الأخيرة عن الهروي . ابن الأعرابي : النفية والنفية شيء مدور يسف من خوص النخل تسميها الناس النبية وهي النفية . وفي الحديث عن زيد بن أسلم قال : أرسلني أبي إلى ابن عمر وكان لنا غنم ، فجئت ابن عمر فقلت : أأدخل وأنا أعرابي نشأت مع أبي في البادية ؟ فكأنه عرف صوتي فقال : ادخل ، وقال : يا ابن أخي إذا جئت فوقفت على الباب فقل السلام عليكم ، فإذا ردوا عليك السلام فقل : أأدخل ؟ فإن أذنوا وإلا فارجع ، فقلت : إن أبي أرسلني إليك تكتب إلى عاملك بخيبر يصنع لنا نفيتين نشرر عليهما الأقط ، فأمر قيمه لنا بذلك ، فبينما أنا عنده خرج عبد الله بن واقد من البيت إلى الحجرة وإذا عليه ملحفة يجرها فقال : أي بني ارفع ثوبك ، فإني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا ينظر الله إلى عبد يجر ثوبه من الخيلاء ، فقال : يا أبت إنما بي دماميل ، قال أبو الهيثم : أراد بنفيتين سفرتين من خوص ، قال ابن الأثير : يروى نفيتين بوزن بعيرين وإنما هو نفيتين على وزن شقيتين ، واحدتهما نفية كطوية ، وهي شيء يعمل من الخوص شبه الطبق عريض . وقال الزمخشري : قال النضر : النفتة بوزن الظلمة ، وعوض الياء تاء فوقها نقطتان ، وقال غيره : هي بالياء وجمعها نفى كنهية ونهى ، والكل شيء يعمل من الخوص مدور واسع كالسفرة . والنفي : بغير هاء : ترس يعمل من خوص . وكل ما رددته فقد نفيته . ابن بري : والنفأ لمع من البقل واحدته نفأة ؛ قال :


                                                          نفأ من القراص والزباد



                                                          وما جربت عليه نفية في كلامه أي سقطة وفضيحة . ونفيت الدراهم : أثرتها للانتقاد ؛ قال :


                                                          تنفي يداها الحصى في كل هاجرة     نفي الدراهم تنقاد الصياريف



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية