الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            القيم الإسلامية التربوية والمجتمع المعاصر

            عبد المجيد بن مسعود

            تحديد مفاهيم البحث

            1- تعريف الهدف وعلاقته بالقيم التربوية الهدف لغة هو الـمشرف من الأرض وإليه يلجأ، والغرض توجه إليه السهام ونحوها.. كل شيء عظيم مرتفع (..) وتلتقي هذه الشروح في مفهوم الغرض والارتفاع والانتصاب، أي البروز والظهور.. أما اصطلاحا فقد حدد بأنه: (ما انعقد العزم على إحداثه في المتعلم، من تحول في مستوى المعارف والمهارات والمواقف، بشرط أن يقع التثبت من حصول ذلك التحول إثر فترة من التكوين تحدد مسبقا) [1]

            وقد حصر رجال التربية الأهداف في أنواع محددة، تتناسب مع ما تتركب منه الشخصية الإنسانية من أبعاد من قبيل البعد العقلي والوجداني والسلوكي والأخلاقي، بحيث تتجاوب تلك الأهداف مع تلك الأبعاد، وتشكلها في قالب أو آخر.. وهكذا يمكن الحديث عن أهداف روحية، وأهداف عقلية، ووجدانية، واجتماعية، وأخلاقية. إلا أن هذه الأهداف لا يمكن أن تتحقق أو تأخذ محتواها إلا من خلال نظام من القيم، تتصل كل فئة منه بجانب من جوانب الشخصية الإنسانية لتشكلها -كما سبق القول- وفق نموذج معين.. وتلك القيم تعود بدورها في نهاية المطاف إلى إطار مرجعي شامل تستمد منه [ ص: 34 ] أسسها ومقوماتها.. وذلك الإطار المرجعي، هو ما يعبر عنه بالفلسفة التربوية، التي تعكس رؤية خاصة للكون والإنسان والحياة.

            وحتى تكون العلاقة واضحة بين الأهداف والقيم التربوية، نضرب مثلا يحدد العلاقة بين العنصرين المذكورين في الإسلام.. إن الأهداف في الإسلام تتنوع (حسب الأبعاد المختلفة التي يتكون منها الإنسان والمجتمع. وتتحدد هذه الأبعاد الإنسانية حسب نظرة الإسلام لها، فالإسلام ينظر إلى البعد العقلي وكيفية تنميته بالفكر والعقيدة، وإلى البعد الروحي وكيفية تنميته بالإيمان والعبادة والدعاء، وبالإخلاص في كل جهد بشري وإنساني يقوم به الإنسان في حياته، وإلى البعد النفسي وكيفية تحرير النفس من الهوى الإنساني الجانح إلى السوء، وكيفية ضبط الشهوات والنوازع السيئة فيها حتى تستقيم هذه النفس وتصفو بإيمانها بالله وباطمئنانها إلى خالقها ومسير أمرها. وتنمية النفس بهذه الوسائل، فيه تمهيد لبناء الخلق في الإنسان وإرسائه على أساس من الخيرية والإيثار وحب الناس والإخلاص لهم والتعاون معهم) [2]

            إن العلاقة بين الأهداف والقيم التربوية علاقة وطيدة، بحيث إن الأهداف تستمد مضامينها من معين القيم التربوية التي تكون بهذه المثابة عبارة عن اللحمة والسدى بالنسبة للأهداف التربوية. [ ص: 35 ]

            2- تعريف القيمة

            قبل القيام بتعريف هذا المصطلح أشير إلى أن الدراسة العلمية لمفهوم القيمة تجري ضمن خطين متوازيين هما:

            1- المنظور الفلسفي التجريدي، الذي يجعل نصب عينيه ضبط وتحديد الخصائص البنائية للقيم، أي معناها العام وخصائصها التجريدية [3]

            2- المنظور الإجرائي، ويهدف إلى تحديد الخصائص الوظيفية للقيم، أي وظائفها وكيفية قياسها [4]

            يعرف "نديم علاء الدين" القيمة بأنها: (حكم يصدره الإنسان على الأشياء، وينبع منه الاعتراض والاحتجاج على الوجود كما هو قائم ومفروض، ومن سعي الإنسان لتحويل هذا الوجود وفق ما ينبغي أن يكون، ولذلك فإن القيمة مفهوم له امتداد يطول مختلف مجالات نشاط الإنسان، ويتعدد تبعا لفاعليته. والقيمة نظرا لهذا التعدد، تصبح إمكانا، بسبب تنوع القيم وتنوع الفعل الإنساني) [5]

            ويعرف "كر لنجر" القيمة بأنها: تنظيم الاعتقادات والاختيارات [ ص: 36 ] بالاستناد إلى مراجع تجريدية أو مبادئ، وإلى عادات سلوكية أو أنماط، وإلى غايات الحياة.. تعبر القيم عن أحكام أخلاقية، عن أوامر، عن تفضيل عادات وأنماط للسلوك. إننا نعتبر من قبيل القيم كل ما يهمنا بشكل أساس تحقيقه، وكل ما يهب معنى لحياتنا [6]

            وواضح الطابع الذاتي الذي يهيمن على هذا التعريف وافتقاده للمعايير الموضوعية، فالحياة هنا مفهوم فضفاض.

            ويعرف "بارسونز" القيمة بأنها: (عنصر في نسق رمزي مشترك يعتبر معيارا أو مستوى للاختيار بين بدائل التوجيه التي توجد في الموقف. فكأن القيم هنا تمثل معايير عامة وأساسية يشارك فيها أعضاء المجتمع وتسهم في تحقيق التكامل وتنظيم أنشطة الأعضاء) [7]

            ويعرف "روكتش" القيمة بقوله: (هي معتقد واحد ذو خط في الدوام يحمل في فحواه تفضيلا شخصيا أواجتماعيا لغاية معينة من غايات الوجود، أو لضرب معين من ضروب السلوك الموصلة إلى هذه الغاية) [8]

            إننا إذا أمعنا النظـر في التعاريف الأربعة التي أمامنا، وجدنا عناصر [ ص: 37 ] مشتركة تتردد فيها، فالقيمة في التعريفين الأول والثاني تعبر عن نفسها في مختلف مجالات النشاط الإنساني، كما أنها من خلال التعاريف الأربعة عبارة عن مقياس أو معيار يمكن من الاختيار بين البدائل أو الغايات المتصلة بالوجود وبين ضروب السلوك المختلفة الموصلة إلى الغاية. وعنصر آخر مهم ورد في أحد هذه التعاريف للقيمة، وهي أنها (تسهم في تحقيق التكامل وتنظيم أنشطة الأعضاء) .

            ويرتبط بهذا العنصر كون القيمة تستند إلى مراجع تجريدية أو مبادئ، بمعنى أنها نسق ينطلق من رؤية فلسفية. ومن هنا فالقيمة انطلاقا من هذه الموضوعات، تختلف من حيث طبيعتها وعمقها وإمكانياتها في التأثير لدى التحول إلى أنماط سلوكية في دنيا الواقع، وهذا ما سوف نتبين مدى مصداقيته من خلال الدراسة التي نحن بصددها، والتي تستهدف المقارنة بين نسقين من القيم التربوية: الإسلامي والمادي.

            ولعل من المفيد أن نقول هنا: بأن هذه الخاصية الآنفة الذكر، أي خاصية الانطلاق من مراجع تجريدية، هي الحد الفاصل بين القيم والعادات، أي أن القيم تتفق (مع العادات والاتجاهات في كونها دوافع وطاقات للسلوك، تتأثر بالسياق الثقافي للمجتمع. على أن مصطلح العادة يشير في مفهومه السيكولوجي إلى حركة نمطية بسيطة تجلب [ ص: 38 ] اللذة لمن يقوم بها، أي إنها مجرد سلوك متكرر لفرد معين بطريقة تلقائية في مواقف محددة، في حين أن القيمة تتضمن تنظيمات أكثر تعقيدا من السلوك المتكرر وأكثر تجريدا، كما أنها تنطوي على أحكام معيارية للتمييز بين الصواب والخطأ والخير والشر، وهذا كله لا يمكن توافره في العادة) [9]

            ولا يفوتني المقام لذكر أن الفرق في الإسلام بين العبادة والعادة هو من قبيل هذا الفرق المذكور، على اعتبار أن العبادة تعتبر قيمة تجريدية بفضل النية التي تشترط فيها، وبدونها تصبح مجرد عادة ليس إلا.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية