الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
المقدمة

ليس هـناك من شك في أن العولمة أصبحت ظاهرة تملأ الدنيا وتشغل الناس. ورغم هـذا فالاقترابات من هـذه الظاهرة المهمة سادتها مختلف التحيزات الفكرية والأيديولوجية، فضلا عن الوقوع تحت تأثير المنظور الواحد. إننا نجابه في الواقع تيارين، يسيطر عليهما الانحياز المسبق:

التيار الأول: هـو التيار الغربي الذي يتحيز للعولمة، ويعتبرها قدرا محتوما لا مفر من قبوله بغير تحفظ، بناء على زعم مبني على أن العولمة هـي تطور من أجل صالح الإنسانية جمعاء.

والثاني: وهو تيار العرب والمسلمين وبقية الدول النامية -على عكس الأول- يرفضها بإطلاق، على أساس أنها ليست في حقيقتها سوى إعادة إنتاج لنظام الهيمنة الرأسمالية القديم، أو هـي في عبارة أخرى، تحقيق الأهداف الخالدة للرأسمالية، والتي تتركز في الاستغلال وتحقيق أعلى معدلات الربح، ولو على حساب الفقراء وشعوب العالم الثالث ، وإن كان ذلك بوسائل أخرى!

إلا أننا هـنا نحاول أن نتلمس طريقا ثالثا، عن طريق النقد [ ص: 57 ] الموضوعي للظاهرة، وتحليل بعض تجلياتها التي ظهرت في السنوات الأخيرة، في محاولة نود أن تكون جادة لأن نكتشف بأمانة علمية سلبيات وإيجابيات العولمة، علنا نتمكن من تحديد موقفنا منها، ونتبين الخطوات الإجرائية الواجب اتباعها إزاء هـذه الظاهرة، والتي بدأت تتضح معالمها على المستوى العالمي، منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم.

ويعتبر الاهتمام الواسع للمثقفين العرب والمسلمين بظاهرة العولمة دليل صحة وعافية، رغم اختلاط المفاهيم وغموضها من جهة، وتعددها وتناقضها من جهة أخرى. فالـمعرفة لا تأتي وتصبح جاهزة بالمصادفة، إنما هـي رؤية تتفاعل وتتناقض مع وجهات النظر الأخرى.

وعبر النقد والنقد الذاتي الحر المتواصل تتراكم المعرفة، ويتم انتخاب الصحيح عبر علاقته بالواقع المتغير دائما، واعتبار أن المعرفة الحقيقية أو الصحيحة هـي المقدمة الضرورية التي لا بد منها للتأثير في هـذا الواقع، باتجاه التغيير نحو مستقبل أفضل وأكثر إنسانية للبشرية بأكملها. [ ص: 58 ] وتندرج قصة «العميان والفيل» التي أوردها باحث في العولمة [1]

في إطار التعبير عن تعدد الآراء والمواقف من العولمة. ومن المؤسف أن يتم تشبيه الـمثقفين بالعميان أمام الفيل ضخم الجثة، واعتبار أن كل أعمى على حق في معرفته للفيل، اعتمادا على ما لمسته يداه الصغيرتان.

وهذا الـمنـطـق قـد يـؤدي إلى القـول بـأن الجـمـيـع على خطأ. وهو استنتاج منطقي ولكنه غير صحيح، لأن مقدمة د. أمين جلال عن العمى أو الحول المعرفي غير دقيقة، رغم تعدد ونسبية الرؤية عند بعضهم لرؤية الفيل كاملا [2] ، وإصرار بعضهم الآخر على أن الفيل الذي أمامنا ليس فيلا إنما هـو حمامة بيضاء!

وفي تقديري، يعود تعدد الآراء إلى أسباب مختلفة، منها: الأيديولوجيا ، والموقع الاجتماعي، وزاوية الرؤية، وأسباب أخرى (مثل البعد والقرب من السلطة السياسية، ونوعية هـذه السلطة، [ ص: 59 ] والنقص في المعلومات...إلخ) إضافة إلى أنه من الصعب على باحث الإحاطة بظاهرة العولمة الجديدة عبر مستوياتها المختلفة، الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية، من خلال بحث صغير ينـشر في دورية خـاصـة، وأن هـذه الظاهرة العالمية الجديدة ما تزال في طور التكوين والتشكيل، ولم تتضح صورتها النهائية بعد. ولكننا نأمل في الكشف عن بعض جوانب هـذ الظاهرة، عسى أن نزيل بعض الالتباس، ونتحصن ببعض المعرفة النقدية، ونثري الاتجاه الكاشف لهذه الظاهرة العالمية الجديدة.

والله الموفق. [ ص: 60 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية