الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 14 ] ومن عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه ، أفطر وأطعم كل يوم مسكينا . والمريض إذا خاف الضرر والمسافر استحب لهما الفطر ، وإن صاما ، أجزأهما ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره . ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر وإن نوى الحاضر صوم يوم ، ثم سافر في أثنائه فله الفطر وعنه : لا يجوز

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ومن عجز عن الصوم لكبر ) وهو الهم والهمة ( أو مرض لا يرجى برؤه أفطر ) أي : له ذلك إجماعا ( وأطعم عن كل يوم مسكينا ) لقول ابن عباس : في قوله - تعالى - وعلى الذين يطيقونه فدية ليست بمنسوخة هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصوم يطعمان مكان كل يوم مسكينا . رواه البخاري ، ومعناه عن ابن أبي ليلى عن معاذ ولم يدركه . رواه أحمد . والمراد بالإطعام : ما يجزئ في الكفارة ، فلو كان الكبير مسافرا ومريضا فأفطر ، فلا فدية عليه ذكره في " الخلاف " ولا قضاء للعجز عنه ، ويعايا بها ، وإن أطعم ثم قدر على القضاء ، فكمعضوب حج عنه ثم عوفي ذكره المجد . وظاهره أنه لا يجب القضاء بل يتعين الإطعام .

                                                                                                                          ( والمريض إذا خاف الضرر والمسافر ) وهو من له القصر ( استحب لهما الفطر ) لقوله - تعالى - فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أي : فأفطر ، وقد روى الترمذي مرفوعا : إن الله وضع عن المسافر الصوم وقال : حديث حسن . ولأن فيه قبول الرخصة مع التلبس بالأخف ، لقوله - عليه السلام - : ما خيرت بين أمرين إلا اخترت أيسرهما ويشترط له أن يخاف زيادة المرض أو بطء برئه ، فإن لم يتضرر به لم يفطر ، وجزم به في " الرعاية " في وجع رأس وحمى ، ثم قال إلا أن ينضر ، قيل لأحمد : متى يفطر المريض ؛ قال : إذا لم يستطع قيل : مثل الحمى ؛ قال : وأي مرض أشد من الحمى . فلو خاف تلفا بصومه كره ، وجزم جماعة بأنه يحرم ، ولم يذكروا خلافا في الإجزاء ( وإن صاما أجزأهما ) نقله الجماعة ، ونقل حنبل في المسافر : لا يعجبني ، واحتج بقوله - عليه [ ص: 15 ] السلام - : ليس من البر الصوم في السفر وعمر وأبو هريرة يأمرانه بالإعادة ، والسنة الصحيحة ترد هذا القول ، وحملها على رواية الجماعة أولى من عدم الإجزاء وظاهره أنه يجزئ كراهة ، وقد سأله إسحاق بن إبراهيم عن الصوم فيه لمن قوي فقال : لا يصوم . وحكاه المجد عن الأصحاب . قال : وعندي لا يكره لمن قوي ، واختاره الآجري . وليس الصوم فيه أفضل ، وفرق بينه وبين رخصة القصر أنها مجمع عليها تبرأ بها الذمة ، ورد بصوم المريض ( ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره ) من قضاء وفدية وغيرهما ، لأن الفطر أبيح تخفيفا ورخصة ، فإذا لم يرده لزمه الإتيان بالأصل كالجمعة ، وكالمقيم الصحيح ، ولأنه لو قبل صوما من المعذور ، لقبله من غيره كسائر الزمان المتضيق للعبادة ، فلو نوى صوما غير رمضان فهل يقع باطلا أم يقع ما نواه ؛ هي مسألة تعيين النية .

                                                                                                                          تنبيه : إذا خاف من به شبق تشقق أنثييه ، أو به مرض ينتفع فيه بوطء ساغ له الوطء ، وقضى بلا كفارة نقله الشالنجي إن لم تندفع شهوته بغيره ، وإلا لم يجز ، وكذا إن أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته لم يجز ، وإلا جاز للضرورة فوطء صائمة أولى من حائض ، وقيل : يتخير ، وإن تعذر قضاؤه لدوام شبقه فككبير عجز عنه .

                                                                                                                          ( ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر ) لفطره - عليه السلام - كما روي في الأخبار الصحيحة . وظاهره ولو بالجماع ، لأن من له الأكل له الجماع كمن لم ينو ، وذكر جماعة أنه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعده ، وعنه : لا يجوز بالجماع ، لأنه لا يقوى على السفر ، فعليها إن جامع كفر ، والمذهب : لا . قال في " الفروع " : وهو [ ص: 16 ] أظهر ( وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر ) لظاهر الآية ، والأخبار الصريحة منها ما روى عبيد بن جبير قال : ركبت مع أبي بصرة الغفاري من الفسطاط في شهر رمضان ، ثم قرب غداءه فقال : اقترب قلت : ألست ترى البيوت ؛ قال : أترغب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فأكل رواه أبو داود . ولأن السفر يبيح الفطر ، فأباحه في أثناء النهار كالمرض الطارئ ولو بفعله ، والصلاة لا يشق إتمامها ، وهي آكد لأنها متى وجب إتمامها لم يقصر بحال وترك الفطر أفضل سواء سافر طوعا أو كرها ، ذكره جماعة ، فيعايا بها . وليس له الفطر قبل خروجه ، لأنه ليس مسافرا ( وعنه : لا يباح ) وقاله له أكثر العلماء لأن الصوم عبادة تختلف بالسفر ، والحضر ، فإذا اجتمعا غلب حكم الحضر كالصلاة ، وعنه : لا يجوز بجماع لآكديته ، فعلى المنع يكفر من ، وطئ ، وجعلها بعضهم كمن نوى الصوم في سفره ثم جامع .




                                                                                                                          الخدمات العلمية