الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وأفضلها المسجد الحرام ، ثم مسجد المدينة ، ثم الأقصى فإذا نذره في الأفضل لم يجزئه في غيره ، وإن نذره في غيره فله فعله فيه ، وإن نذر اعتكاف شهر بعينه لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته إلى انقضائه وإن نذر شهرا مطلقا لزمه شهر متتابع ، وإن نذر أياما معدودة فله تفريقها إلا عند القاضي ، وإن نذر أياما أو ليالي متتابعة لزمه ما يتخللها من ليل أو نهار .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وأفضلها المسجد الحرام ) لما روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه . رواه ابن ماجه من رواية أبي الخطاب الدمشقي ، وهو مجهول ، وفي رواية لأحمد : وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة ، ( ثم مسجد المدينة ) لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام . متفق عليه . وقال عمر بن الخطاب ، وجمع : المدينة أفضل فدل أن مسجدها أفضل ، وقال في رواية ابن أشهب : إن معنى الحديث أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة فيه بدون الألف .

                                                                                                                          وجوابه : رواية أحمد السابقة ، ويستثنى منه موضع قبره - عليه الصلاة والسلام - فإنه أفضل بقاع الأرض ، ثم الأقصى لما روى أبو الدرداء مرفوعا قال : صلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة وفي حديث أبي المهاجر نحوه فإذا نذره في الأفضل كالمسجد الحرام لم يجزئه في غيره ; لأنه أفضلها احتج به الإمام والأصحاب ، وإن نذره في غيره فله فعله فيه أي : إذا نذره في [ ص: 71 ] مسجد الرسول أو الأقصى فله فعله في المسجد الحرام ;لأفضليته ، وإن نذره في مسجد الرسول لم يجزئه غيره إلا المسجد الحرام ، وإذا عين الأقصى أجزأه المسجدان فقط نص عليه لأفضليتهما عليه ، ويستثنى منه ما إذا نذر الاعتكاف في هذه المساجد فدخل فيه ، ثم انهدم معتكفه ، والعياذ بالله - تعالى - ، ولم يمكنه المقام فيه أتمه في غيره لزوما ، ولم يبطل اعتكافه ذكره في " الشرح " .

                                                                                                                          ( وإن نذر اعتكاف شهر بعينه ) تعين عليه و ( لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته ) أي : قبل غروب الشمس ، نص عليه ، إذ الشهر يدخل بدخول الليلة بدليل ترتب الأحكام المعلقة به من حلول الدين ، ووقوع الطلاق ، والعتاق المعلقين به ، وما لا يتم الواجب إلا به واجب ، وعنه : يدخل قبل فجرها الثاني روي عن الليث ، واستدل له بقول عائشة : كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ، ثم دخل معتكفه . متفق عليه . ولأن الصوم شرط فيه فلم يجب ابتداؤه قبل شرطه ، وليس بظاهر ; لأنه - عليه السلام - لم يدخل إلا بعد الصبح وهم يوجبون الدخول قبل ذلك ، مع أن اعتكافه كان تطوعا ، والتطوع متى شاء شرع . على أن ابن عبد البر قال : لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا الحديث ، وفيه نظر ; لأنه قول الأوزاعي ، وإسحاق ، ورواية عن أحمد فيما إذا أراد أن يعتكف العشر الأخير تطوعا فإنه يدخل بعد صلاة الفجر أول يوم منه ، وحمل على الجواز ، وقال القاضي : يحتمل أنه كان يفعل يوم العشرين ليستظهر ببياض يوم زيادة ، والمنصوص أنه يدخل قبل ليلته الأولى ( إلى انقضائه ) لدخوله في مسمى نذره ، وفيه إشارة أنه لا يلزمه سوى الشهر ، وإن كان ناقصا ; لأن ذلك مقتضى نذره لكن إذا اعتكف رمضان ، أو العشر الأخير ، استحب أن يبيت ليلة [ ص: 72 ] العيد في معتكفه ، ويخرج منه إلى المصلى ، نص عليه ، ليصل طاعة بطاعة .

                                                                                                                          ( وإن نذر شهرا مطلقا ، لزمه شهر متتابع ) نص عليه ، وذكره القاضي وجها واحدا ; لأنه معنى يصح ليلا ونهارا فإذا أطلقه لزمه التتابع ، وكقوله : لا كلمت زيدا شهرا ، وكمدة العدة والإيلاء ، وصرح به في الكفارة تأكيدا ، وعنه : لا ، اختارها الآجري ، وصححها ابن شهاب وغيره لصحة إطلاقه على ذلك ، ولهذا يصح تقييده بالتتابع بخلاف اليمين ويدخل معتكفه قبل الغروب من أول ليلة منه على الأصح ، ولا يخرج إلا بعد غروب الشمس آخر أيامه ، ويكفيه شهر هلالي ناقص بلياليه أو ثلاثين يوما بلياليهن ، وثلاثين ليلة فإن ابتدأه في أثناء النهار تممه إلى مثل تلك الساعة في اليوم الحادي والثلاثين ، وكذلك إن ابتدأه في أثناء الليل تممه إلى ما ذكرنا إن لم يعتبر الصوم ، وإن اعتبر فثلاثين ليلة صحاحا بأيامها الكاملة .

                                                                                                                          ( ومن نذر أياما معدودة ) كقوله : لله علي أن أعتكف عشرين يوما ( فله تفريقها ) ولم يلزمه التتابع إلا أن ينويه ; لأن الأيام المطلقة تؤخذ بدون التتابع فلم يلزمه كنذر صومها ، واحتجاج ابن عباس في قضاء رمضان بالآية يدل عليه ( إلا عند القاضي ) فيلزمه التتابع كلفظ الشهر ، فعلى هذا تلزمه الليالي الداخلة في الأيام المنذورة ، وعلى الأول لا ، إلا أن ينوي التتابع أو لشرطه ، وقيل : يلزمه إلا في ثلاثين يوما للقرينة ; لأن العبادة فيه لفظ الشهر وهو ظاهر ، ( وإن نذر أياما أو ليالي متتابعة ) بشرط أو نيته ( لزمه ما يتخللها من ليل ) إذا نذر الأيام ( أو نهار ) إذا نذر الليالي ، نص عليه ; لأن اليوم اسم لبياض النهار [ ص: 73 ] والليلة اسم لسواد الليل ، والتثنية والجمع تكرار الواحد ، وإنما يدخل ما تخلله للزوم التتابع ضمنا ، وخرج ابن عقيل لا يلزمه ، واختاره أبو حكيم لعدم تناول اللفظ له ، وفي ثالث : لا يلزمه الليل فإن نذر اعتكاف يومين ، لزمه يومان وليلة بينهما .

                                                                                                                          تنبيه : إذا نذر اعتكاف يوم معينا أو مطلقا دخل معتكفه قبل فجره الثاني ، وخرج بعد غروب شمسه ; لأنه اسم لليوم ، ولا تلزمه الليلة التي قبله ; لأنها ليست من اليوم ، وإذا نذر ليلة لزمته فقط ، فيدخل قبل الغروب ، ويخرج بعد فجرها الثاني . وإن اعتبرنا الصوم ، لم يلزمه شيء ، وإذا نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه بساعات من أيام ; لأنه يفهم منه التتابع أشبه ما لو قيده به ، وإذا قال في وسط النهار : لله علي أن أعتكف يوما من وقتي ، تعين منه إلى مثله ، وفي دخول الليل الخلاف ، وإذا نذر شهرا متفرقا فله تتابعه قال المجد : لأنه أفضل ، كاعتكافه في المسجد الحرام إذا نذر غيره ، وإذا نذر اعتكاف يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم يلزمه شيء ، وإن قدم في بعض النهار لزمه اعتكاف الباقي ، ولم يلزمه قضاء ما مضى منه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية