المشهد الثالث: مشهد التغيير الجذري لنظم التربية في البلاد العربية (المشهد المتفائل):

يتوقع هذا المشهد أن يتم خلال العقد القادم حدوث تحول جوهري في الكيان العربي المشترك، ليس شرطا أن يأخذ شكل وحدة اندماجية -وإن كان هذا هو المأمول من كآفة الشعوب العربية- وإنما قيام كيان اتحادي يجمع البلاد العربية، له سلطة اتحادية وأجهزة تشريعية وقضائية وتنفيذية، شبيه بالاتحاد الأوربي المشترك. [ ص: 178 ]

ويتوقع أن يتبنى اتحاد الدول العربية المشترك، أو الاتحاد العربي المشترك مشروعا تنمويا لمجمل البلدان العربية، تكون فيه نظم التربية العربية في مقدمة اهتمامات هـذا المشـروع التنموي الموحد كأساس لانطلاق التنمية العربية الموحدة.

ولجعل نظم التربية العربية قاعدة التنمية العربية الموحدة وأساس النهوض الحضاري القادم، يحتمل أن تشهد نظم التربية العربية تغيرات جذرية، فكرا وتطبيقا، شكلا ومحتوى، تنظيما وإدارة، في إطار نهج استراتيجي يعيد تشكيل نظم تربوية متداخلة ومتـكامـلة، نظـامية ولا نظامية، مدرسية ولا مدرسية، تنتج بيئات تربوية تتنوع وتتعدد تبعا لظروف السكان، واحتياجاتهم المتباينة والمتعددة، وتمتد بامتداد أوضاعهم الحياتية الخاصة والعامة، العلمية والعملية.

وطبيعي أن يتبنى الاتحاد العربي المشترك مشروعا لتغيير نظم التربية العربية تغييرا جذريا على أسس فكرية واضحة، بمضامين وآليات عملية تجمع بين أصالة الثقافة العربية الإسلامية ومتطلبات استمرارها، وبين المعاصرة وما تفرضه متطلبات التغيرات المحلية والدولية من استيعاب مستجدات الثورة العلمية والتقنية وثورة الاتصالات والإعلام والمعلوماتية، وتوظيفها في إعادة إنتاج الثقافة الإسلامية، وتستجيب لاحتياجات المناطق العربية وأنشطة السكان، وتلبي متطلبات التنمية وسوق العمل، وتؤسس لتكوين اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة، وتمد نظرها إلى المستقبل تستشرف آفاقه وتحدياته واحتمالات تغيره، والاستعداد لمواجهته. [ ص: 179 ]

وإذا ما حدث هذا التغيير الجذري لنظم التربية العربية وأتت ثمارها المرجوة؛ فسوف تتحرر نظم التربية العربية من تبعيتها لنظم التربية الغربية وهيمنة الدول الرأسمالية الكبرى والمنظمات الدولية، عندها سوف تفقد العولمة هيمنتها على نظم التربية العربية، وسوف تتضاءل تدريجيا آليات فعل العولمة وتختفي، لتتحـول العـولمة إلى رافد أو مصدر لدعم تغير نظم التربية العربية، وتجـديد الثقـافة العربية الإسلامية وتقـوية تفاعـلها مع الثقافات والحضارات المختلفة، وتكيفها مع كل جديد مستحدث دون أن تفقد خصوصياتها.

تلك هي المشاهد المستقبلية الثلاثة لنظم التربية في البلاد العربية، ولكن أيهما سيكون الأكثر احتمالا للحدوث؟

بالنظر إلى واقع حال نظم التربية العربية وما تعانيه من عجز شبه كلي، ومن استقراء أوضاع البلدان العربية وما تعانيه من شلل تنموي وتدهور اقتصادي واجتماعي وسياسي، واستسلامها للدول الكبرى، يبدو أن المشهد الأول هو المشهد الأكثر احتمالا وترجيحا.

وقد يذهب بعضهم إلى أن كاتب هذه السطور متشائم، وله نظرة سوداوية. ويمكن الرد على هؤلاء بأن الكاتب متفائل ويتمتع بنظرة واقعية؛ لسبب بسيط هو أنه لا يكذب على نفسه. وهو عندما يصارح نفسه والناس بحقيقة المرض، حتى وإن كان تشخيصه غير دقيق، فقد توافرت لديه النية للبحث عن حلول. ومن يصارح نفسه والناس فهو متفائل؛ لأنه استشعر أخطار المستقبل، وتكونت لديه إرادة التغيير، والعكس صحيح. [ ص: 180 ]

ثم إن الذين يعملون للحاضر وتهمهم النتائج الآنية فليس لديهم موقف أصلا من المستقبل، أكان متشائما أو متفائلا. أما الذي يستشرف المستقبل يتجرد من الذاتية والأحكام المتحيزة؛ لأنه يبتعد عن المصلحة الذاتية الآنية، بعكس الذين يتناولون الواقع الراهن فهم مشدودون إليه. وبغض النظر عن هذا وذاك، فإن استشراف المستقبل هو بحد ذاته عملية وقائية تتوقع المشكلات وأخطارها في ضوء معطيات الحاضر، وتمكن من البحث عن سبل مواجهتها قبل أن تتعقد وتفرض واقعا مرا بكل مآسيه.

ويتضح من العرض السابق أن عولمة نظم التربية العربية قطعت شوطا كبيرا، وأسست لها قواعد حصينة وسط صمت واستسلام عربي رسمي، بقصد وبدون قصد، وباتت تعايش أزمة حقيقية استحكمت حلقاتها، وصارت تنذر بأفدح العواقب إذا استمرت أوضاعها الحالية في المستقبل.

صحيح أن نظم التربية العربية ما زالت تمتلك -في الوقت الحاضر- بعض المناعة الداخلية لحماية بعض ثوابتها، والقيام ببعض أدوارها الوطنية؛

وصحيح أن نظم التربية العربية لا تزال تقاوم عولمتها؛

وصحيح أيضا أن للعولمة إيجابيات يمكن الاستفادة منها لدرء أخطارها؛

ولكن، إذا استمرت الأوضاع الحالية لنظم التربية العربية في المستقبل، وظلت في حالة اعتماد على نظم التربية الغربية وتسير في ظلها، تاركة تقنيات الإعـلام والمعلـومات والاتصـالات تقـوم بأدوارها التربوية، وإذا استمرت مقاومة عولمة نظم التربية العربية بنفس الأساليب والأدوات [ ص: 181 ] الحالية؛ فسوف تسوء أوضاع نظم التربية العربية، وسوف تقع فريسة لعولمتها بالكامل؛ لأن هجوم العولمة جارف وكاسح وشامل، ولا تتيح فرص الاختيار من بينها، وتوظيف إيجابياتها لتجنب أخطارها.

وستكون المعركة خاسرة ما لم تحدث تغيرات جوهرية تتيح لها تسلم زمام المبادرة، وما لم تتحول المقاومة إلى مقاومة إيجابية تتسلح بأدوات وأساليب العولمة ذاتها القائمة ليس في المجال التربوي فحسب، وإنما في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والعلمية والتقنية ^[1] .

هناك تحذيرات وصيحات استغاثة ما انفك علماء ومفكرو وتربويو البلاد العربية يطلقونها الواحدة تلو الأخرى، مصحوبة بصرخات الفزع من أخطار عولمة نظم التربية العربية وعولمة المجالات الأخرى، وما تعايشه البلاد العربية من هجمة مخططة للعولمة أخذت تنتشر بسرعة فائقة، وتكتسح كل ما يقف في طريقها؛ ومؤشرات فعلها ونتائجها ماثلة اليوم للعيان هنا وهناك، وقد بحت أصواتهم وهم يستنهضون القيادات والمسؤولين عن نظم التربية الوقوف أمام هذا الخطر الداهم، ونتائجه الكارثية على مستقبل البلاد العربية والأمة الإسلامية محققة.

ولا يسع كاتب هذه السطور إلا أن يضم رأيه وصوته إلى تلك الأصوات -على الأقل- من باب إخلاء المسؤولية التاريخية [ ص: 182 ]

المشهد الثالث: مشهد التغيير الجذري لنظم التربية في البلاد العربية (المشهد المتفائل):

يتوقع هذا المشهد أن يتم خلال العقد القادم حدوث تحول جوهري في الكيان العربي المشترك، ليس شرطًا أن يأخذ شكل وحدة اندماجية -وإن كان هذا هو المأمول من كآفة الشعوب العربية- وإنما قيام كيان اتحادي يجمع البلاد العربية، له سلطة اتحادية وأجهزة تشريعية وقضائية وتنفيذية، شبيه بالاتحاد الأوربي المشترك. [ ص: 178 ]

ويتوقع أن يتبنى اتحاد الدول العربية المشترك، أو الاتحاد العربي المشترك مشروعًا تنمويًا لمجمل البلدان العربية، تكون فيه نظم التربية العربية في مقدمة اهتمامات هـذا المشـروع التنموي الموحد كأساس لانطلاق التنمية العربية الموحدة.

ولجعل نظم التربية العربية قاعدة التنمية العربية الموحدة وأساس النهوض الحضاري القادم، يحتمل أن تشهد نظم التربية العربية تغيرات جذرية، فكرًا وتطبيقًا، شكلًا ومحتوى، تنظيمًا وإدارة، في إطار نهج استراتيجي يعيد تشكيل نظم تربوية متداخلة ومتـكامـلة، نظـامية ولا نظامية، مدرسية ولا مدرسية، تنتج بيئات تربوية تتنوع وتتعدد تبعًا لظروف السكان، واحتياجاتهم المتباينة والمتعددة، وتمتد بامتداد أوضاعهم الحياتية الخاصة والعامة، العلمية والعملية.

وطبيعي أن يتبنى الاتحاد العربي المشترك مشروعًا لتغيير نظم التربية العربية تغييرًا جذريًا على أسس فكرية واضحة، بمضامين وآليات عملية تجمع بين أصالة الثقافة العربية الإسلامية ومتطلبات استمرارها، وبين المعاصرة وما تفرضه متطلبات التغيرات المحلية والدولية من استيعاب مستجدات الثورة العلمية والتقنية وثورة الاتصالات والإعلام والمعلوماتية، وتوظيفها في إعادة إنتاج الثقافة الإسلامية، وتستجيب لاحتياجات المناطق العربية وأنشطة السكان، وتلبي متطلبات التنمية وسوق العمل، وتؤسس لتكوين اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة، وتمد نظرها إلى المستقبل تستشرف آفاقه وتحدياته واحتمالات تغيره، والاستعداد لمواجهته. [ ص: 179 ]

وإذا ما حدث هذا التغيير الجذري لنظم التربية العربية وأتت ثمارها المرجوة؛ فسوف تتحرر نظم التربية العربية من تبعيتها لنظم التربية الغربية وهيمنة الدول الرأسمالية الكبرى والمنظمات الدولية، عندها سوف تفقد العولمة هيمنتها على نظم التربية العربية، وسوف تتضاءل تدريجيًا آليات فعل العولمة وتختفي، لتتحـول العـولمة إلى رافد أو مصدر لدعم تغير نظم التربية العربية، وتجـديد الثقـافة العربية الإسلامية وتقـوية تفاعـلها مع الثقافات والحضارات المختلفة، وتكيفها مع كل جديد مستحدث دون أن تفقد خصوصياتها.

تلك هي المشاهد المستقبلية الثلاثة لنظم التربية في البلاد العربية، ولكن أيهما سيكون الأكثر احتمالًا للحدوث؟

بالنظر إلى واقع حال نظم التربية العربية وما تعانيه من عجز شبه كلي، ومن استقراء أوضاع البلدان العربية وما تعانيه من شلل تنموي وتدهور اقتصادي واجتماعي وسياسي، واستسلامها للدول الكبرى، يبدو أن المشهد الأول هو المشهد الأكثر احتمالًا وترجيحًا.

وقد يذهب بعضهم إلى أن كاتب هذه السطور متشائم، وله نظرة سوداوية. ويمكن الرد على هؤلاء بأن الكاتب متفائل ويتمتع بنظرة واقعية؛ لسبب بسيط هو أنه لا يكذب على نفسه. وهو عندما يصارح نفسه والناس بحقيقة المرض، حتى وإن كان تشخيصه غير دقيق، فقد توافرت لديه النية للبحث عن حلول. ومن يصارح نفسه والناس فهو متفائل؛ لأنه استشعر أخطار المستقبل، وتكونت لديه إرادة التغيير، والعكس صحيح. [ ص: 180 ]

ثم إن الذين يعملون للحاضر وتهمهم النتائج الآنية فليس لديهم موقف أصلًا من المستقبل، أكان متشائمًا أو متفائلًا. أما الذي يستشرف المستقبل يتجرد من الذاتية والأحكام المتحيزة؛ لأنه يبتعد عن المصلحة الذاتية الآنية، بعكس الذين يتناولون الواقع الراهن فهم مشدودون إليه. وبغض النظر عن هذا وذاك، فإن استشراف المستقبل هو بحد ذاته عملية وقائية تتوقع المشكلات وأخطارها في ضوء معطيات الحاضر، وتمكن من البحث عن سبل مواجهتها قبل أن تتعقد وتفرض واقعًا مرًا بكل مآسيه.

ويتضح من العرض السابق أن عولمة نظم التربية العربية قطعت شوطًا كبيرًا، وأسست لها قواعد حصينة وسط صمت واستسلام عربي رسمي، بقصدٍ وبدون قصد، وباتت تعايش أزمة حقيقية استحكمت حلقاتها، وصارت تنذر بأفدح العواقب إذا استمرت أوضاعها الحالية في المستقبل.

صحيح أن نظم التربية العربية ما زالت تمتلك -في الوقت الحاضر- بعض المناعة الداخلية لحماية بعض ثوابتها، والقيام ببعض أدوارها الوطنية؛

وصحيح أن نظم التربية العربية لا تزال تقاوم عولمتها؛

وصحيح أيضًا أن للعولمة إيجابيات يمكن الاستفادة منها لدرء أخطارها؛

ولكن، إذا استمرت الأوضاع الحالية لنظم التربية العربية في المستقبل، وظلت في حالة اعتماد على نظم التربية الغربية وتسير في ظلها، تاركة تقنيات الإعـلام والمعلـومات والاتصـالات تقـوم بأدوارها التربوية، وإذا استمرت مقاومة عولمة نظم التربية العربية بنفس الأساليب والأدوات [ ص: 181 ] الحالية؛ فسوف تسوء أوضاع نظم التربية العربية، وسوف تقع فريسة لعولمتها بالكامل؛ لأن هجوم العولمة جارف وكاسح وشامل، ولا تتيح فرص الاختيار من بينها، وتوظيف إيجابياتها لتجنب أخطارها.

وستكون المعركة خاسرة ما لم تحدث تغيرات جوهرية تتيح لها تسلم زمام المبادرة، وما لم تتحول المقاومة إلى مقاومة إيجابية تتسلح بأدوات وأساليب العولمة ذاتها القائمة ليس في المجال التربوي فحسب، وإنما في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والعلمية والتقنية ^[1] .

هناك تحذيرات وصيحات استغاثة ما انفك علماء ومفكرو وتربويو البلاد العربية يطلقونها الواحدة تلو الأخرى، مصحوبة بصرخات الفزع من أخطار عولمة نظم التربية العربية وعولمة المجالات الأخرى، وما تعايشه البلاد العربية من هجمة مخططة للعولمة أخذت تنتشر بسرعة فائقة، وتكتسح كل ما يقف في طريقها؛ ومؤشرات فعلها ونتائجها ماثلة اليوم للعيان هنا وهناك، وقد بحت أصواتهم وهم يستنهضون القيادات والمسؤولين عن نظم التربية الوقوف أمام هذا الخطر الداهم، ونتائجه الكارثية على مستقبل البلاد العربية والأمة الإسلامية محققة.

ولا يسع كاتب هذه السطور إلا أن يضم رأيه وصوته إلى تلك الأصوات -على الأقل- من باب إخلاء المسؤولية التاريخية [ ص: 182 ]