الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نوح

                                                          نوح : النوح : مصدر ناح ينوح نوحا . ويقال : نائحة ذات نياحة . ونواحة ذات مناحة . والمناحة : الاسم ويجمع على المناحات والمناوح . والنوائح : اسم يقع على النساء يجتمعن في مناحة ويجمع على الأنواح ، قال لبيد :


                                                          قوما تنوحان مع الأنواح



                                                          ونساء نوح وأنواح ونوح ونوائح ونائحات ، ويقال : كنا في مناحة فلان . وناحت المرأة تنوح نوحا ونواحا ونياحا ونياحة ومناحة وناحته وناحت عليه . والمناحة والنوح : النساء يجتمعن للحزن ، قال أبو ذؤيب :


                                                          فهن عكوف كنوح الكري     م قد شف أكبادهن الهوي



                                                          وقوله أنشده ثعلب :


                                                          ألا هلك امرؤ قامت عليه     بجنب عنيزة البقر الهجود
                                                          [ ص: 379 ] سمعن بموته فظهرن نوحا     قياما ما يحل لهن عود

                                                          صير البقر نوحا على الاستعارة ، وجمع النوح أنواح ، قال لبيد :


                                                          كأن مصفحات في ذراه     وأنواحا عليهن المآلي



                                                          ونوح الحمامة : ما تبديه من سجعها على شكل النوح ، والفعل كالفعل ، قال أبو ذؤيب :


                                                          فوالله لا ألقى ابن عم كأنه     نشيبة ما دام الحمام ينوح



                                                          وحمامة نائحة ونواحة . واستناح الرجل : كناح . واستناح الرجل : بكى حتى استبكى غيره ، وقول أوس :


                                                          وما أنا ممن يستنيح بشجوه     يمد له غربا جزور وجدول



                                                          معناه : لست أرضى أن أدفع عن حقي وأمنع حتى أحوج إلى أن أشكو فأستعين بغيري ، وقد فسر على المعنى الأول ، وهو أن يكون يستنيح بمعنى ينوح . واستناح الذئب : عوى فأدنت له الذئاب ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          مقلقة للمستنيح العساس



                                                          يعني الذئب الذي لا يستقر . والتناوح : التقابل ، ومنه تناوح الجبلين وتناوح الرياح ، ومنه سميت النساء النوائح نوائح ، لأن بعضهن يقابل بعضا إذا نحن ، وكذلك الرياح إذا تقابلت في المهب لأن بعضها يناوح بعضا ويناسج ، فكل ريح استطالت أثرا فهبت عليه ريح طولا فهي نيحته ، فإن اعترضته فهي نسيجته ، وقال الكسائي في قول الشاعر :


                                                          لقد صبرت حنيفة صبر قوم     كرام تحت أظلال النواحي



                                                          أراد النوائح فقلب وعنى بها الرايات المتقابلة في الحروب ، وقيل : عنى بها السيوف ، والرياح إذا اشتد هبوبها يقال : تناوحت ، وقال لبيد يمدح قومه :


                                                          ويكللون إذا الرياح تناوحت     خلجا تمد شوارعا أيتامها



                                                          والرياح النكب في الشتاء : هي المتناوحة ، وذلك أنها لا تهب من جهة واحدة ، ولكنها تهب من جهات مختلفة ، سميت متناوحة لمقابلة بعضها بعضا وذلك في السنة وقلة الأندية ويبس الهواء وشدة البرد .

                                                          ويقال : هما جبلان يتناوحان وشجرتان تتناوحان إذا كانتا متقابلتين وأنشد :


                                                          كأنك سكران يميل برأسه     مجاجة زق شربها متناوح



                                                          أي يقابل : بعضهم بعضا عند شربها . والنوحة : القوة ، وهي النيحة أيضا . وتنوح الشيء تنوحا إذا تحرك وهو متدل ، ونوح : اسم نبي معروف ينصرف مع العجمة والتعريف ، وكذلك كل اسم على ثلاثة أحرف أوسطه ساكن مثل لوط لأن خفته عادلت أحد الثقلين . وفي حديث ابن سلام : لقد قلت القول العظيم يوم القيامة في الخليفة من بعد نوح ، قال ابن الأثير : قيل : أراد بنوح عمر - رضي الله عنه - وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استشار أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - في أسارى بدر ، فأشار عليه أبو بكر - رضي الله عنه - بالمن عليهم ، وأشار عليه عمر - رضي الله عنه - بقتلهم ، فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر - رضي الله عنه - وقال : إن إبراهيم كان ألين في الله من الدهن اللين ، وأقبل على عمر - رضي الله عنه - وقال : إن نوحا كان أشد في الله من الحجر . فشبه أبا بكر بإبراهيم حين قال : فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ، وشبه عمر - رضي الله عنه - بنوح حين قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ، وأراد ابن سلام أن عثمان - رضي الله عنه - خليفة عمر الذي شبه بنوح ، وأراد بيوم القيامة يوم الجمعة لأن ذلك القول كان فيه . وعن كعب : أنه رأى رجلا يظلم رجلا يوم الجمعة ، فقال : ويحك تظلم رجلا يوم القيامة ، والقيامة تقوم يوم الجمعة ؟ وقيل : أراد أن هذا القول جزاؤه عظيم يوم القيامة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية