الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
3- نتائج عولمة نظم التربية في البلاد العربية:

وقد نجـم عن عولمـة نظم التربية العربية العديد من النتائج السلبية لعل أبرزها:

- وقوع أنظمة التعليم العربية تحت هيمنة الدول الرأسمالية الكبرى والمنظمات والمؤسسات الدولية ذات الطابع التربوي والاقتصادي والتجاري، مما يسمح لها التدخل في استراتيجيات التربية العربية، وإملاء سياستها عليها، وانصياعها لشروطها المجحفة تحت ذريعة تقديم المساعدات والقروض [1] .

- حدوث قطيعة شبه كاملة بين نظام التربية، الذي تكون في ظل الحضارة العربية والإسلامية، ونظم التربية الحديثة في البلاد العربية؛ مما أحدث قطعا لمسيرة التاريخ، وفصلا لنظم التربية الحديثة عن الموروث الثقافي والعلمي العربي.

- امتد قطع مسيرة تاريخ التربية العربية إلى حدوث قطيعة في الجغرافيا العربية، تمثلت هنا في قطيعة بين نظم التربية الحديثة في البلاد العربية وتمزق أواصر التعاون والتكامل بينها، والاستفادة من التجارب الحديثة، مما يؤكد ارتباطها بالخارج وتبعيتها له. [ ص: 167 ]

- تزايد اتجاه نظم التربية العربية نحو إعادة إنتاج الثقافة الغربية؛ لأن استعارة منظومة التربية الغربية ومحاكاتها لها يؤدي إلى فصلها عن جذورها وروابطها بأصولها، وبالتالي فما أزمة التربية في البلاد العربية إلا شاهد لفقدانها لهويتها الوطنية، وانفصالها عن مجتمعاتها، ويتبدى ذلك في ضعف مقاومتها الداخلية، وتواري تفاعلها الحضاري الإبداعي، وتهاوي منافستها لنظم التربية الغربية [2] .

- حدوث فجوة لغوية بين اللغة العربية، ولغات العالم، ولا سيما لغات الدول الرأسمالية الكبرى، سواء فجوة في التنظير، أو فجوة في المفاهيم..الخ [3] ؛ نتيجة لعجز نظم التعليم العربية عن استيعاب لغة التقنية الحديثة، والكثير من مشروعات العلم الحديثة؛ ونتيجة لغياب مجمع لغوي موحد للبلاد العربية، والعجز الملحوظ في تعريب وترجمة الكتب والبحوث الأجنبية، وسيادة اللغة الإنجليزية والفرنسية على اللغة العربية في العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية والتقنية.

- تعايش مؤسسات التعليم، وفي مقدمتها مؤسسات التعليم العالي، أزمة هوية مزدوجة فلا هي قادرة على الخروج من أفق الدولة الوطنية، والتخلي عن أدوارها التاريخية، ولا هي قادرة على تحويل الثقافة والعلم والمعرفة إلى تجارة شأنها شأن أي سلعة في السوق الرأسمالي العالمي، وتقديم المعرفة للزبائن الجدد وفقا لمعايير السوق [4] . [ ص: 168 ]

- عجز نظم التربية العربية عن تجديد الفكر القومي وتنمية الشعور بالهوية العربية، وتعزيز صور الانتماء الوطني، مقابل عجزها عن تحصين النشء والشباب -خصوصا- وسكان المجتمع -عموما- ضد أخطار الاختراق الثقافي والغزو الإعلامي والمعلوماتي لقوى العولمة.

- عجز نظم التربية العربية عن استيعاب السكان في سن التعليم، وتقديم الفرص التعليمية المناسبة لقدرات أبناء المجتمع، للحياة والعمل والتنمية وأنشطة السكان، وبالتالي صارت مصدرا لزيادة أعداد الأمية ولاسيما الوظيفية والتقنية والحضارية والإعلامية، ومصدرا للتمايزات الاجتماعية والاقتصادية.

- جمود المناهج التعليمية، إذ فوق أنها مناهج حكومية تمثل وجهة نظر السلطة؛ كي تعيد إنتاجها هي والنظام الاجتماعي الحاضن لها فهي عاجزة عن تنمية المهارات الأساسية، ومهارات التعلم الذاتي، ومهارات التفكير النقدي والإبداعي، ومهارات استخدام مصادر التعلم الحديثة.

- تدني قدرة نظم التربية العربية على الاهتمام بالمستقبل واستشراف متغيراته والاستعداد لمواجهتها؛ نتيجة استغراقها في تفاصيل الحاضر وهمومه، وانغماسها في حل إشكالاتها المعقدة التي ما انفكت تتزايد وتتعقد كلما طال أمد مواجهتها بحسم.

- قصور كبير في صيغ ونماذج التعليم المجدد في أغلب نظم التربية العربية كالتعليم والتدريب المستمر، والتعليم مدى الحياة، وصيغ التعليم من بعد، وغياب استخدام الإعلام الجماهيري في التعليم؛ وما يتوافر منها يطبق بصورة تقليدية وأداء شكلي.

- تراجع أهمية التربية الإسلامية واللغة العربية وآدابها في التعليم، حتى أن الكثير من الدول العربية تستبعدها عند استخراج نسب التخرج في الثانوية العامة. [ ص: 169 ]

- تدني العملية التعليمية التربوية في البلاد العربية، حيث تدنت جودة نظم التعليم، وانخفضت كفايتها النوعية والكمية، وتراجع مستوى مخرجاتها، ويتجلى ذلك في أكثر من مجال، منها: تراجع مقدرتها على إكساب الدارسين المهارات والخبرات الأساسية للعيش والمشاركة في أنشطة المجتمع، وتراجع اتجاهات الإخلاص في العمل وإتقانه، وعجزها عن تنمية مهارات التعلم الذاتي من مصادر التعلم، وعجزها عن تنمية أساليب التفكير العلمي والإبداعي والاستكشافي.

- صارت نظم التربية العربية تعلم فنون الاستهلاك والشراء والاستيراد بدلا من فنون الإنتاج والتصدير، بدليل أن نتائجها إلى الواقع هو في أغلبه تكديس أعداد من بطالة المتعلمين بعقول فارغة تطمح بكل السبل إلى ما تستهلكه.

- عجز نظم التربية العربية عن توفير شروط ومقومات اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة؛ مما يقوض تدريجيا من فرص استفادة المجتمعات العربية من الثورة العلمية والتقنية، ومن تطور وسائل المعلومات والاتصالات، ومن ثم ضيق فرص التنمية المستدامة.

- تزايد عجز نظم التعليم عن تلبية احتياجات سوق العمل والتنمية من القوى العاملة الماهرة بقدرات ومهارات عالية المستوى في مختلف [ ص: 170 ] التخصـصات وعلى كافة المستويات، وما يترتب على ذلك من نتائـج سلبية، منها: حدوث اختـلالات حادة في سـوق العمل بين الزيادة المفرطة في تخصصات، وعجز كبير في تخصصات أخرى، واستفحال البطالة بما فيها الهيكلية، ومن ثم صار التعليم ومخرجاته عبئا ثقيلا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

- ضعف قدرة القطاع الخاص في البلاد العربية على تقديم الخدمة التعليمية المتميزة؛ لأنه مرتبط بالخارج، ولا يملك ضوابط مجتمعية للتنظيم الاجتماعي الكفء، وهو محكوم بحافز الربح والمعايير المالية المادية التي أخذت تحل محل قيم العلم ومعايير الثقافة الوطنية؛ وتحل المعايير الفردية محل المعايير المجتمعية، فضلا عن تأثيراتها السلبية على مؤسسات التعليم الحكومية.

- تفشي الأمية التقنية والإعلامية في البلاد العربية، وخاصة بين قطاع كبير من الشباب والنشء؛ نتيجة غياب التربية الإعلامية في أغلب نظم التعليم العربية، وما يترتب على ذلك من استسلامهم للإعلام والاتصالات دون معرفة كيفية التلاعب بعقولهم واستلاب وعيهم، وتجريدهم من هويتهم الثقافية وانتمائهم للوطن الأم.

- تدني الإنتاج المعرفي لدى الغالبية الساحقة من الجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي في البلاد العربية؛ نتيجة لعوامل عديدة، في مقدمتها اعتمادها على ما ينتج في الغرب، وضعف قدرات ومهارات البحث العلمي. [ ص: 171 ]

- تكونت فجوة عميقة بين نظم التربية في البلاد العربية، ونظم التربية في البلاد الغربية، كما ونوعا، عمقا ومستوى، أصالة وابتكارا، نتائج ومنافع، فلا استطاعت نظم التعليم أن تستـوعب السكان في سن التعليم، ولا تمكنت من إكسابـهم المهـارات الأسـاسية للحياة والعمل والإنتاج، ولا محت أميتهم الثقافية والتقنية والإعلامية والحضارية.

- يؤدي اختلاف أنماط التعليم ومؤسساته إلى تكوين فئات متباعدة متناقضة، وإلى وجود أفراد تجمعهم مواطنة طبقية، فضلا عن تحول المدارس والجامعات الخاصة إلى أداة لتوسيع الفجوة بين الشرائح الاجتماعية، وتشويه العلاقات الموروثة، ومصدر للتوتر والصراع [5] .

- تزايد هجرة الكفايات البشرية والأيدي العاملة المبدعة والتقنيين المهرة إلى الخارج؛ لأسباب الطرد الداخلية، وعوامل الجذب الخارجية.

- تحول مؤسسات التعليم إلى مستهلك للمعلومات وصناعة تقنيات المعلومات وليس منتجا لها، وضعف قدرتها على الاستفادة من المعلومات لاستخدامها في شؤون الحياة.

- تراجع المهارات الأساسية لدى الدارسين مثل: القراءة والكتابة، والعد، وتراجع منظومة القيم. [ ص: 172 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية