الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإدارة التربوية (مقدمات لمنظور إسلامي)

          الدكتور / عارف عطاري

          نموذج (سير جيوفاني)

          moral Leadership and Value – Based Schools

          يعد ( سير جيوفاني ) من أبرز مفكري الإدارة التربوية في العالم منذ مطلع السبعينيات، ويندر ألا تجد إشارة إليه في كتب الإدارة التربوية وبحوثها، ولكنه منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي تحول إلى بلورة نماذج جديدة للمدارس والإدارة التربوية قائمة على منطلقات أخلاقية ودينية، وهذا الجانب من جهده غير معروف في الكتابات العربية للأسف، وذلك لعدم متابعة المؤلفين العرب ومواكبتهم للتطورات الفكرية في العالم، سوف نعرض في هـذا الحيز تصور (سير جيوفاني) للقيادة الأخلاقية التربوية، أو القيادة القائمة على الفضيلة.

          يدعو (سير جيوفاني) إلى جعل المدرسة جماعة لا مجتمعا (جرت العادة في الأدبيات وصف المدرسة مجتمعا مصغراMicro Society) ، يفرق (سير جيوفاني) (1994) بين مجتمع (Society) وجماعة (Cummunity) ، تتكون الجماعة في نظره من أفراد يرتبطون معا بإرادة طبيعية وقيم وأفكار مشتركة، وهذه الروابط كافية لتحويلهم من (أنا) إلى (نحن) ومع الزمن تتطور للجماعة عواطف مشتركة وتقاليد راسخة، يرتبط الأعضاء في الجماعة بإرادة طبيعية تعتبر هـي القوة المحركة لهم، وتعطي لارتباطهم معنى وأهمية داخلية، لا توجد منفعة ملموسة أو هـدف محدد في ذهن طرفي العلاقة في الجماعة، أما في المجتمع فهناك إرادة عقلانية حيث تقرر أطراف العلاقة الارتباط ببعضها للوصول إلى هـدف معين ولتحقيق منفعة [ ص: 67 ] معينة، ومع انتهاء المنفعة قد تنتهي العلاقة، في الجماعة علاقة معنوية وفي المجتمع علاقة نفعية محسوبة، ورغم أن أعضاء الجماعة قد يحققون عوائد مادية إلا أنهم يسعون إلى ما وراء ذلك لبناء التزام معنوي وعلاقة خاصة مع المكان والفضاء والفكرة على مدار فترة من الزمن مما يعطي الأعضاء إحساسا بالأمن والأهمية وبمعنى للحياة بل وبهوية مشتركة، من أمثلة الجماعة الأسرة والحارة (الحي) والمؤسسة الدينية (أو المقدسة بشكل عام) .

          حسب رأي (سير جيوفاني) تمثل المؤسسات المعاصرة المجتمع العلماني. الدخول إليها مشروط، والعلاقات رسمية وباردة (distant) مضبوطة بالأدوار والعلاقات، ويتم التقويم وفق معايير مستقلة مجسدة في سياسات وقواعد وبرتوكولات ، وكلما عمل الفرد للمؤسسة أكثر وحقق لها أكثر ازداد قبولا. هـناك تنافس؛ من يحقق أكثر يحصل على تقويم أفضل، هـموم الأفراد قد لا تكون مشروعة، فالهموم المشروعة تحكمها الأدوار لا الحاجات، هـناك نفور من الذاتية بينما يعلي من شأن الموضوعية والعقلانية. ويضيف ( سير جيوفاني ) أن هـذا النوع من العلاقات يناسب المؤسسات ذات التوجه الربحي، ولكنه لا يناسب دار العبادة أو الجماعة الخيرية أو النادي الاجتماعي أو الجوار أو البلدة الصغيرة أو الجماعات التطوعية والأهم من ذلك المدرسة.

          إذا أريد للمدرسة أن تتحول إلى جماعة عليها طرح أسئلة مثل: ما الذي يمكن عمله لزيادة الإحساس بالجوار والأسرة والزمالة بين الأعضاء؟ كيف يمكن جعل الأعضاء مهنيين يعتني كل بالآخر ويساعد الآخر للحياة معا والتعلم معا والقيادة معا؟ ما نوع العلاقات التي تجعل الآباء وأفراد المجتمع جزءا من المجتمع المدرسي؟ ما القيم والأفكار التي يمكن بها تحويل المدرسة إلى جماعة؟ كيف يمكن توظيف القيم والالتزامات بحيث ترشد القيادة، كيف [ ص: 68 ] وماذا تتعلم الجماعة، وكيف يتعلمون من بعضهم ويعاملون بعضهم، ما أنماط الالتزامات والواجبات المشتركة؟

          ومع الزمن يجب أن تترسخ تقاليد وأعراف تنقل وتعلم للأعضاء الجدد وتحكم عمل الجماعة وتشكل الذاكرة الجمعية للجماعة (CollectiveMemory of the Community) هـذه الذاكرة تحافظ على الاستمرار والترابط وتضفي على الحياة معنى وأهمية.

          في مثل هـذه المدرسة تنتقل مهمة تطوير الأداء والتدريب من الإدارة إلى المدرسين انطلاقا من التزامهم بتطوير أدائهم، بينما يشارك المديرون والمشرفون في المتابعة والمساءلة لضمان النوعية، ويقل دور الحوافز الخارجية ودور الخبراء الخارجيين، كل ذلك يقتضي معايير جديدة للنوعية واستراتيجيات مساءلة جديدة وطرق جديدة للعمل – قيادة جديدة قائمة على التأثير بالإقناع والقدوة واستثارة القوى المعنوية الداخلية، هـذا التأثير متبادل، وما لو يوافق العاملون على أن يقادوا فلا يستطيع القائد أن يقود. وعلى القادة أن يكونوا جزءا من ذلك النظام حتى وهم يحاولون تغييره، وإلا ستفشل قيادتهم، أما لجوء القادة لإصدار أو طلب الانصياع خوفا من الفشل فقد يؤدي إلى التضحية بالتزام الأعضاء.

          حتى تنجح القيادة تحتاج إلى الارتباط بفهم مجمع عليه يتوسط هـذا التأثير المتبادل، يتجسد هـذا الفهم بأغراض مشتركة مرتبطة بالتزامات أخلاقية، تحول هـذه الارتباطات دون تحول القيادة إلى مجرد عمليات تقنية فنية، في مثل هـذه المدرسة تتفوق الالتزامات الأخلاقية على العمليات الفنية في حالة الصراع بين النوعين من الالتزامات، وفي مقدمة الالتزامات [ ص: 69 ] الأخلاقية لمدير المدرسة مثلا الاهتمام بحاجات المدرسة كمؤسسة وخدمة أهدافها والعمل كحارس على وحدتها المؤسسية.

          المنظمات في المجتمع تولد سلطة. والمدارس ليست استثناء، أما الجماعة فتولد التزامات وواجبات تنبع من الروابط التي تربط أعضاء الجماعة: كما تنبع من السلطة المهنية التي تأخذ شكل التزام بالممارسة الفاضلة. عندها تنزوي السلطة الشخصية والبيروقراطية في الهامش وتحتل السلطة المهنية المركز، هـكذا يتغير مفهومنا للقيادة وطريقة عملها، بهذا يصبح المعلمون والمديرون معا منتمين إلى قيم ومعتقدات وأفكار مشتركة.

          لقد كتب ( سير جيوفاني ) كثيرا عن القيادة التي تنبع من الأفراد في المنظمة، ويمارس فيها المدير قيادة مستندة إلى المثل المشتركة والروابط الأخلاقية، فيأتي المدرسون والآباء والطلاب معا فيخدم المدير كقائد للنقاش حول ما هـو الأفضل، ويقدم النموذج في التدريس وفوق ذلك يقوم بمساعدة الآخرين، من أجل ذلك يجب أن يرى المديرون المنظمات كمؤسسات غير رسمية استيعابية مرنة متعاونة (geterarchical) (عكس الهرمية Hierarchichical) .

          هذا ويؤكد (سير جيوفاني) أنه رغم أن الأخلاق والفضيلة لها قيمة في حد ذاتها فإن كون المدارس تعمل استنادا إلى الأخلاق والفضيلة لا يعني ضعف الأداء بل على النقيض من ذلك فإنه بناء على بيانات ومشاهدات جمعها من مدارس قائمة على الفضيلة تبين له أن نتائجها لا تقل عن المدارس الأخرى إن لم تكن أفضل. [ ص: 70 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية